يحيي السوريون الذكرى السادسة لانطلاق الثورة السورية العظمية، وللأسف يتذكرها كثيرون بغصة وألم قد تصل حد القول؛ ليتنا لم نثر. في الحقيقة، وبخلاف الثورات العربية الأخرى، فإن الشعب السوري بعمومه ونخبه وطوائفه ومذاهبه وأحزابه لم يكن راغبًا في الثورة أبدًا، وظل يتأمل استجابة إصلاحية حتى مجزرة يوم الجمعة العظمية 22 نيسان/ أبريل عام 2011 حين تعمم لأول مرة شعار إسقاط النظام على كل الساحات في عموم الوطن. منذ البداية توقع السوريون الثائرون أن يفعل النظام الحاكم أي شيء لينهي حراكهم لكنهم لم يتوقعوا أن ما يسمى العالم الحر سوف يسمح له ليس بتكرار مجزرة حماة، بل بتدمير سورية وتهجير شعبها، فجميعنا، حتى المنبئين، لم يكن على دراية تامة بالتوازنات الجيوستراتيجية في الإقليم وفي قلبه سوريّة. تأسيسا على ما سبق، عاشت الثورة سنوات عجاف أسقطت النظام أكثر من مرة. أسقطته بشكل كامل مطلع عام 2013، ولولا تدخل حزب الله لما استطاع حماية دمشق. كما أن حزب الله من معه من ميليشيات إيرانية وعراقية وأفغانية وأرمنية ولبنانية وتونسية ولبنانية قومية سقطوا جمعيا مطلع عام 2015 قبل أن تنقذهم روسيا وتنجح استعادة بعض ما خسروه. والأخيرة لم تكن لتصمد لولا سياسات الغرب والثورات المضادة .
استحق الشعب السوري الحرية أكثر من أي شعب أخر، ودفع في سبيلها مالم يدفعه شعب أخر حتى أن مفهوم الشعب نفسه تعرض للتشظي بنزوح واقتلاع أكثر من نصفه إلى المنافي والمهاجر. لطالما كانت سورية كبيرة على بيت الأسد، وهي لا تليق بهم حتى كحكام طغاة، ولذلك تعاملوا معها بمنطق المحتل: فرقوا شعبها، قتلوه في ذاته، نزعوا الثقة منه في نفسه وفي الآخرين وحولوه إلى شعب من الموظفين، شعب جائع وإن كان يأكل، مشرد وإن امتلك البيوت، مهزوم وإن امتلك الشجاعة. كشفت لي الأيام أن التخلص من هذه العصابة المجرمة التي استندت على عصبية طائفية ليس بالأمر السهل، وقد كنت دائما أقول بأن هذه الطغمة التي اختصرت النظام ماهت بين النظام والدولة، والنظام والمجتمع فأصبحت الثورة على النظام تعني بالضرورة تدمير الدولة والمجتمع معا وهذا ما حدث.
تصدر الثورة السلمية والمسلحة (في بدايتها) جيل تربى خارج منظومة النظام الفكرية والأيديولوجية والسياسية، ولم تكن المعارضة والنخب بشقيها الإسلامي والعلماني تمتلك من أمر الثورة شيء حتى وإن انحازت إليها. وللأسف، استطاع النظام أن يتخلص من معارضيه الجدد قتلًا واعتقالا وتشريدا ليترك معارضيه القدامى يعيثون فسادًا مشوهين جماليتها وشعارتها ورايتها. ولولا أن هذه الثورة لم تكن أكبر منه – وهي بالمناسبة أكبر الثورات العربية مشاركة-لوأدها منذ سنوات، لكن جنونه وجبروته وظلمه وحقارته مثل الجذوة التي كانت تقودها كلما تخبو.
لم تعد الثورة الأولى في ذكرى انطلاقتها السادسة قائمة، لقد انتهت، لكن النظام انتهى، وتحول إلى ميليشيا يقاتل إلى جانب قوى وفصائل أخرى لا تنتمي للثورة الأولى إلا في التضحيات وفي هذا نقاش كبير. لكن مهما يكن، فإن الصراع القائم أعقد من أن ينتصر فيه منتصر، بل أعقد من أن يخرج فيه بشار الأسد منتصر مهما طالت السنوات.
سوف نبقى نفتخر بهذه الثورة وهذا الشعب ما حيينا، لأنها أعادت لنا ذاتنا. ولولاها ما عرفنا أنفسنا من نكون قبل أن نفكر فيما نريد أن نكون.
وعاش الشعب السوري العظيم
عذراً التعليقات مغلقة