جنيف 4.. والأربعون “حرامي”

عمر إدلبي3 مارس 2017آخر تحديث :
جنيف 4.. والأربعون “حرامي”

 

تمضي قدماً حلقات مؤتمر جنيف الرامي إلى إيجاد حل سياسي للصراع في سوريا على غرار حلقات مسلسل باب الحارة الشهير بأجزائه المتعددة والمتكررة والمستنسخة من بعضها على نفس المنوال من الاستغباء والسذاجة واللاجدوى. وتقول الوقائع التي سبقت وترافق انعقاد جلسات الحلقة الرابعة من مؤتمر جنيف التي بدأت قبل يومين، أن انتظار نتائج إيجابية وذات معنى من هذه الجولة الجديدة، ليس أكثر من انتظار الماء من السراب.
سبق انعقاد الجولة الحالية من المفاوضات تصعيد عسكري على الأرض متواصل منذ شهرين ونصف الشهر، في وقت كان من المفترض فيه سريان وقف لإطلاق النار جرى التوافق عليه برعاية تركية روسية على أن يشمل جميع جبهات القتال بين قوات الثورة والمعارضة وقوات الأسد والمليشيات الطائفية المساندة له، وكما هي كل الهدن السابقة لم تتوقف عمليات قصف ومحاولات اقتحام قوات الأسد ومليشياته، لا بل شهدت العمليات العسكرية تطوراً مفاجئاً على جبهات حي الوعر في حمص، وأحياء القابون وتشرين في دمشق، وعموم جبهات ريف حلب الغربي وإدلب، وفي المقابل، حاولت فصائل الثورة القيام بعمليات عسكرية محدودة على جبهات ريف اللاذقية، وأحياء درعا، ولم تسفر عمليات قوات الأسد ولا هجمات فصائل الثورة عن تغيير ميداني مهم يمكن أن يترك أي تأثير على مجرى المفاوضات.

وعلى الصعيد السياسي، برزت تحركات سياسية ذات طابع حقوقي للضغط على نظام الأسد وحلفائه، شملت تقارير حقوقية عن ملف إعدام آلاف المعتقلين في سجن صيدنايا على يد جلادي نظام الأسد، وتقرير آخر عن دلائل على استعمال قوات الأسد أسلحة كيماوية في عدة مناطق يسيطر عليها الثوار، كما تشهد أروقة مجلس الأمن حالياً نقاشات لمشروع قرار قد يطرح للتصويت الأسبوع القادم يقضي بإدراج 11 من قادة نظام الأسد العسكريين والأمنيين على القائمة السوداء نتيجة مسؤوليتهم ودورهم في هجمات بأسلحة كيماوية استهدفت مناطق محررة.
كما شهدت الساحة السياسية الدولية حراكاً للضغط على قوى الثورة والمعارضة السورية قاده الممثل الدولي ستافان ديمستورا تتعلق بمحاولة فرض معارضين مقربين من نظام الأسد، ومعارضين آخرين مقربين من موسكو وطهران والقاهرة، على وفد المفاوضات، بحيث تنزع عن الهيئة العليا للمفاوضات صفة التمثيل الحصري لقوى المعارضة.
وفي سياق هذه الضغوط سربت أوساط وفد الهيئة العليا للمفاوضات بعد لقائها ديمستورا يوم الخميس الماضي محاولته تهديد الوفد بمصير لإدلب يشبه مصير حلب في حال أصر الوفد على تمسكه بمطالب تعتبر من أبرز أسس العملية التفاوضية، وهي مناقشة عملية الانتقال السياسي، وهيئة الحكم الانتقالي، ومصير الأسد. وتعيد تهديدات ديسمتورا إلى الذاكرة تهديدات وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، التي حذر فيها المعارضة السورية من تدمير حلب وسحق قوى الثورة والمعارضة على يد الروس في حال رفض المشاركة في اجتماعات جنيف السابقة.
الجولة الرابعة من جنيف انطلقت على كل حال، ويجد ممثلو قوى الثورة والمعارضة أنفسهم وهم يخضون هذه المفاوضات أمام تحديات غير مسبوقة، خاصة أنهم يجلسون على الطاولة في مواجهة وفد نظام الأسد المدعوم بانتصارات عسكرية، فيما هم في هذه الجولة مثقلون بهزائم ميدانية، وبلا إنجازات ولا حلفاء.
يصف أحد أعضاء وفد التفاوض عن قوى الثورة والمعارضة واقع المفاوضات بأنه مواجهة لأربعين “حرامي”، يسعون لسرقة تضحيات الشعب السوري، من مئات آلاف الشهداء وملايين المهجرين والمعتقلين، وتقديمها كتنازلات لنظام القتل بالتجويع والقصف والتعذيب والأسلحة المحرمة دولياً، كمكافأة له على أدواره الوظيفية في خدمة دول طامعة لفرض نفوذها على دول الإقليم، ولجم طموح الشعب السوري في الحرية واستقلال القرار الوطني.

وحيداً يجد الشعب السوري نفسه في مواجهة نظام القتل والتهجير، وحلفائه من دول ومليشيات طائفية، وفي مواجهة تردد وتقاعس مجتمع دولي وحلفاء لم يكونوا في أي وقت داعمين له بالحد الأدنى الذي يحمي المدنيين، ويحمي حقهم في الحياة، وأحلامهم في وطن حر يحفظ كرامتهم.
كما يجد ثوار سوريا أنفسهم وحيدين في مواجهة تيارات وشخصيات سورية محسوبة على أنها معارضة، وهي في أحسن أحوالها انتهازية قريبة أو حتى حليفة لنظام الأسد، تطمح للعب أدوار تحقق مصالحها الحزبية والشخصية، أو تعمل لتعويم نظام البراميل، كما يواجه ثوار سوريا مليشيات عنصرية قومية كردية، وتنظيمات إيديولوجية إسلامية متطرفة، تمرست في طعن الثورة من الخلف، حتى باتت مواجهتها من قبل الثوار ضرورة بمقدار ما هي مواجهة قوات الأسد ومليشيات إيران الطائفية ضرورة، وكم يصدق في واقع حال الثورة قول المتنبي: “وسوى الروم خلف ظهرك رومٌ.. فعلى أي جانبيك تميلُ؟!
ورغم أن الكتاب معروف من عنوانه، والفشل هو النتيجة الوحيدة التي تظهر مقدماتها بوضوح، فإن مشاركة وفد المفاوضات في جولة جنيف الحالية ضرورة كذلك، وستبقى المراوحة في المكان سياسياً هي السمة الأبرز لهذه المرحلة ما دامت الإرادة الدولية، ولا سيما الأمريكية، غير متوفرة، وغير جادة في العمل على وقف هذا الصراع، وإنهاء الصراع ومعالجة الآثار التي ترتبت عنه من إرهاب وتدمير ولاجئين يتطلب استحقاقات واضحة، تعرفها القوى الدولية الفاعلة، ولن يجدي نفعاً الاستمرار في محاولات كسر إرادة الشعب السور الثائر، ولن يكون الحل ممكناً ما دامت المحاولات الدولية لإعادة تعويم نظام الأسد مستمرة، وقبل كل هذا وذاك، لن يكون هناك حلٌ ما دامت جهود بعض الدول الداعمة للثورة فوضوية ومتخبطة ومضرة من حيث يدري قادة هذه الدول أو لا يدرون، وجهود الدول الداعمة الأخرى غائبة أو ضعيفة أو غير ذات جدوى!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل