أنا حلب.. لا تضعوا رسالتي في البريد المهمل

فريق التحرير22 نوفمبر 2016آخر تحديث :
أنا حلب.. لا تضعوا رسالتي في البريد المهمل

عبد المنعم زين الدين

  • د. عبد المنعم زين الدين

أنا حلب.. هل عرفتموني؟
نعم أنا مدينة الحضارة والعِلم والرقيّ، أنا عاصمة الصناعة والحِرَف في سورية، بلى .. أنا مدينة المساجد والأسواق القديمة، أنا مدينة الثورة والكرامة والإباء.

أنا الاسم الغائب في إعلامكم، أنا البريد المهمل عند حكامكم، أنا الأنين الصامت عند شعوبكم، أنا حلب.. يقولون عني الآن: “أني أخطر مدينة في العالم”، وقد كنت الأجمل لولا حقدهم وإجرامهم، وتآمرهم عليّ، وصمتكم عنهم.

 يتهمون أبنائي بالإرهاب، تلك مقولة من يُقطّع أوصالي ويقتل أبنائي، ويحتلّ بيتي ويحاصِر صغاري، ويمنع عنهم الدواء والطعام وحليب الأطفال.

يقولون: “إن لي إخوة وأخوات، مدن وعواصم عربية وإسلامية، أنجبوا ملايين الأبناء” لكني ناديتُهم فلم أسمع لهم صوتاً، وبُحَّ صوتي من مناشدتهم، فما تحرّك لهم ساكن، أيُعقل أنهم لا يسمعون النداء؟ أم أنهم عني مشغولون؟ بماذا بربكم أخبروني.! وهل دمائي لا تعنيهم، وأشلاء أبنائي لا تحرّك ضمائرهم؟

أنا حلب .. أكتب لكم رسالتي بمداد الدماء، أسواقي خاوية، بطون أبنائي جائعة وعيون صغاري تائهة، فالمشافي دُمِّرتْ والمؤن نفذت والحياة تعطّلت.

صوتُ المدافع وضجيج الطيران الغاشم يغطّي على صوت الأذان، ورائحة الكلور والبارود تطغى على رائحة العطر والورود، وقد جفّت أنهار الماء وسالتْ فيها الدماء.

في كل ساعة أودّع بعضاً من أبنائي، باب المقابر لا يُقفل عندي فالزوار كثر، لا يتوقفون عن دفن ذويهم ليل نهار من نساء وشيوخ وأطفال صغار، حتى غصّت بهم المقابر وما سمعت منكم كلمة عزاء ولا مواساة.

إذا وصلتكم رسالتي فاعلموا أنني أعيش حالة عتابٍ شديد عليكم، أصابتني الجراح فلم تسألوا عني، ناديتُ فلم تردّوا عليّ، حاصرني الأعداء وأحاطوا بي، فلم أسمع لكم صوتاً، ودّعتُ الآلاف من أبنائي فلم تواسوني بكلمة.

لماذا تركتموني للوحوش الكريهة تنهش لحمي، وتدمّر حضارتي وتدنس أرضي، وتعتدي على كرامتي وتحاصر أبنائي، وتقتل صغاري ونتم تنظرون؟

حتى أنتم يا أخواتي من المدن الثائرة في سورية الجريحة، لماذا تنام جبهاتكم عن مقارعة المجرمين؟ ألا تدركون أنهم ينتظرون موتي ليتفرغوا لكم؟ أنا ما بخلتُ يوماً بأبنائي حين نادتني أخواتي، من درعا وحمص، واسألوا مدينة القصير تخبركم عن ابني عبد القادر الصالح، فلماذا يتركني بعضكم الآن وحيدة في الميدان؟

 دعوني أخبركم أن أبنائي إلى الآن على الجبهات يقاومون ببسالة، وقد أقسموا ألا يسلموني للمحتل وألا يتركوني للذئاب، وأنا أقسمت معهم على الصمود.لكني لن أسامح من تخلى عني، ولن أرحم من تآمر عليّ، ولن أنسى من طعنني بخنجر خذلانه عند الشدائد.

يمكنكم أن تناموا الليلة وغداً في فراشكم آمنين، فالعدو مشغول بي عنكم، لن يستيطعوا أن يعبروا فوقي إليكم وفيَّ عِرق ينبض، لكنهم إن عبروا بعد موت أبنائي فاعلموا أنكم أنتم من كسرتم لهم باب الحِصن، وأنتم من مددتم لهم جسر العُبور إليكم، حين منعتموني سلاحاً أدافع به عني وعنكم.

يمكنكم أن تناموا لكن.. أعيروني سلاحكم أطرد به أسراب طائرات المجرمين، أعيروني إعلامكم، أعيروني منابركم، أعيروني علبة الدواء في خزانتكم، وإلا فأعيروني صمتكم وانتظروا مصيركم.

  • مدونات الجزيرة

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل