حلب… من ينبغي أن يشعر بالعار؟

فريق التحرير17 ديسمبر 2016آخر تحديث :
حلب… من ينبغي أن يشعر بالعار؟

أسامة أبو ارشيد* أسامة أبو ارشيد

إنها فعلاً كوميديا هزلية، لكنها غير مضحكة، بل ودموية، وذلك عندما يتجادل سفيرا الولايات المتحدة وروسيا في مجلس الأمن الدولي بشأن حقيقة هوية المُلامِ في الجرائم الوحشية التي تُرتكب في حلب في سورية. أعطت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، سامنثا باور، شارة البدء للملهاة التراجيدية، في جلسة يوم الثلاثاء الماضي، في مجلس الأمن حول الوضع في حلب، متهمةً روسيا وإيران ونظام بشار الأسد بارتكاب فظائع لا تغتفر ضد المدنيين العزّل المحاصرين في الأحياء الشرقية من المدينة. لم تجانب باور الحقيقة في إيرادها حقائق فاجعة يعلمها الجميع، ولا يتنكّر لها إلا بليد حِسٍ مؤيد للجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوري على يد نظام بشار وراعييه، الروسي والإيراني. فكان أن اتهمت روسيا وإيران ونظام بشار بإفشال اتفاق الهدنة الأول، قبل أيام، والذي كان ينصّ على أن تشرف الأمم المتحدة والصليب الأحمر على إجلاء المدنيين والمقاتلين، بسلاحهم الشخصي فقط، المحاصرين في أحياء حلب الشرقية. كما عَرَّجَتْ على بعض من جرائم روسيا وإيران ونظام بشار، مثل تفويضهم مهمة ارتكاب المذابح إلى مليشيات، وقصفهم المدنيين بالبراميل المتفجرة والطائرات الحربية، وحصار عشرات الآلاف من المدنيين العزّل. ولم تنس أن تنبههم إلى أن محاولاتهم تزييف الحقائق وطمسها لن تعفيهم من مسؤولية هذه الجرائم، الآن وفي المستقبل، مضيفة أن “حلب ستنضم إلى تلك الأحداث في تاريخ العالم التي تُعَرِّفُ مفهوم الشر المعاصر، تلك التي تلطخ ضمائرنا عقوداً مقبلة. حلبجة، رواندا، سربرنيتشا، حلب”. وختمت باور مداخلتها المشحونة عاطفياً باتهامٍ من نوع آخر لروسيا وإيران ونظام بشار، قائلة: “هل أنتم فعلاً غير قادرين على الشعور بالعار؟ هل فعلاً لا يوجد شيء يمكن أن يجلب لكم الشعور بالعار؟ هل لا يوجد أي فعل همجي ضد المدنيين، أو في إعدام طفل، يمكن أن يجعلكم تخجلون؟”.
قبل إيراد رَدَّ السفير الروسي إلى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، هنا، أؤكد أنني أتجاهل، متعمداً، التعليق على موضوعة اللغة التنديدية الاستنكارية، أو “الجعجعة” التي نعرفها نحن العرب جيداً، وتمارسها الولايات المتحدة اليوم في السياق السوري. هذه “الجعجعة” هي منطق إدارة أوباما منذ اليوم الأول للثورة السورية، وهي ليست نتيجة ضعف وقلة حيلة، بقدر ما هي مرتبطة بمقاربة التوحش الأميركية في السياسة الخارجية، وهو أمر كتبت فيه من قبل في “العربي الجديد”.
جاء ردّ السفير الروسي متسقاً مع همجية دولته التي رأيناها مرات عدة في التاريخ المعاصر، في القرم (زمن جوزيف ستالين)، وأفغانستان، والشيشان، وجورجيا، ومرة أخرى في القرم وشرق أوكرانيا، واليوم سورية، وبينهم جرائم أخرى كثيرة تدل على وحشية هذه الدولة وبربريتها. المفارقة أن رَدَّهُ الهمجي لم يخلُ من حقائق كثيرة. بدأ تشوركين بتذكير الدول الغربية الثلاث الداعية إلى جلسة مجلس الأمن الدولي، الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا، “وقاموا بالصراخ فيها” بدورهم “في إيجاد داعش، جرّاء الغزو الأميركي-البريطاني للعراق”. واستطرد بتوجيه تهمة للدول الثلاث بأنها ساهمت في تسعير الأزمة السورية، والتي قادت إلى التداعيات الخطيرة التي نراها اليوم، و”سمحت للإرهابيين بالتمدّد في سورية والعراق”. ثمَّ وصل إلى أهم ما في رده، حيث خاطب باور مباشرة: “أغرب خطاب بالنسبة لي هو خطاب المندوبة الأميركية والتي تحدثت وكأنها الأم تيريزا. رجاء، تذكّري أي دولة تمثلين. رجاءً، تذكّري سجل بلدك الحافل” في الشرق الأوسط.
قصْد تشوركين واضح، هو يريد تذكير الولايات المتحدة بأنها آخر من يحقّ لها أن تتحدّث عن الهمجية وإعطاء دورس في الإنسانية، فتاريخها، في هذا السياق، لا يمكن إخفاؤه خلف غربال، وشواهده كثيرة، من السكان الأصليين للولايات المتحدة، إلى فيتنام، وشبه الجزيرة الكورية، وباناما، و”الحرب على الإرهاب”، والعراق.. إلخ. هنا، تبرز المفارقة الثانية، فباور لا تُخْضِعُ الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة للمعايير نفسها التي تُقارِبُ بها الجرائم الروسية والإيرانية والسورية، وتشوركين يمارس منطقاً دنيئاً بالإيحاء بأنه يمكن لروسيا أن ترتكب جرائم ضد الإنسانية، ما دام أن الولايات المتحدة تفعل الأمر نفسه. منطق حقير وهمجي من الطرفين بكل ما يحتمله ذلك من معانٍ. كلا الدولتين ينبغي أن تشعرا بالعار مما تفعلانه في بقاعٍ كثيرة، وكلاهما مُجَلَّلتان بالعار في سورية، روسيا لأنها تقتل وتدمر بهمجية، وأميركا لأنها تسمح بذلك، والجميع يعلم أنها قادرة على إيقاف القتل والإبادة هناك، لو أرادت ذلك حقاً. ينسحب العار نفسه على إيران ونظام الأسد ووكلائهما، هذا لا شك فيه.
السؤال الحقيقي هنا: هل هؤلاء هم فقط من يُجَلِّلُهم العار؟ ماذا عن أنظمة العرب والمسلمين؟ إنهم شركاء كذلك، من أعان هؤلاء على ذبح الشعب السوري، ومن تقاعس عن نصرة السوريين وخذلهم. ولكن، حتى هذه القائمة للمُجَلَّلينَ بالعار لا تكفي، إذ إنها تشملنا، نحن أيضا، الشعوب العربية والإسلامية. نعم، تشملنا، ذلك أننا سكتنا على الظلم الذي نرزح تحته منذ عقود طويلة، حتى استفحل وَتَعَقَّدَتْ عملية استئصاله. وتشملنا كذلك، لأن جُلَّنا ما زال يتعامل مع جراحاتنا الكثيرة في سورية والعراق وفلسطين وماينمار وكشمير وكأنها أمور لا تعنينا. من أسفٍ، ما لا ندركه نحن جميعا أنه إن بقي الحال على ما هو عليه، فإنها ليست أكثر من مسألة وقتٍ قبل أن تصل السكين إلى رقابنا أيضا، ليشاهد آخرون فصلاً جديداً من فصولٍ تخاصم المجرمين عن أيهم أكثر إجراماً بحقنا!

* “العربي الجديد

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل