ثورة المتروكين السورية.. هكذا بدأنا (3)

عمر إدلبي6 أبريل 2017Last Update :
ثورة المتروكين السورية.. هكذا بدأنا (3)

* عمر إدلبي

تقتضي الأمانة أن أؤكد دائماً أن مجموعات متعددة من الناشطين والناشطات كانت تعمل وتنشط في التحضير لحراك احتجاجي قبل انطلاق الثورة السورية، وأن هذه المجموعات لم تكن كلها على تواصل وتنسيق مع بعضها، حتى أننا لم نكن نعرفها جميعها، وربما لم يكن عدد من هذه المجموعات يعرف عن نشاطنا شيئاً.
وفي هذا السياق، كان مفاجأة سارة للغاية أن أسمع من الشاعر الصديق الحمصي عمر سليمان الذي كانت تربطني به علاقة طيبة عمرها سنوات أنه ينشط بشكل واسع مع عدد من الشباب السوريين الطامحين للحرية في أكثر من مدينة في سوريا، واتفقنا على تنسيق جهودنا بشكل مشترك، وبالفعل التقينا عدة مرات في منزله بحي الوعر، ومنزل أهله في حي الخالدية، وفي مكتبي في حي جورة الشياح، وبحثنا ضرورة الاستعداد والتجهيز لمتطلبات المظاهرات، وفي مقدمة هذه الاحتياجات الكاميرات السرية.
كانت خياراتنا لتأمين هذه الكاميرات من سوريا معدومة تماماً، لذلك تواصلت مع الدكتور أيهم حداد وهو طبيب معارض مقيم في الولايات المتحدة وتجمعني به صداقة على الفيسبوك، وسألته عن إمكانية تأمين مثل هذه الكاميرات، كما وجهت نفس السؤال لشقيقي محمد علي إدلبي المقيم في لبنان، ولاحقاً تولى عمر سليمان عن طريق أحد معارفه تهريب عدد كبير من هذه الكاميرات من لبنان إلى حمص، بعد أن أرسل لنا الدكتور أيهم أكثر من 15 قلماً تحتوي كاميرات سرية، كما تمكن شقيقي محمد علي من تأمين أكثر من 20 قبعة ونظارة تحتوي جميعها كاميرات سرية.
الكاميرات لم تصل في الوقت المطلوب، كنا نريدها معنا قبل انطلاق مظاهرة 15 آذار واعتصام وزارة الداخلية في 16 آذار في دمشق، لكنها وصلت يوم الأحد 20 آذار، آنذاك انطلقنا أنا وعمر سليمان والناشط المعتقل حاليا (عبد الكريم ص) وبدوي المغربل “المعروف بأبو جعفر المغربل” انطلقنا كل منا باتجاه في سوريا لتوزيع الكاميرات السرية على الناشطين، وكانت وجهتي أنا إلى مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماه، حيث التقيت هناك في منزل الصديق والناشط (ياسين س) عدداً من الناشطين الذين كانوا يعدون العدة لإطلاق مظاهرات في مدينة سلمية التي كانت نارها تحت الرماد على وقع مظاهرات 18 آذار وما يجري في درعا، وكان يجب أن أنطلق في اليوم التالي، أي في يوم 21 آذار إلى مدينة القصير في ريف حمص الغربي لتسليم الكاميرات السرية لناشطين هناك، لكن كان عناصر فرع المخابرات الجوية في حمص أسرع، حيث اعتقلوني صباح يوم عيد الأم من منزلي وأمام عيني والدتي، وصادروا جهاز كومبيوتر محمول لم يعثروا فيه على أي شيء يروي فضولهم.
وكما كان لأجهزة الأمن نشاطها في مجال التقصي والاستطلاع لمعرفة توجه الشارع السوري وآرائه فيما يحدث في بلدان الربيع العربي، كان لنا في الأيام الأخيرة التي سبقت انطلاق الثورة نشاط مماثل، حيث كثف الناشطون والناشطات حملات استطلاع رأي الشباب السوري بسرية وحذر لدراسة تفاعلهم مع الثورات العربية، ومعرفة إمكانية انخراطهم في حراك احتجاجي في الشارع ضد النظام، كما كثفنا أنشطة التحريض الصامت، وهي أنشطة حوارية تهدف إلى ترسيخ قناعات لدى الجمهور تعزز يقينهم بأن النظام الاستبدادي والقمعي هو سبب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد، وجاءت نتائج استطلاع الرأي متضاربة تبعث على الحيرة، لكنها في الحد الأدنى مشجعة من جهة شعور معظم الشباب بضرورة التغيير، والأمل بأن تدفع الثورات العربية نظام الأسد لإحداث إصلاحات جذرية لا سيما في مجال الحريات العامة وتكافؤ الفرص بين السوريين.
