- عدنان عبد الرزاق
ليس من شيء محرّم عن السرقة في سورية الأسد، بل وثمة تشجيع على الفساد وتسويق السرّاق بأثواب الأبطال وبهيئة المنتصرين، ولعل في نشر نظام بشار الأسد، صورا ومقاطع فيديو لجنوده البواسل وهم يسرقون المنازل والمنشآت الصناعية، واعتبارها غنائم حرب من أعداء تاريخيين لـ”الشعب” إنما توضح بما لا يحتمل اللبس والتأويل الأهداف المباشرة من منح مكافآت عينية للجنود والشبيحة ومليشيات إخوة العقيدة، والأهداف غير المباشرة أيضاً، والتي ترمي إلى تشجيع الفساد وتكريس الأحقاد ووضع السوريين بحالة من الثأرية، واستحالة عودة الوئام والتعايش لما بينهم.
ولأن معالم أي رقابة أو محاسبة غائبة عن “سورية الأسد”، فقد تنوعت حالات السرقة والاختلاس والفساد، وتعددت المستويات، ابتداء من لقمة المواطن عبرالندرة والغلاء واستحكام تجار الأزمة، وصولاً لسرقة مقدرات السوريين، حتى التي تحت الأرض، بعد أن عهّد الحكم الرشيد، ثروات سورية النفطية والغازية لشركائه بالحرب، وطبعاً ما بينهما من سرقات المصارف والشركات الصناعية وحتى المساعدات الإغاثية التي تباع للسوريين بمؤسسات الأسد الحكومية.
بيد أن سرقات جرت أخيراً، لا بد من إنصاف فاعليها ومن وراءهم، عبر منحهم براءات اختراع، لما لتلك الأعمال البطولية من سبق واحترافية، ربما على المستوى العالمي، فأن يتم سرقة دواء المرضى أو تبديله، فذلك ليس بالجديد بسورية التصدي، بل ومعروف وبدهي ومشهود له منذ عقود، أما أن يبتكر الممانعون طرقاً لسرقة طعام المرضى أو إطعامهم أكلاً منتهي الصلاحية، لتخفيف الآلام عنهم وتسريع موتهم، فهذا ما لم يسبق جنود الأسد، إليه أحد.
قصارى القول: طالب الجهاز المركزي للرقابة المالية المحامي العام في ريف دمشق تحريك دعوى الحق العام، بحق بعض الموظفين في الهيئة العامة لمشفى ابن سينا، لقيامهم بترحيل مواد غذائية بشكل وهمي دون وجود لها، والقيام بإدخال مواد لمستودع الأرزاق مخالفة للمواصفات من حيث الكم والنوع والسعر ومواد منتهية الصلاحية.
ولئلا يخامر أحد القراء الشك، أن الفعل فردي أو ضمن كوادر المشفى فقط، أكد التقرير التفتيشي أن ثمة تآمرا مع مؤسسة الخزن والتسويق الحكومية، التي تضافرت جهود موظفيها مع أشاوس المشفى، لتنظيم محاضر الاستلام وتحرير الفواتير وإدخال مواد مغايرة من حيث المواصفات والصلاحية والسعر.
هنا ولغير السوريين خاصة، ربما ومن الضرورة بمكان الإشارة إلى أن ثمة أثمانا تدفع لتعيين الموظفين أمناء مستودعات وأخرى أعلى للتعيين بلجان الشراء، تتراوح بحسب مدى المنافع وإمكانية السرقة، ويصل ثمن تعيين موظف بلجنة شراء خارجية، إلى آلاف الدولارات، ويرتفع السعر إن تم التمديد له أو توسيع الصلاحيات وزيادة مبالغ الشراء.
وهذا طقس عام وتقليد عريق يعرفه السوريون، بل ويتم تعيين البعض بلجان الشراء، وبقرار من مسؤولين كبار، كمكافأة نهاية الخدمة لبعض الموظفين، لتتاح لهم السرقة وتأمين حياتهم بعد التقاعد، ويقال لهم علانية “روحوا دبروا حالكم”.
نهاية القول: ربما لم يكف الأسد، من مات أو تهجّر من السوريين، عبر الآلة العسكرية وسياسة التفقير، فكان لا بد من ابتكار حلول جديدة، فجاء رفع سعر الدواء 400% قبل أيام ليميت المرضى الفقراء تحت ضغط الحاجة، وأما إن لجؤوا للمشافي وكان لهم نصيب بالدخول، فلجان الشراء لهم بالمرصاد.
- نقلاً عن العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة