*ثائر الزعزوع
لا يكاد يمر يوم دون أن تتكرر مفردة المؤامرة من الجانبين، إعلاميا ورسميا، مع أن الأحداث والوقائع قدمت أدلة كافية على أن الأمر، أولا وأخيرا، هو مصالح ولعبة سياسية معقدة، كان النظام ومازال لاعبا أساسيا فيها.
لطالما شكلت مفردة المؤامرة واحدة من المفردات المفضلة بالنسبة إلى بعض الأنظمة العربية في إطار تبرير عجزها عن القيام بمشاريع تنموية أو إصلاحات.
وقد نجح النظام السوري، تاريخيا، في تحويل “المؤامرة” إلى جزء لا يتجزأ من نهجه السياسي، واستطاع تسويقها على أنها الجدار الذي يختبئ خلفه في مواجهة أي عجز أو فشل يرتكبه، وتعليل كافة سلوكياته العدائية تجاه المواطنين من قمع واعتقال، بل وحتى قتل في الكثير من الأحيان. وكثيرة المرات التي كانت المؤامرة قادرة على إيقاف عقارب الساعة وإعطاء النظام ضوءا أخضر لمواصلة فشله واستبداده.
ومع بدء الثورة ربيع العام 2011 لم يكن نظام دمشق بحاجة للكثير من الوقت ليحزم أمره ويقرر أنها مؤامرة كونية تستهدف نظامه المقاوم الممانع، وتستهدف قلعة الصمود والتصدي للعدو الصهيوني الغاشم، هكذا حرفيا، وامتدت خيوط المؤامرة بحيث لم يستثن نظام دمشق أحدا تقريبا، وحتى وصلت إلى حلفائه التقليديين الذين كانوا إلى ما قبل الثورة بأيام يعملون على تسويقه عالميا مثل قطر وتركيا.
ورغم الحقائق التي تكشفت تباعا، والتصريحات الإسرائيلية تحديدا التي أبدت حرصها على بقاء نظام الأسد، إلا أن النظام مازال يردد تلك العبارات حتى يومنا هذا، ومازال مصرا على اعتبار نفسه آخر معاقل التمدن والعيش المشترك في المنطقة العربية، رغم الرايات الإيرانية، الواضحة لمؤيديه قبل معارضيه، والتي ترفرف في طرقات المدن التي أخليت من سكانها، وجميع الفظائع والمجازر التي ارتكبتها قواته والميليشيات الطائفية الموالية لها على مدى أكثر من خمس سنوات، واستهدفت مكوناً بعينه فأحالت مدنا إلى ركام وهجرت أكثر من عشرة ملايين مدني.
على الضفة المقابلة لم يـتأخر الأمر كثيرا قبل أن يبدأ المعسكر المعارض لنظام دمشق والثائر على حكمه في استخدام المفردة نفسها، بل وربما توجيه أصابع الاتهام إلى الجهات نفسها التي يتهمها النظام في بعض الأحيان، مثل منظمة الأمم المتحدة وبعض المنظمات التي تعمل في الشأن الإغاثي.
ولا يكاد يمر يوم دون أن تتكرر مفردة المؤامرة على كلا الجانبين، إعلاميا ورسميا، ومع أن الأحداث والوقائع قدمت أدلة كافية على أن الأمر، أولا وأخيرا، هو لعبة سياسية معقدة، كان النظام ومازال لاعباً أساسيا فيها بسبب ما يملكه من ملفات متشابكة ومعقدة، وقد أثبتت تلك الحيلة نجاعتها في أعقاب الهجوم الكيماوي الذي نفذته قواته على غوطة دمشق صيف العام 2013، وأسفر وقتها عن اتفاق روسي أميركي سلم النظام بموجبه أسلحته الكيماوية، مقابل السماح له بالبقاء على كرسيه إلا أن المعارضة، التي يبدو حتى وقتنا هذا أنها لم تستطع إقناع ما يكفي من دول العالم بقدرتها على لعب الأدوار التي كان يلعبها نظام دمشق، رغم الدعم الكبير الذي تلقته من دول إقليمية مؤثرة لها ثقلها في الخارطة السياسية والاقتصادية العالمية، تفضل الالتجاء إلى هذا الخيار السهل والتبرير الذي لن يحتاج إلى شروح إضافية، فالأمر هو مؤامرة عالمية تستهدف النيل من ثورة الشعب السوري، وقد يكون الأمر في بعض جوانبه صحيحا لكن ما الحل؟ وهل يمكن أن تغير “الدول المتآمرة” وفق هذا التوصيف من مواقفها؟ أم أن المذبحة قد تستمر إلى ما لا نهاية؟
الإجابة على مثل هذا السؤال لن تكون بالسهولة المتوقعة، خاصة وأن المسألة السورية تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، وهي مرشحة للتدحرج إلى مستويات أكثر كارثية، يدفع ثمنها المدنيون فقط، دون أن يكون ثمة طوق نجاة يلقى لهم، سوى الهجرة وركوب البحر، فإما الغرق كما حدث العشرات من المرات للمئات من الهاربين، وإما مواصلة الحياة بعيدا هناك.
أثبتت تداعيات معركة حلب والقصف الذي تتعرض له أن لغة التوسل والاستجداء والتلويح بصور الضحايا والنواح على مستشفيات دمرت، لن تغير في السياسة العالمية شيئا، طالما أن واشنطن، المتهمة بالتآمر من كلا الطرفين بل ومن أطراف خارجية على صلة بالمسألة السورية، لم تتخذ قرارها بعد في لجم الدب الروسي الهائج، والحيلولة دون تحول حلب إلى لقمة سائغة للميليشيات الطائفية التي تقف على حدودها وتتحين الفرص للانقضاض عليها واحتلالها، بينما تتابع بعض الحكومات العربية، المعنية أكثر من غيرها، ما يجري دون أن تمتلك حولا أو قوة للتدخل لا لإنقاذ حلب فحسب ولكن للحد من تمدد المشروع الإيراني الذي لا يختلف من حيث بنيته عن المشروع الداعشي، فـ”إيران أكبر وأوسع من أن تحدها الخرائط الجغرافية” كما قال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني. فلماذا لا يتحرك العرب للإطاحة بهذا الحلم الإيراني؟ هل يعقل أن يكون العرب متآمرين على أنفسهم؟
المصدر: العرب
عذراً التعليقات مغلقة