- خديجة جعفر
مر حوالي سبعون عامًا على قيام الدولةالقومية في العالم العربي، ولكن الأزمة السورية كشفت عن هشاشة دولتها القومية في مقابل نظام الطوائف الذي كان معمولاً به فيما قبل ذلك من أزمان.
ففي استراتيجية واضحة و متواصلة انتهجتها إيران وحليفها نظام الأسد، تهجّر إيران أهل السنة من المناطق التي تتقدم فيها عسكريًّا في سوريا، لتحلّ محلّهم الشيعة من جنسيات متعددة. حدث ذلك في القصير في 2013 وفي حمص في 2014 ثم في الغوطة في 2016 وأخيرًا في حلب.
فبعد أربع سنوات من سيطرة الثوار والمجاهدين على الأحياء الشرقية في حلب، تمكنت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران ولنظام الأسد مدعومةً بغطاء جوّي روسي من إسقاط الأحياء الثورية تحت سيطرتها بعملية عسكرية ضخمة. وطوال الأسبوع الماضي من الثاني عشر من ديسمبر وحتّى السابع عشر، استمرت المفاوضات بين الثوار من جهة وبين الجانب الروسي من جهة ثانية عبر وساطة تركية لتفريغ ما يزيد عن خمسين ألف مدني سنّي محاصر في الأحياء الشرقية، صمدوا في حلب طوال أربع سنوات.
مشاهد مؤلمة نقلت إلينا عبر مواقع التواصل الاجتماعي في هذا الحدث الجلل، حدث تفريغ أرض من سكانها لأجل انتمائهم ثم نقل أناس آخرين إليها لأجل انتمائهم كذلك.
نقلت الحافلات الخضراء سكّان الأحياء الشرقية السنّة الموالين للثورة السورية، من ديارهم ومساكنهم وأوصلتهم إلى ريف حلب الغربي، عبر عدة أيام، وعبر مفاوضات متتالية مع الجانب الروسي، وبعد خروقات متعددة من جانب الميليشيات الإيرانية. وفي المقابل، نقلت الحافلات الخضراء مقاتلي بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتان في ريف إدلب لتوصلهم إلى حلب. عرقلت إيران إذن مسار تفريغ حلب من سكانها السنّة الثوار ، لتدخل ضمن الاتفاق نقل مواليها في بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين من قبل الثوار. ليست البلدتان فقط من دخلتا في الاتفاق، وإنّما دخل في الاتفاق كذلك تفريغ بلدتي الزبداني ومضايا الواقعتان في ريف دمشق كذلك من السنّة الموالين للثورة.
حدث تفريغ أرض من سكانّها وإحلال آخرين مكانها يبدو غريبًا في القرن الحادي والعشرين الذي يدّعي العولمة والتعايش. بل والأغرب أن هذه المظلمة الكبيرة، مظلمة تهجير جموع من الناس من ديارهم، وغصب أراضيهم ومساكنهم، لإحلال جموع أخرى من الناس محلّها تحصل بين أتباع دين واحد.
تعمل إيران إذن في استراتيجية ممتدّة على إعادة تقسيم سوريا عبر الانتماء السنّي الشيعي، وتحول الدولة القومية السورية إلى مريض ينازع أنفاسه الأخيرة، وينتظر من يجهز عليه الإجهاز الأخير.
تُرى، ما الذي سيتخذه شكل الأحياء الشرقية المدمرة في حلب بعد تهجير أهلها منها، واستقدام شيعة كفريا والفوعة؟ ما مصير أراضي وممتلكات المهجّرين؟ كيف سيكون شكل حلب الجديدة بعد أن يتوطن فيها الكثير من المقاتلين الشيعة القادمين من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان؟ هل سيكون لأصحاب الديار “حق العودة”بعد أن تنتهي الحرب؟ أم سيجدون العمائر الجديدة قد شيدت والأحياء الجديدة قد بنيت لتطمس حلب القديمة وتطمس معها ذاكرة وعالم هؤلاء المهجرين؟
ومن ناحية أخرى، ما مصير إدلب بعد أن أصبح جميع سكانها من السنّة الثائرين، وما شكلها الجديد بعد أن هجّر إليها أهالي الغوطة وأهالي الزبداني ومضايا، وأخيرًا أهالي حلب؟ أصبح السنّة الآن محاصرين بين الشيعة المقاتلين الأعداء شرقًا وبين العلويين المقاتلين الأعداء غربًا وبين الأكراد شمالاً. هل ستترك إيران إدلب السنيّة تعيش في سلام، أم ستشنّ عليهم حربًا قادمة لأنها لم تستكف من التغيير الديموغرافي في سورية وتريد الإجهاز على ما يسمّى الجمهورية العربية السورية؟ سؤال ستكشف عنه الأسابيع القليلة القادمة.
Sorry Comments are closed