- رندة تقي الدين
المفاوضات السورية في جنيف التي يقودها ستيفان دي ميستورا الديبلوماسي الأممي المحنك تظهر في شكل مسرحية بطلها مبعوث النظام السوري بشار الجعفري الذي يراهن على مستقبله. ليست مصادفة أن بداية هذه الجولة من الوقت الضائع ترافقت مع تفجيرين انتحاريين استهدفا مقرين في المربع الأمني في حمص، وقد أتاح ذلك الفرصة للمبعوث السوري ليطالب بأن يكون موضوع مكافحة الإرهاب الأول في المفاوضات التي وضع دي ميستورا خطة لها.
والمعلومات الآتية من حمص أن المربع الأمني محصن في شكل يبدو مستحيلاً دخوله إلا في حال وجود متواطئين داخله، وهذا المربع هو مركز اعتقال وتعذيب ومساءلات من قياديين في النظام لمعارضين قد يكونون أيضاً بين الضحايا. وليس مستبعداً أن تكون الأجهزة النظامية وراء مقتل رئيس جهاز الاستخبارات في حمص حسن دعبول، فمعروف أن هناك توتراً شديداً بين فروع الأجهزة التي تتحارب على تقاسم المغانم المتبقية من بلد خرّبه رأس النظام.
مفاوضات جنيف فرصة الجعفري ليقول إنه يريد الكلام على مكافحة الإرهاب، لأنه لا يريد التطرق الى المسائل السياسية التي وضعها دي ميستورا كخطة لهذه المحاولة في مسار ولد ميتاً طالما أن بشار الأسد يرفض الرحيل، وهو مصر على البقاء حتى على رقعة من بلد منقسم. والجعفري يراهن على مواقفه المتشددة للبقاء ممثلاً للنظام في نيويورك وربما يفكر في أكثر من ذلك. هل إنه يطمح الى الجلوس على كرسي الأسد يوماً ما اذا اعتبر الروس أن الأسد أصبح عبئاً عليهم. فالديبلوماسي السوري المعروف في الأوساط الروسية يسهّل على بوتين الجواب حين يسأل دائماً: أين بديل الأسد؟ ربما يراهن الجعفري على ذلك في عمق نفسه ويظهر براعته في التشدد واستمرارية النهج الأسدي في اللامفاوضة. وخطة دي ميستورا في المفاوضات مبنية على 3 موضوعات: الانتقال السياسي والدستور والانتخابات، على أن تطرح كلها معاً. وجاءت محاولة الجعفري لتأخير التطرق للموضوعات السياسية بالدعوة الى التحدث عن مكافحة الإرهاب. فلتتحدث المعارضة عن ذلك. لم لا؟ فالإرهاب أساسه النظام والجعفري هو المدافع الأقوى عنه. ولدى أركان المعارضة في جنيف الكثير من الدلائل عمن يرتكب الإرهاب في سورية ويشجع عليه. فبين الموجودين بعض الذين اعتقلوا وتم تعذيبهم في المربع الأمني في حمص تحديداً، وهم يعرفون جيداً صعوبة الوصول إليه على رغم أن المعارضين يسيطرون على حمص، ولكن وحده هذا المربع الأمني هو المحصن من النظام الذي منذ نشأته يعتمد الإجهزة لإرهاب الناس، إن في سورية أو في لبنان.
على المعارضة أن تظهر براعة أكبر في عرض مواقفها. أولاً أن تطالب بالتحدث في جميع الموضوعات معاً وليس موضوعاً بعد الآخر. وعليها أن تنظم نفسها أكثر مما هي الآن وأن تكون إطلالاتها الإعلامية أوسع وأفضل، وألا تترك المجال للجعفري ليبيع الرأي العام مواقف كاذبة، فواضح أن الأسد غير مستعد للتطرق لأي انتقال سياسي، وسبق له أن تخلص من كثيرين حوله و «رحّلهم»، خصوصاً الذين تصعد أسهمهم في الخارج، فآصف شوكت الذي قيل انه بديل قُتل، ثم تم وضع فاروق الشرع في إقامة جبرية. أما وليد المعلم فلم يعد له صوت منذ فترة والآن عهد الجعفري. الى متى؟ لا أحد يعرف. هل يكون البديل او انه سيرحل كزملائه الذين سبقوه؟ وفي أي حال، مأساة سورية لن تحل بمثل هذه المفاوضات التي لن تتقدم ولن تصل الى نتيجة إلا بقرار روسي- أميركي برحيل الأسد وإخراج إيران من سورية، وهذا ليس الواقع حالياً.
عذراً التعليقات مغلقة