ثورة المتروكين السورية.. هكذا بدأنا (2)

عمر إدلبي25 مارس 2017آخر تحديث :
ثورة المتروكين السورية.. هكذا بدأنا (2)

كان لفشل حراك الشباب السوري في “يوم الغضب السوري” 4 و5 شباط فبراير 2011 أثراً بالغ السلبية على حماسة معظم الناشطين السوريين الشباب واندفاعهم للقيام بتحرك شعبي، ولعدة أيام غاب النقاش في غرف المحادثة التي أسسها هؤلاء الناشطون لغرض الحشد للحراك، وهجروها بانكسار وخيبة أمل، وبقي قلة من الناشطين والناشطات يحاولون شد همم زملائهم وزميلاتهم دون تجاوب كبير.
وفي حمص، في السابع من شهر شباط، وتحديداً في منزل الناشط السياسي والمعتقل السابق محمود عيسى في حي الزهراء، التقى عدد من الشباب الذين قرروا أن يتابعوا نشاطهم الرامي للقيام بتحرك ذي طابع شعبي، وكان جميع الحاضرين متفقين على صعوبة الأمر، ومتفقين أيضاً على عدم الاستسلام، وأذكر من هؤلاء الناشطين الحاضرين: زكي الدروبي، ومحمد علّوش.

أيام قليلة مضت، كنا مشغولين ليل نهار بحراك شباب الثورة في اليمن، وبتطورات الأحداث في مصر، ونكاد نختنق قهراً من استعصاء الحالة المصرية على حل يرضي الشعب الثائر، لتأتي مفاجأة تنحي مبارك في 11 شباط.
كنت أستمع لبيان رئيس جهاز المخابرات المصري الراحل عمر سليمان وهو يعلن تنحي طاغية مصر، بكيت فرحاً، وعشت لحظات لا تنسى، قبل أن أخرج للشارع باحثاً عن أي شخص أشاركه فرحة لم أعش مثلها من قبل، وهناك على ناصية شارع بيتنا في حي البياضة بحمص كانت المفاجأة، عشرات الشباب يتجمعون، يتبادلون التهاني بسقوط مبارك، وهزيمة نظامه أمام إرادة ثوار مصر.

سقوط مبارك أعاد الحيوية إلى غرف محادثات الناشطين السوريين على الانترنت، بالتوازي مع ظهور صفحات على الفيسبوك تدعو للثورة ضد بشار الأسد، وعاد الحماس إلى الناشطين، ليتخذ هذا الحماس منحنى أكثر جدية مع انطلاق مظاهرات الثورة في ليبيا في 17 شباط.

قمع نظام القذافي للحراك الاحتجاجي في ليبيا وارتكابه المجازر هناك كان دافعاً قوياً للناشطين السوريين لاختبار موقف نظام الأسد من فكرة الحشد في الشارع، الاختبار كان جدياً ومباشراً، وردة فعل أجهزة أمن النظام من اعتصام الناشطين السوريين أمام السفارة الليبية في دمشق في 22 شباط كانت مرتبكة ومترددة، قبل أن يحسم عناصر الأمن أمرهم ويهاجمون المعتصمين ويضربون بعضهم ويفضون الاعتصام بالقوة.
في هذا الاعتصام الجديد تماماً على الشارع السوري سمع السوريون هتافاً كان بمثابة التحذير الجدّي والعميق لنظام الأسد ومنه، هتف المعتصمون وهم يتلقون ضربات عناصر الأمن السوري “اللّي بيقتل شعبه خاين”.

نشوة كبيرة شعرنا بها مع نجاح هذا الاعتصام في حشد العشرات لأول مرة في الشارع وبمواجهة مباشرة مع قوات الأمن، وقلق وتوتر ساد أوساط أجهزة أمن النظام، ترجمته باستدعاءات واسعة لعدد كبير من الناشطين إلى فروع الأمن للتحقيق معهم، وإيصال رسالة واضحة مفادها: “أي حراك جديد في الشارع سيواجه بالقوة الحاسمة”، وبدا أن محققي أجهزة الأمن مشغولون جداً بمعرفة إجابة معظم الناشطين السياسيين المعارضين عن سؤال محدد: هل يمكن أن يحدث في سوريا ما حدث في تونس ومصر وليبيا؟

لم يكن محققو الأمن يوجهون هذا السؤال بشكل مباشر، كانوا يستفيضون في شرح اختلاف ظروف سوريا “المقاومة والممانعة للعدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية” عن ظروف البلدان الأخرى التي ثارت شعوبها، وأذكر جيداً إلحاح رئيس قسم التحقيق في فرع أمن الدولة بحمص علي لأجيب عن سؤال: لماذا قد يحتج السوريون على الرئيس بشار الأسد ما دام ليس عميلاً لإسرائيل، ويقاوم محاولات أمريكا لفرض هيمنتها على المنطقة، ويسير بسوريا نحو التحديث والتطوير؟

كنت أشعر بسعادة غامرة وأنا أتأكد بمرور الوقت في التحقيق أن النظام وأجهزته الأمنية يشعرون بالقلق حقاً، وأن حالة من عدم اليقين تعيشها أوساط نظام الأسد.
ولا يفوتني التذكير بحادثة مهمة حصلت في يوم 17 شباط من العام 2011، وهي حادثة الاعتداء بالضرب من قبل رجال الشرطة في سوق الحريقة في دمشق على الشاب عماد نسب وهو ابن تاجر من مدينة تل منين، واحتجاج المئات من المتواجدين في مكان الحادثة على اعتداء رجال الشرطة وهتافهم “الشعب السوري ما بينذل”، قبل أن يتدخل وزير داخلية النظام آنذاك سعيد سمور ويحتوي الاحتجاج، بالتهديد والوعيد والوعد بمحاسبة عناصر الشرطة المعتدين، لتشكل هذه الحادثة بعد انتشار خبرها والتسجيل المصور لها بين السوريين دافعاً قوياً لدى الناشطين الشباب للدعوة إلى حراك احتجاجي واسع، واكبته صفحة على “الفيسبوك” باسم “الثورة السورية ضد بشار الأسد” وبدأت هذه الصفحة بالانتشار بشكل واسع في أوساط السوريين، تبين لاحقاً أن من يقف وراء تأسيسها فداء السيد وعدد آخر من شباب سوريين من أوساط جماعة الإخوان المسلمين في الخارج.

في غرف محادثات الناشطين تبادلنا استنتاجاتنا حول حادثة الحريقة واعتصام السفارة الليبية وجولة الاستدعاءات والتحقيق الأمنية الأخيرة، وكان الناشط والشاعر محمد حاج بكري أكثرنا حذراً وتحذيراً من اختراق أجهزة أمن النظام لغرف محادثاتنا، ويؤكد باستمرار أن أسئلة المحققين الأمنيين له في اللاذقية لا تدع مجالاً للشك أن الأمن لديه معلومات كثيرة عن أسماء الناشطين التي تتشكل منهم معظم خلايا الحراك، وكان يؤكد في كل لقاء أن أجهزة الأمن تراقب على وجه التحديد نشاطات سهير الأتاسي ومحمود عيسى وعمر إدلبي ورزان زيتونة ومازن درويش ومحي الدين عيسو وعدد آخر من الناشطين الشباب، ولا يسعني الآن إلا الاعتراف أننا كنا قليلي خبرة بحق فيما يتعلق بتأمين تحركاتنا وتواصلنا من أعين الرقابة الأمنية، وهذه الخبرة المتواضعة تركتنا عرضة للاختراق الذي أفضى لاحقاً لاعتقال عدد من الناشطين، بعضهم اعتقل قبل ساعات من انطلاق أول مظاهرة في 15 آذار.

ولم يمض شهر شباط دون أن يضيف نظام الأسد سبباً أعمق أثراً إلى أسباب ثورة السوريين عليه، حيث تواردت أنباء متطابقة عن قيام فرع الأمن السياسي في درعا بقيادة عاطف نجيب ابن خالة بشار الأسد يوم 27 شباط باعتقال عدد من الصبية كتبوا شعارات مناهضة للنظام، على جدران مدرسة الأربعين في درعا البلد، كما تذكر روايات الناشطين في درعا، وباءت بالفشل محاولات ذوي هؤلاء الصبية وعدد من وجهاء درعا لإقناع عاطف نجيب بإطلاق سراح الصبية التي تؤكد الروايات أنهم تعرضوا للتعذيب، كما تعرض وفد الوجهاء إلى الإهانات والإذلال.

ومع مرور الأيام الأولى من شهر آذار لم تكن مجموعات الناشطين قد توافقت على موعد محدد لإطلاق حراكها الاحتجاجي، حيث كانت بعض المجموعات تدعو للاعتصام في يوم الأربعاء 16 آذار أمام وزارة الداخلية للمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي، وتقترح أن يكون هذا اليوم منطلقاً للنشاط الاحتجاجي الثوري، في حين اقترح نشطاء سوريون كرد أن يكون يوم الثورة في تاريخ 12 آذار، وهو تاريخ انتفاضة الكرد في القامشلي في العام 2004 ضد ممارسات نظام الأسد وتسلط أجهزته الأمنية، لكن الرأي استقر أخيراً على اختيار الموعد الذي أعلنته صفحة الثورة السورية في 15 آذار، وسط تحفظات على الموعد من عدد من المجموعات.

يتبع..

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل