قد لا يكون هذا العنوان لافتاً للنظر لدى البعض لأن هنالك فئة كبيرة من الناس تعتقد أن هذا التنظيم هو فعلا تنظيم ذكي جداً، ونجده ملفتاً عند من يعتبر أن هذا التنظيم هم عبارة عن جوقة من الغلاة الأغبياء المارقين الذين لا يعرفون إلا لغة القتل والتدمير، ونجده عادياً عند من يعتبر أنهم صنيعة أجهزة مخابرات إقليمية أو عالمية كمخابرات الأسد أو المخابرات الإيرانية أو الأمريكية أو الماسونية الشيطانية, ونجده عنوانا مهماً لدى نوعين من أصحاب الفكر الإيديولوجي، الأول يعتقد أنه هذا التنظيم هو مؤامرة لتدمير الإسلام والتاريخ والحضارة المشرقة, ويخالف هؤلاء من يعتقد أن هذا التنظيم ما هو إلا الصورة الصحيحة للإسلام وينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول يتفق مع كل ما يقوم به التنظيم ويؤيده بالقول والفعل، أما القسم الثاني فهم من أصحاب الانتماءات الدينية الأخرى الذين يعتبرون أن هذا التنظيم هو الصورة الصحيحة للإسلام ولا يحاربون التنظيم بل يحاربون الإسلام نفسه بإعتباره ديناً إرهابياً وأن دينهم هو الدين الصحيح.
بعيداً عن فكرة النشأة والتبعية وعن كل هذه التعقيدات والأسئلة التي لا ينتهي الجدل حولها, هنالك سؤال جدير بالتوقف عنده ألا وهو شعار هذا التنظيم باقية وتتمدد؟!!
هل كان المقصود منه أن هذا الفكر سيبقى وينتشر؟ أما أن المقصود بهذا الشعار هو التمدد الجغرافي فقط؟
كل هذه التساؤلات نستطيع الحصول عليها من خلال الإطلاع على التنظيم من الداخل، فعلى الرغم من كل العبث بالمفاهيم والقيم التي قام بها هذا التنظيم نجد أن هذا التنظيم أذكى من خصومه، فمنذ اليوم الأول وهو يسعى لتكوين قاعدته المستقبلية عبر تجنيد الأطفال وغسيل الأدمغة وأشياء أخرى يطول شرحها، لكن باعتقادي أن الشيء الوحيد الذي نجح به هو اختيار المنطقة التي سيبدأ منها خلافته المزعومة.
من المؤكد لدينا أن اختيار التنظيم للعراق وسورية وليبيا لم يكن عبثاً، بل أجزم أنه أجرى دراسة مطولة لجغرافيا انطلاقته، فكل المناطق التي سيطر عليها هي مناطق ذات نفوذ قبلي، وقد يرد البعض على هذا الكلام أن التنظيم قد ألغى وحارب كل القيم العشائرية، وهذا صحيح، لكن لا يمكن إنكار أنه استفاد من شبكة العلاقات التي توفرها القبيلة أو العشيرة في عملية التمدد والانتشار، فلا يمكننا إنكار وقوف عدد كبير من العشائر السنية في العراق وراء التنظيم بسبب الظلم الذي تعرضوا له جراء سياسة الحكومة العراقية الطائفية, ليس فقط تنظيم داعش قد استفاد من هذه الشبكة التي توفرها القبيلة بل حتى الأمريكان استفادوا منها إبان الاحتلال الأمريكي للعراق من خلال تجربة الصحوات التي يتكون قوامها من مقاتلين من العشائر.
بالعودة إلى شعار باقية وتتمدد، يظن البعض أن خسارة التنظيم لمنطقة جغرافية هو اندثار لكل ما يتعلق بالتنظيم وهذا الكلام غير صحيح، لأن التنظيم يعمل على افتعال مشاكل في المناطق الرئيسية لنفوذه والتي هي بتصورنا تعيش حالة من نار تحت الرماد، فبمجرد خروج التنظيم من هذه المناطق ستبدأ حالات العنف والثأر المتبادلة، نأخذ على سبيل المثال الإصدار الأخير لداعش بعنوان “أولئك آبائي” والذي يختلف عن باقي الإصدارت السابقة ليس من حيث الإجرام والوحشية، فلا يوجد إصدار لهؤلاء القتلة إلا ويحمل بصمات الإجرام والحقد والدماء، وما إصداره الأخير لحرق الجنديين التركيين الأسيرين لديه أحياء إلا مثال في سلسلة أمثلة تؤكد إجرامه البشع، لكن الملفت في الإصدار الذي أشلانا إليه “أولئك آبائي” أنه يحمل نفساً عشائرياً بحتاً، ويؤسس لحرب انتقام و ثأر قد تدوم عشرات السنين حتى بعد خروج التنظيم ودحره, وعلينا أن نفهم ونعي رسالة التنظيم من هذا الإصدار، وهي تقول بشكل قاطع: أننا لن ندعكم تهنئون بعيش أو سلام إذا خرجنا من هذه المنطقة.
بالعودة إلى الإصدار الذي بثه التنظيم على الإنترنت فقد ظهر 4 رجال يرتدون الزي العربي التقليدي (الشماغ – الكلابية – العقال) وهم يقومون بإعدام 4 شبان من عشيرة أخرى ويقول هؤلاء الرجال أن عملية الإعدام جاءت رداً على مقتل أبنائهم في فترات سابقة، والملفت أيضاً هو السلاح المستخدم في عملية الإعدام وهو “البرنو” وهو سلاح تقتنيه العشائر حتى قبل الثورة على علم ودراية من أجهزة المخابرات، ليثبت هذا التنظيم أن الحرب القادة هي حرب عشائر ويجب على العشائر الوقوف بجانبهم ومساندتهم لأن الفاتورة التي ستدفع ستكون باهظة الثمن في حال تم دحر التنظيم وهذا ما يثبت أن التنظيم استطاع أن ينجح بلفت الأنظار عن العبث الذي قام به في المجتمع عبر العنف والقتل وتشتيت أنظار المراقبين عما يدور داخل مناطق التنظيم و إدعائه انه السد المنيع للإسلام وحامي الحمى وبهذا يستحق أن يطلق عليه التنظيم الذكي والذي يبدو أنه استفاد من تجربة نظام الأسدين الأب والإبن في تفتيت المجتمع عبر العنف والسجن والقتل وشعارات المقاومة والممانعة وحميات الأقليات.
Sorry Comments are closed