كان الأسبوع الذي سبق انطلاق الثورة حافلاً بالنشاط والعمل والزيارات واللقاءات والاجتماعات، والمفاجآت أيضاً، حيث نفذ عدد من الناشطين في دمشق وحمص وبانياس نشاطات خاطفة كانت تهدف إلى إيصال رسائل للمجتمع السوري تقول أن ثورة ما تلوح في الأفق، وكان الاتفاق بين شباب الثورة أن تكون هذه الأنشطة متزامنة في منتصف ليل يوم 13 آذار.
في دمشق، أشعل ناشطون سوريون مواقد نارية على أسطح عدد من المنازل في حي ركن الدين، ونشر هؤلاء الناشطون بعد أقل من ساعة من منتصف الليل فيديو للنيران المشتعلة تحت عنوان: الشام تعلن ولاءها للثورة، كان الفيديو ملهماً يهدر فيه صوت فيروز: شام يا ذا السيف لم يغب، ورغم كونه قصيراً وتصويره في غاية السوء، لكنه أبكى قلوبنا قبل أعيننا عندما وصل إلينا في غرف المحادثة الخاصة بمجموعات الناشطين.
وفي حمص وفي مكان خطر للغاية، كتب شابان من أعضاء حزب العمل الشيوعي عبارة “عاشت سوريا حرة” على الجدار الخارجي للمبنى الإداري لجامعة البعث على طريق الشام، فيما ناشطون آخرون اجتمعوا تلك الليلة في منزل الناشط والفنان التشكيلي سهف عبد الرحمن في حي الزهراء وأطلقوا عند منتصف الليل تماماً العشرات من “البوالين” مكتوب عليها كلمة واحدة فقط “حرية”، ليستفيق الحي صباحاً على تطاير هذه البالونات وتوزعها في الشوارع والأزقة، وبدا وجود هذه البالونات في حي تقطنه غالبية من بيئة المؤيدين لنظام الأسد بمثابة تحدٍ كبير لقوات الأمن التي كانت مستنفرة منذ أكثر من شهر وتتوزع دورياتها في الشوارع والساحات بكثافة ملفتة.
أما المفاجأة الكبرى فكانت في بانياس، حيث خط الناشط المعتقل حالياً أنس الشغري على جسر بانياس عبارة “إجاك الدور يا دكتور” في إشارة إلى أن رياح الثورات العربية ستضرب نظام بشار الأسد.
العبارة كتبت بخط واضح وبحروف كبيرة كان يمكن مشاهدتها من مئات الأمتار، وبقيت العبارة لأكثر من 8 ساعات حتى صبيحة يوم 14 آذار، لتحضر بعدها قوات أمن النظام وتقطع طريق بانياس بالاتجاهين عند الجسر، وأحضرت ورشة عمال من مؤسسة الإسكان العسكرية لمسح العبارة وإعادة طلاء مكانها.
ساعات فقط كانت تفصلنا عن موعد انطلاق مظاهرات الثورة، حيث جهز الناشطون أنفسهم لمظاهرتين، في دمشق وحلب، كانت الساعة حوالي العاشرة من ليل 14 آذار حين أبلغني الصديقان عمر سليمان ومحمد حاج بكري كل على حدة أن مجموعة كبيرة من ناشطي حلب تم اعتقالهم في خرق أمني تسبب بانكشاف أمرهم، وما هي إلا ساعة فقط حتى اعتقلت قوات الأمن 6 ناشطين دفعة واحدة في حمص كان على رأسهم مسؤول مجموعتهم الناشط محمد علوش.
وفي غمرة حزننا وشعورنا بالقهر والألم لاعتقال أصدقائنا، كان علينا أن نحتاط من اعتقال معظم مجموعات ناشطينا بعد الخرقين الأمنيين في حلب وحمص، كما كان علينا أن نحسم قرار النزول إلى الشارع من عدمه بعد هذه الهزة المفجعة، خاصة أن الأنباء التي وصلتنا من حلب كانت تؤكد أن معظم الناشطين الذين كانوا يستعدون للتظاهر في ساحة سعد الله الجابري يوم الثلاثاء 15 آذار بالتزامن مع مظاهرة دمشق، أصبحوا قيد الاعتقال، وأن مظاهرة حلب صارت مستحيلة.
ولم يتأخر الحسم … كما انطلقت الدقائق الأولى من فجر يوم 15 آذار دون انتظار الإذن من أحد.. سننطلق إلى دمشق ولو كنا بعدد أصابع اليد الواحدة.
…. يتبع

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل