أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأنباء التي نشرت في تل أبيب، أمس، وكشفت للمرة الأولى انعقاد قمة إسرائيلية – مصرية – أردنية، في مدينة العقبة، على خليج البحر الأحمر. وادعى، خلال جلسة حكومته العادية، أنه كان صاحب مبادرة الدعوة إلى هذا اللقاء، وليس وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، كما ذكرت صحيفة هآرتس.
وردًا على وزير استهجن انعقاد قمة كهذه، يشارك فيها للمرة الأولى مع الرئيس السيسي، من دون إخبار الحكومة، قال نتنياهو: «أفعل الكثير من أجل عملية السلام، لكنني لا أستطيع أن أكشف كل شيء». غير أن ما نشرته «هآرتس»، أمس، يوضح أن نتنياهو هو من أفشل هذه القمة.
وقالت الصحيفة إن الاجتماع عُقد في مدينة العقبة الأردنية قبل عام بالتمام، وشارك فيه مع السيسي ونتنياهو وكيري العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. وأشارت إلى أن كيري عرض، خلال اللقاء، «بنود مبادرة سلام إقليمية» شملت اعترافًا بإسرائيل دولة يهودية، واستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، بدعم دول عربية.
وكان لافتًا أن يعود نتنياهو ليطرح «تسوية في إطار إقليمي»، خلال لقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأسبوع الماضي، رغم أنه امتنع عن الرد بالإيجاب على المقترح العام الماضي، وادعى أنه سيواجه صعوبة في الحصول على تأييد الغالبية داخل ائتلافه اليميني المتطرف. واستخدمت هذه القمة أساسًا لمحادثات بين نتنياهو وبين رئيس المعارضة زعيم كتلة «المعسكر الصهيوني» يتسحاق هرتسوغ، بشأن انضمام الأخير إلى حكومة وحدة.
وبادر إلى تسريب خبر انعقاد القمة السرية عدد من كبار الموظفين السابقين في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ورفض نتنياهو هذه المبادرة عمليًا، لكن هذا لم يمنعه من الاستمرار بعدها في المطالبة والتحدث عن وجوب التقدم في «عملية السلام»، من خلال مبادرة كهذه، والاعتراف بـ«الدولة اليهودية».
وحسب تلك المصادر، فإن كيري هو الذي بادر إلى هذه القمة، في أعقاب لقاء عقد يومها في البيت الأبيض بين نتنياهو وأوباما الذي لم يؤمن بجدية رئيس الوزراء الإسرائيلي في استئناف عملية السلام. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، التقى نتنياهو مع كيري، واقترح استئناف المفاوضات بعد القيام ببادرات حسن نية في الضفة الغربية، بينها منح تصاريح بناء «مكثفة» للفلسطينيين في المنطقة ج، مقابل موافقة أميركية على تنفيذ أعمال بناء في الكتل الاستيطانية، من دون أن يوضح ما إذا كان سيجمد البناء خارج الكتل.
وبعد أسبوعين، عقد نتنياهو اجتماعين للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، حاول خلالهما تجنيد دعم للخطوات التي اقترحها على كيري. لكن وزيري «البيت اليهودي» نفتالي بينيت وأييليت شاكيد عارضا ذلك بشدة. وبحسب الادعاء، فإن حماسة نتنياهو تراجعت في أعقاب عمليات نفذها فلسطينيون حينذاك. وعندما زار كيري إسرائيل، في 24 نوفمبر 2015، أبلغه نتنياهو بأن الخطوات التي اقترحها قبل ذلك بأسبوعين لن تخرج إلى حيز التنفيذ.
بعد ذلك، التقى كيري مع هرتسوغ للبحث في إمكانية تغيير الائتلاف الحكومي في إسرائيل، ومساعدة نتنياهو على تشكيل حكومة وحدة إسرائيلية، لكنه حصل على إجابة سلبية، بعد أن أوضح هرتسوغ أنه لا يوجد أي مؤشر على إمكانية تغيير سياسة نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف. ولم يستسلم كيري، فبلور مع مستشاريه، خلال الشهرين التاليين، وثيقة شملت مبادئ لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، في إطار مبادرة سلام إقليمية بمشاركة دول عربية.
وشملت مبادرة كيري ست نقاط، هي أولاً: حدود دولية آمنة، معترف بها، بين إسرائيل ودولة فلسطينية قابلة للحياة، وذات تواصل جغرافي على أساس حدود 1967، مع تبادل معين للأراضي. وثانيًا: تحقيق رؤية القرار 181 للأمم المتحدة، أي قرار تقسيم فلسطين، لدولتين للشعبين تعترف كلاهما بالأخرى، وتمنح المساواة في الحقوق لمواطنيهما. وثالثًا: حل عادل، ومتفق عليه، ونزيه، وواقعي، لقضية اللاجئين الفلسطينيين، يتلاءم مع حل الدولتين للشعبين، ولا يؤثر على الصبغة الأساسية لإسرائيل. ورابعًا: حل متفق عليه بشأن القدس كعاصمة للدولتين باعتراف المجتمع الدولي، وضمان حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة بموجب الوضع القائم. خامسًا: الاستجابة لاحتياجات إسرائيل الأمنية، وضمان قدرتها على الدفاع عن نفسها بصورة ناجعة، وضمان قدرة فلسطين على توفير الأمن لمواطنيها في دولة ذات سيادة ومنزوعة السلاح. سادسًا: انتهاء الصراع ونهاية المطالب التي تسمح بتطبيع علاقات دبلوماسية وأمنية إقليمية متزايدة، وفقًا لرؤية المبادرة العربية للسلام.
واستعرض كيري أمام نتنياهو هذه المبادئ، خلال لقائهما في دافوس، في 21 يناير (كانون الثاني) 2016، واقترح عقد لقاء يشارك فيه إلى جانبهما السيسي وعبد الله الثاني، من أجل دفع المبادرة. وفي نهاية الشهر نفسه، تحدث كيري إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأطلعه على مضمون محادثته مع نتنياهو في دافوس. وعقدت القمة السرية في العقبة، في 21 فبراير (شباط) الماضي، بعد الاتفاق على أن تبقى سرية. ورغم أن عباس لم يشارك فيها، فإنه كان علم بأمر انعقادها، حتى أنه التقى كيري صبيحة يوم انعقادها.
واجتمع كيري مع العاهل الأردني، وطالبه بإقناع دول عربية أخرى بمبادرة السلام الأميركية، وممارسة ضغوط على عباس لاستئناف المفاوضات على أساس المبادرة الأميركية. كما طالب السيسي بأن يقنع نتنياهو باستئناف المفاوضات. وأصدرت الرئاسة المصرية بياناً لم ينف عقد اللقاء أو يؤكده، لكنها تحدثت عن «معلومات مغلوطة» في تقرير «هآرتس»، من دون أن تحددها.
وأكد الموظفون الأميركيون أن نتنياهو «تهرّب من إعطاء أجوبة واضحة عن المبادرة، واستعرض مجموعة تحفظات، واعتبر أن مبادئها مفصلة أكثر مما ينبغي، وأنه سيواجه صعوبة في تجنيد دعم لها داخل ائتلافه».
وناقشت القمة الوضع في المنطقة عمومًا، ووجه العاهل الأردني والرئيس المصري انتقادات إلى سياسة أوباما في الشرق الأوسط، خصوصًا تجاه إيران وسوريا. لكنهما تعاونا مع كيري، وحاولا إقناع نتنياهو بالمبادرة. وأشار الموظفون الأميركيون إلى أن نتنياهو كان مترد ًدا خلال القمة، وبدل التطرق إلى المبادرة، استعرض مقترحاً أسماه «خطة النقاط الخمس»، وشمل اقتراحات كيري لتحسين أوضاع الفلسطينيين، لكنه تراجع عنها بسبب معارضة «البيت اليهودي». وطالب نتنياهو باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، من خلال مؤتمر تشارك فيه دول إسلامية وعربية، بينها دول خليجية. وانفضت القمة بعد الاتفاق على مواصلة البحث في اقتراحات متنوعة. وفي إسرائيل، أطلع نتنياهو هرتسوغ على نتائج القمة. وشكك عبد الله الثاني والسيسي بقدرة نتنياهو على دفع عملية سياسية حقيقية في ائتلافه، واعتبرا أن انضمام هرتسوغ أو حزب «ييش عتيد»، برئاسة يائير لبيد، إلى حكومة نتنياهو سيكون مؤشًرا على جدية الأخير، قد يبرر ممارسة ضغوط على الفلسطينيين، أو بذل جهود لإدخال دول أخرى في هذه العملية السياسية.
Sorry Comments are closed