“راتافيا” عملية تجنيد جاسوس سوري فضحت أسلحة الأسد الكيماوية

فريق التحرير28 مارس 2017آخر تحديث :


“حرب سرية مخصصة للجواسيس فقط”، هكذا بدأت صحيفة “لوموند” الفرنسية مقالها حول العملية الاستخبارية التي جمعت عناصر من الاستخبارات الفرنسية ونظرائهم في الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) للإيقاع بمهندس سوري كان يعمل في “مركز البحوث والدراسات العلمية” الحكومي في دمشق. عملية تطلبت الكثير من الوقت، ومن التحضير اللوجستي والنفسي للدفع به إلى الإفصاح عن معلومات سرية للغاية كما وصفتها الجريدة الفرنسية. إذ فاق عدد الخبراء في علم النفس، حسب مقال الجريدة، عدد أفراد القوات الخاصة والتقنيين خلال عملية للتلاعب به واستقطابه دون أن يدري بالأمر.

فخ استخباراتي

“راتافيا” هو الاسم السري للعملية التي حصلت جريدة “لوموند” على وثائق سرية تخصها، انطلاقا من معلومات من مصادر قضائية ودبلوماسية فرنسية. ابتدأت العملية قبل النزاع السوري في العام 2008، واستمرت بعده، لتتمكن تل أبيب وباريس من الحصول على مخزون هائل من المعلومات حول منظومة الأبحاث وإنتاج الأسلحة الكيماوية في سوريا التي لطالما أقلقت تل أبيب، حسب الجريدة.

لم يكن الهدف من وراء العملية التصفية الجسدية لمسؤولين عن البرنامج، بل الحصول على معلومات عن حجمه وطبيعة التعاون القائم بين النظام السوري ودول حليفة له كإيران أو روسيا أو كوريا الشمالية في هذا الملف، إلى جانب آليات استيراد المواد المستعملة في إنتاج الأسلحة الكيماوية المحظورة في السوق الدولية.

وللإيقاع بالمهندس الذي كان على علاقة، بابنة مسؤول سوري كبير كما تورد الجريدة، استعمل الموساد الإغراءات المادية للحصول على المعلومات التي بجعبته، خاصة وأنه كان يحلم بتطوير وضعه المادي من خلال تأسيس شركة للاستيراد والتصدير، الطعم الذي استعمل لتجنيده.

تقرب مخبرون إسرائيليون إذن من المهندس الذي كان يقيم في دمشق، وطبخوا مشروع استقطابه على نار هادئة دامت سنتين، موهمين إياه أن بإمكانه تأسيس شركة في فرنسا. وهنا لعبت الاستخبارات الفرنسية في تسهيل الحصول على تأشيرة سفر وعلى الإقامة المريحة في باريس، دون أن ينتبه الخبير إلى أن وراء كل الأبواب التي تفتح أمامه عملية استخباراتية.

خلال زيارة إلى باريس، التقى عبر “أصدقائه” برجل أعمال إيطالي سرعان ما تقرب إليه، وساعده في أن يخطو خطواته الأولى في “مشروع العمر” حسب اعتقاده. وتقول الوثائق التي حصلت عليها “لوموند” إن الرجل كان وفيا لنظام دمشق، لكن الفخ كان ينطبق عليه على مهل.

فقد وفر له صديقه الإيطالي، وهو عميل للموساد، في حقيقة الأمر، كل ظروف العيش الرغد، وفتح أمامه أبواب فنادق فخمة في باريس ومنحه سيارته الخاصة وسائقا، وجعله يلتقي بشركاء (جميعهم عملاء للمخابرات الإسرائيلية) على أساس أنه سينسج معهم علاقات تجارية. لكن الخبير السوري، لم يكن يحب “وسائل الترفيه” التي قدمها له الصديق الإيطالي وحضر على مضض إلى المسرحية الموسيقية “ماما ميا”، بينما أحس بسعادة أكبر حين أحضر له مرافقوه “النرجيلة”، تقول الجريدة.

كنز من المعلومات

لم تذكر “لوموند” بالضبط المواد التي كان الخبير السوري يرغب في اقتنائها ولا عمله التجاري بالضبط، تحفظا على سرية العملية. لكن خلال الزيارات المتكررة للخبير السوري إلى باريس، وعبر ما كان يرغب في شرائه من مواد استطاعت المخابرات الإسرائيلية والفرنسية الحصول على معلومات قيمة عن الشركات الأوروبية، التي لا تلتزم بحظر بيع المواد القابلة للاستعمال في إنتاج الأسلحة الكيماوية، وكشفت شبكة واسعة من الوسطاء والشركات الوهمية التي تستعمل لهذه الأغراض.

وقد كان المهندس السوري يتسلم الكثير من الهدايا من المبالغ المالية نقدا، ما أدى إلى “التغرير به” وانتزاع المعلومات منه.

مرافقو الرجل كانوا يوصونه بالتكتم في سوريا، لكنهم نصحوه بمساعدة ابنة المسؤول السوري على إنجاز مشاريع شخصية، حسب ما تقول الجريدة. وهي التقنية التي دفعت به إلى التقرب من مجموعة من الشخصيات ومصادر القرار، والحصول على معلومات مهمة. ومن ضمن المعلومات التي منحها المخبر إلى الموساد، معطيات دقيقة حول مخزون السلطات السورية من غاز الخردل وغاز VX اللذين يستعملان في هجمات بالغازات الكيماوية، ويؤديان إلى إصابات خطيرة وحالات وفيات بين من تطالهم.

ويقول مقال الجريدة إن المهندس، حين انتابته شكوك في العام 2011 إلى أنه استغل لأغراض استخباراتية احتج، لكن محاوره “الإيطالي” أخبره بأن التراجع مستحيل وطالبه بالمزيد من المعلومات. وهو ما مكن الإسرائيليين من تشكيل ملف دقيق عن الأسلحة الكيماوية السورية قدموه إلى نظرائهم الأمريكيين والألمان.

ومن نتائج العملية الاستخباراتية أن الاتحاد الأوروبي قرر في نهاية العام 2011 تجميد كل ممتلكات “المركز السوري للبحوث والدراسات” وأرصدته في دول الاتحاد وعدة شركات وهمية كانت تستعمل لاقتناء المواد الأولى.

وقد تم اتهام النظام السوري منذ العام 2013 من طرف دول غربية ومنظمات حقوقية كـ”هيومن رايتس ووتش” باستعمال الغازات الكيماوية ضد المدنيين في عدة مدن منها حلب. وكانت عدة عواصم قد عبرت عن قلقها من أن تقع المخزونات السورية من هذه الأسلحة في أيدي تنظيمات إرهابية، في حال الهزيمة العسكرية للنظام.

* فرانس 24

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل