“داعش” وأفلام التوحش

خديجة جعفر10 يناير 2017آخر تحديث :
“داعش” وأفلام التوحش

  • خديجة جعفر

تنظيم “داعش” يتوحش ويزداد في التوحش يومًا بعد يوم. ويبدو أنّ ضربات التحالف الدولي التي تقصف التنظيم بلا هوادة منذ أغسطس 2014 لم تز د التنظيم إلا توحشًا على رغم من خسارته لحوالي 40%من الأراضي التي كان يسيطر عليها سابقًا.  يبدو أن ضربات التحالف ستنجح في وقتٍ ما قريب أو بعيد في هزيمة التنظيم، ولكن يبدو أنّ هذا لن يحدث قبل أن يصل التنظيم إلى أقصى درجات التوحش والعنف.

ففي فيلم جديد من إصدار داعش بعنوان “أحياني بدمه”، يصور التنظيم مراهقًا وطفلين يقومان بعمليات “إعدام” لرجال اتهمهم التنظيم بالعمالة للقوات الكردية. يصور الفيلم في البداية قصة المراهق الكردي ذي الثلاثة عشر ربيعًا الذي قاده أخوه الأكبر للانضمام إلى تنظيم الدولة. ثمّ قتل الأخ الأكبر في قصف للتحالف الدولي، وترك أخاه الصغير للتنظيم. يحكي الممراهق كيف أنّه يشعر بسعادة مع إخوانه “المجاهدين” على رغم القصف الذي يمطرهم ليلاً ونهارًا، وكيف أنّ صحبته هذه هي أفضل من أهله الكرد الذي فضلوا العيش في “دار الكفر” بينما اختار هو العيش في “دار الإسلام”.

“أحياني بدمه” إذًا يقصد بها حياة هذا المراهق التي يراها هي الحياة الحقيقية في ظل تنظيم الدولة، والتي أعطاها له أخوه قبل أن يُقتل.

يختار التنظيم هذا المراهق لينفذَ عملية إعدام بحق متهم بالجاسوسية لصالح القوات الكردية، وهو اختيار متعمد لتحقيق ما يدعيه التنظيم من عقيدة الولاء والبراء، أي البراء من “الكفار” ولو كانوا ذوي قربى أو نسب.

وبخلاف هذا المراهق، يصور فيلم “أحياني بدمه” طفلين آخرين أصغر سنًا، أحدهما لا يبدو أنّه يتجاوز الرابعة من عمره، ينفذان عمليتا إعدام بحق متهمين آخرين بالجاسوسية. وتجري الإعدامات الثلاثة في مدينة ملاهي مهجورة يقف فيها المراهق الكردي قائلاً في الفيلم ومخاطبًا التحالف الدولي “هذه كانت ملاعبنا التي حولتوها إلى ساحات الوغى”!

وصل التنظيم لأقصى درجات التوحش إذًا. فهو  لم يجند المراهقين فقط للقتال، وإنما انحدر الأمر إلى تصوير طفل لم يتجاوز الرابعة من عمره ينفذ عملية إعدام بمسدس، في ذات اللعبة التي كان من المفترض أن يلهو فيها.

يصور داعش الفيلم تلو الآخر ويقذفه إلى الإنترنت، ليشاهده من يشاهده ليقذف الرعب في القلوب، وينافس أفلام “الأكشن” الأمريكية التي يُصوّر فيها مشاهد وأساليب قتل لا تقل توحشًا عن أساليب القتل الداعشية. وربما لو شاهد أحدهم فيلمين متتالين أحدهما فيلم أكشن من إنتاج هوليود وأحدهما فيلم رعب من إنتاج داعش، لما استطاع أن يفرق بينهما.

السؤال المطروح هنا هو كيف لتنظيم متشدد، يُعد، بشكل ما، تطورًا للمذهب الوهابي الذي يحرم التصوير والصور أن ينتج أفلام رعب قد تفوق في حرفيتها بعض أفلام الأكشن المعاصرة التي نشأت وتطورت في الغرب الذي يدّعي التنظيم “كفره”.

لا يمكن في الحقيقة ردّ ظاهرة أفلام الرعب الداعشية هذه تحديدًا للإسلام وخاصة المذهب الوهابي، ولكن يمكن ردّها، كما قال البروفيسور كيفن ماكدونالد للحداثة وما بعد الحداثة. ففي مقال بعنوان “أيديولوجية الدولة الإسلامية القروسطية تدين بالكثير للثورة الفرنسية” أرجع ماكدونالد فكرة السيادة التي يتبناها التنظيم إلى الدولة القومية الحديثة، في حين وصف أساليب القتل الغريبة بالمابعد حداثية. فطرق مثل “حز الرقبة” و”التفجير” فضلاً عن الأماكن غير المألوفة لعمليات إعدام تهدف لإهانة الشخص قبل قتله، ثم تحويله من شخص كامل الأهلية لمجرد جسد مطموس الهوية. وهذه أساليب ودلالات ما بعد حداثية في تحليل الأستاذ ماكدونالد.

قد تكون “أفلام التوحش” هذه تحمل الإشارات نهاية التنظيم، ولكن لا يمكن التنبؤ بالفعل بدرجة التوحش التي من الممكن أن يتحول إليها قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل