مرّت ساعات على ما أعلنه وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، اليوم الاثنين، عن اتفاق روسي أميركي حول إخراج جميع المسلحين من حلب، لتكون فريسة سهلة بيد النظام السوري والمليشيات الطائفية المقاتلة إلى جانبه، من دون أن يصدر نفي أميركي لما قالت موسكو إنه يمكن أن يتم التوقيع عليه غداً أو بعد غد، في الاجتماعات الروسية الأميركية في مدينة جنيف، السويسرية.
اتفاق في حال حصل، يكون بمثابة النهاية الرسمية للمباحثات الجارية منذ أسبوعين برعاية تركية في أنقرة، بين الروس وفصائل المعارضة في حلب، تحت عنوان إيجاد مخارج للوضع المتأزم شرقي المدينة، تقوم على بقاء المعارضة، وخروج عناصر “جبهة فتح الشام”، ووقف القتال، ومنح الأحياء الواقعة تحت سلطة المعارضة “الإدارة ذاتية” التي تطالب بها الأمم المتحدة، لتجنيب آلاف المدنيين مصيراً مجهولاً في حال دخول قوات النظام، ومليشيات موالية لها إلى هذه الأحياء.
وسرعان ما كشف المسؤولون الروس نواياهم الحقيقية في وصف كل من يعارض النظام السوري بالإرهابي، وبالتالي اشتراطهم خروج كل المسلحين من الأحياء الشرقية للمدينة، وربما كل المدنيين منها، بحسب تسريبات إعلامية مطلعة على أجواء اجتماعات أنقرة.
وبينما لم يسجل للنظام السوري، اليوم الاثنين، تقدما إضافيا على حساب فصائل المعارضة في الأحياء الجنوبية من المنطقة الشرقية لحلب، فإن لافروف تحدث رسمياً عن أمل “في التوصل إلى اتفاق روسي أميركي، ينهي قضية حلب وينص على خروج جميع المسلحين من المدينة”، فضلاً عن أن “التعامل مع أولئك الذين سيرفضون الخروج، باعتبارهم إرهابيين”، وهو ما يجدر أن يتفق عليه خبراء روس وأميركيون في جنيف اليوم وغداً، من أجل إتمام صياغة الاتفاق.
وكشف لافروف، خلال مؤتمر صحافي في موسكو، أن اقتراح نظيره الأميركي، جون كيري “ينص على مسارات معينة لخروج جميع المسلحين من حلب ومواعيد محددة لهذه العملية”، وهو ما قالت قناة “روسيا اليوم” إن كيري سلمه في رسالة للافروف خلال لقائهما في روما يوم الجمعة الماضي. وعلق وزير الخارجية الروسي على تلك الاقتراحات، قائلا إنها “تتناسب مع المقاربات الروسية الأساسية بشأن سورية”.
وعن هذا الموضوع، أشار لافروف إلى أن “روسيا تنطلق من أن الأميركيين، عندما قدموا مبادرتهم حول ضرورة خروج جميع المسلحين من حلب الشرقية، كانوا يتفهمون تماماً ما هي الخطوات المطلوب اتخاذها من جانبهم ومن جانب حلفائهم الذين لهم التأثير على المسلحين المتخندقين في شرق حلب”.
وأكد أن الجانب الروسي كان مستعداً لبدء المشاورات اعتباراً من يوم أمس الاثنين، “لكن واشنطن طلبت تأجيل لقاء الخبراء قليلا (حتى يومي الثلاثاء والأربعاء)”.
وختم كلامه بأنه “في حال جاء التعاون الروسي الأميركي حول هذه المسائل بنتيجة (ولدينا ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأنه سينجح) فسيتم حل قضية حلب الشرقية”، وهو ما يوحي بوجود تفاهم أميركي روسي لإنهاء المعارضة في عاصمة الشمال السوري.
وكان لافروف قد هيأ الأجواء لاستخدام بلده حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار المصري الإسباني النيوزيلاندي الذي تم التصويت عليه مساء اليوم في نيويورك، واستخدمت ضده روسيا والصين بالفعل فيتو مزدوجاً.
واستبق لافروف الفيتو محذراً من أن طرح مشروع القرار الذي كان ينص على إرساء وقف لإطلاق النار يدوم 7 أيام ويستثني مقاتلي “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش”، “يعد أمراً ضاراً واستفزازاً، ويتعارض والمقاربات التي تنسقها موسكو وواشنطن حالياً بصفتهما الرئيسين المناوبين لمجموعة دعم سورية” على حد تعبيره.
لكن المعارضة السورية جددت رفضها التخلي عن مدينة حلب، مشيرةً إلى أنها ترفض التوجه الروسي الهادف إلى استسلامها وانسحابها من شرقي المدينة، مشيرةً إلى أنها تخوض حرب وجود في أكبر مدن الشمال السوري.
ووصف عمار سقار، المتحدث باسم تجمع “فاستقم كما أمرت” الفاعل في شرقي حلب، روسيا بأنها “قوة احتلال”، مضيفاً، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنه “ليس من حقها (روسيا) تحديد مصير أهل شرقي حلب”.
ويفتح التعنت الروسي الباب واسعاً أمام تداعيات أكثر مأساوية لعشرات آلاف المدنيين المحاصرين في شرقي حلب، ويجهض مساعيَ دولية يبذلها الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا من أجل “إعادة الروح” للعملية السلمية المتوقفة منذ أبريل/نيسان الماضي. واستعرت معارك كر وفر في شرقي حلب بين فصائل المعارضة السورية من جهة، وبين قوات النظام ومليشيات موالية لها.
واستعادت فصائل المعارضة السورية المسلحة زمام المبادرة، إذ استطاعت طرد مليشيات طائفية إيرانية من حي القاطرجي، ومستشفى العيون، وأجزاء واسعة من حي الميسر شرقي حلب في الساعات الأولى من صباح أمس، إثر هجوم معاكس قُتل خلاله العشرات من عناصر هذه المليشيات. وامتصت قوات المعارضة الصدمة الكبيرة التي حلت بها إثر تقدم قوات النظام ومليشيات طائفية، أبرزها حركة النجباء العراقية، من اللواء 80 شرقي حلب منذ عدة أيام. وتحاول قوات النظام تقطيع أوصال مناطق سيطرة قوات المعارضة في الجزء الجنوبي من شرقي حلب، لتضييق الخناق عليها أكثر، وحصرها في بقعة جغرافية ضيقة، حيث تعمل مع مليشيات موالية لها للسيطرة على أحياء الميسر وقاضي عسكر، ومنطقة القصر العدلي للوصول إلى قوات النظام المتمركزة في قلعة حلب. كما تهدف قوات النظام إلى عزل أحياء الشعار، وباب الحديد، وكرم الجبل عن بقية الأحياء المحررة، والضغط أكثر على أحياء تسيطر المعارضة على أجزاء واسعة منها، وأبرزها السكري، والأنصاري الشرقي، والزبدية، وصلاح الدين، والعامرية، وسيف الدولة، وبستان القصر. ووضعت المليشيات الطائفية، وقوات النظام كل ثقلها من أجل السيطرة على حي الميسر، فهو يطل على طريق مطار حلب الدولي شرقي المدينة، حيث يسعى النظام إلى إعادة تشغيله لأسباب إعلامية.
من جانبها، تؤكد المعارضة السورية أنها لن تنسحب من حلب مهما اشتدت الضغوط عليها، وأن لديها القدرة على الصمود، وخوض حرب استنزاف طويلة الأمد مع مليشيات طائفية تعد الذراع العسكرية للنظام الإيراني في سورية.
وأكد عمار سقار أن قوات المعارضة أجهضت محاولة المليشيات الطائفية تكرار سيناريو شطر مناطق سيطرة المعارضة مرة أخرى، من خلال تقدمها إلى حي القاطرجي، موضحاً، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه كان للمعارضة “الكلمة هذه المرة، ولم نتراجع عن مواقعنا، وقمنا بشن هجوم معاكس استطعنا خلاله استعادة القاطرجي، ومستشفى العيون، وأجزاء من الميسر”، مشيراً إلى أن المليشيات الطائفية حاولت التقدم من محور حي الإذاعة، وسيف الدولة، وجب الجلبي، إلا أنها جوبهت بصد من قوات المعارضة، فتراجعت بعد تكبيدها خسائر.
وتُرجَّح كفة المعارضة في أي حرب شوارع ربما تندلع، كون غالبية مقاتليها من أبناء حلب، ويعرفون تفاصيل هذه الأحياء، ويدافعون عن نحو 280 ألف مدني، هم تحت حصار كامل منذ يوليو/تموز الماضي، ويُقتل ويُصاب العشرات منهم يومياً بقصف جوي من الطيران الروسي، ومقاتلات النظام.
وأكد قائد غرفة عمليات حلب، الرائد ياسر عبد الرحيم، في تسجيل صوتي، أن المعارضة السورية المسلحة “تخوض معركة وجود” في شرقي حلب، مضيفاً “إما أن نكون أو لا نكون”، ومقراً في الوقت ذاته، بحدوث تقصير وفوضى، أدى إلى تقدم قوات النظام والمليشيات الطائفية، داعياً مقاتلي المعارضة إلى “الثبات”.
ووعد بـ”مفاجآت من العيار الثقيل لقلب الموازين”، مؤكداً أن لدى فصائل المعارضة “ما يكفي للمناورة، واستعادة زمام المبادرة”، متحدثاً عن استعدادات تجري في الريف الحلبي، لمساندة مقاتلي المعارضة في شرقي حلب، الذين يصدون المليشيات الطائفية. وأشار إلى أن مدداً “من الجو، والأرض” مُقبل لقوات المعارضة، من دون الخوض في التفاصيل.
وأكد عضو المكتب السياسي في حركة نور الدين الزنكي ياسر اليوسف أن أي اقتراح بخروج مقاتلي الفصائل “مرفوض” داعياً “الروس إلى الخروج من حلب”، في وقت قال القيادي في جيش الإسلام أبو عبد الرحمن الحموي إن “الثوار سيقاتلون الاحتلالين الروسي والإيراني حتى آخر نقطة دم”.
عذراً التعليقات مغلقة