- حسان حيدر
لم يمض شهران على رفض بشار الأسد اقتراح المناطق الآمنة الذي تحدث عنه دونالد ترامب بغموض قبيل تسلمه سلطاته، حتى أعلنت دمشق أنها تؤيد الاقتراح نفسه، بعدما جاء هذه المرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبتأييد من إيران.
ففي العاشر من شباط (فبراير) الماضي رفض الأسد في مقابلة مع «ياهو نيوز» الفكرة واعتبر أنها «غير واقعية، وغير ممكنة قبل تحقيق الأمن والاستقرار في سورية والقضاء على الإرهابيين». وقبل ثلاثة أيام فقط قال وزير خارجيته وليد المعلم إن حكومته تلتزم اتفاق آستانة بإنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد بضمانة كل من موسكو وأنقرة وطهران، لكنه شدد على أن ذلك «لن يوقف الحرب على المجموعات الإرهابية».
ومع أن حاكم دمشق لا يملك أي قدرة على رفض ما يقبل به رعاته الروس والإيرانيون، إلا أن هؤلاء يحرصون على أن يعلن شكلياً موقفه ليمنحهم ذرائع قد يحتاجونها لاحقاً للتملص.
ليس معروفاً من أين جاء اقتراح ترامب. فهو قال إن الأوروبيين ارتكبوا خطأ فادحاً عندما وافقوا على استقبال ملايين اللاجئين من سورية والشرق الأوسط. ومع أن الولايات المتحدة لم تكن معنية مباشرة بأزمة اللاجئين التي هزت أوروبا، بسبب بعدها الجغرافي.
من الواضح أن بوتين تلقف الفكرة الأميركية أو ربما كان وراءها منذ البداية. غير انه قدم صيغة مختلفة تطالب واشنطن بتعديلها، مبدية تخوفاً من «شيطان التفاصيل».
لكن، إضافة الى الموقف الأميركي الذي قد يتغير بعد لقاءات لافروف في واشنطن، تبدو دوافع روسيا وتركيا وإيران موقتة، ومرشحة لتقلبات تفرضها الحسابات الخاصة بكل منها.
فموسكو تعتقد أن الاتفاق سيمكنها من انتزاع قيادة الحل العسكري- السياسي في سورية، بما يضمن دورها ومصالحها، ومن تعقيد المهمة الأميركية في طرد «داعش» من معقله في الرقة، حيث لا تجني الولايات المتحدة وحدها الفضل في طرده، بعدما منعتها من المشاركة في الحرب على التنظيم في العراق. ولهذا سرّب الروس معلومات عن حظر طيران التحالف الدولي ضد «داعش» ثم تراجعوا بعدما زمجر الأميركيون.
ويرى الروس أن خطتهم تمنح قوات الأسد الفرصة لإعادة ترتيب أوضاعها في مناطق سيطرتها «المفيدة»، بما يكرس التفوق الذي حققته حتى الآن بمساعدتهم، كما تطلق يدها في مواصلة استهداف مناطق بعينها بحجة أن فيها «إرهابيين».
وتعرف موسكو أن مفاوضات الحل السياسي ستطول بما يكفي لتغيير الأدوار وتعديل الأوضاع على الأرض، مع احتمالات نشوب قتال بين المعارضة والمتطرفين. وربما ينشغل الأميركيون بقضايا أكثر أهمية من البحث عن ترتيبات للحكم في سورية.
وبالنسبة الى تركيا التي تدعم بعض فصائل المعارضة، فهي ترى أن تدخلها وتأثيرها سيكونان أسهل بكثير في شمال سورية، لأن لديها حوالى ثلاثة ملايين لاجئ سوري يفترض أن ينتقل معظمهم الى المنطقة الآمنة هناك عبر الشريط الذي يحتله جيشها، ما يعني تشكيل غالبية عربية مستجدة في مناطق الأكراد المحاذية للحدود التركية، تقضي على أي فكرة للحكم الذاتي.
وتقرّبُ أنقرة من موسكو مرده الى استيائها الشديد من دعم واشنطن «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تتهمها بأنها امتداد لـ «حزب العمال الكردستاني». وزاد هذا الاستياء بعدما وافق ترامب أول من أمس على تسليح «الوحدات» واعتمادها قوة رئيسية في الهجوم المزمع على الرقة.
أما إيران المتخوفة من خطوة أميركية لقطع طريق الإمداد البري من أراضيها الى «حزب الله» عبر العراق وسورية، فهي بحاجة الى تعزيز تحالفها مع الروس لاستيعاب هجمة ترامب وعزمه على تقليص دورها في سورية، وفي حاجة ايضاً الى تهدئة جبهات القتال التي ينخرط فيها الحزب لمنحه فرصة لالتقاط انفاسه، لا سيما في ظل التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة والغارات التي تستهدف مخازن سلاحه في الاراضي السورية. ولهذا فهي تقبل موقتاً بالاحتفاظ بما يمكن الحفاظ عليه بانتظار تغير الموازين.
واذا كانت أهداف كل من أطراف اتفاق آستانة مختلفة عن الآخر، فهذا يعني أن نجاح تطبيقه رهن باستمرار خدمته هذه الأهداف المتباينة، وأن تغيرها بالنسبة الى أي منهم سيؤدي الى تقويضه، وهو أمر قد لا يتأخر اذا نجح الأميركيون في «تحييد» أحدهم.
- نقلاً عن: الحياة اللندنية
عذراً التعليقات مغلقة