كما أُسلفنا سابقاً فإن نظام الأسد قد إستفاد من مجموعة من العوامل المرتبطة ببعضها البعض إقليمياً ومحلياً ودولياً …..
مجموعة العوامل التي ساعدت بقاء الأسد في السلطة , سواء كانت محلية أو إقليمية كان لابد لها من غطاء دولي يدعمها بقوة في المحافل الدولية خاصة مجلس الأمن والأمم المتحدة.
قبيل إنطلاق الثورة السورية كان نظام الأسد يعاني تخبطاً في علاقاته الدولية, حيث كانت علاقاته فاترة مع معظم الدول مثل روسيا وفرنسا, وكان قانون محاسبة سوريا الأمريكي قد جعل النظام شبه معزول رغم محاولة بعض الدول العربية إنتشاله من عزلته مثل محاولات القطريين لتسويقه مجدداً, لكن هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب التخبط في السياسة الدولية لنظام الأسد, لكن الظروف الدولية التي رافقت الربيع العربية والثورات العربية والإنقسام الدولي الحاصل حولها خاصة الصدام بين القوتين الاكبر في العالم, جعلت النظام يعيد اصطفافه من جديد ويتقرب من الروس الذين وجدوا في سوريا موطئ قدم لهم, وبذات الوقت مكاناً آخر للصراع مع الأمريكان بعد خسارتهم في العراق وبعدها ليبيا حيث أحس الروس أنهم باتوا في عزلة دولية خاصة بعد ما جرى في القرم ووصول الأمريكان إلى الحديقة الخلفية لهم لذلك أراد الروس نقل الصراع إلى مناطق بعيدة عن حدودهم فكان تدخلهم في سوريا.
بذات الوقت كانت الولايات المتحدة في إطار مراجعة سياساتها الدولية وإجراء تغييرات كبرى في مواقفها , حيث اعتمد اوباما على سياسة طاولة الحوار بدلاً من التدخل العسكري المباشر , مما سمح بتمدد روسي في المنطقة بدعم إيراني ووعود إقتصادية سال لها لعاب الروس في المنطقة.
هذا الإنقسام إستفاد منه نظام الأسد في الحصول على دعم روسي لا محدود , وفي الاصطفاف ضمن حلف دولي في مواجهة الولايات المتحدة يضم روسيا والصين وإيران وغيرها من الدول كمجموعة البريكس وغيرها, والتي دعمت نظام الأسد سياسياً حيث كان الفيتو الروسي ومن خلفه الصيني في المرصاد لكل قرار يدين ممارسات النظام, فتم تعطيل مجلس الامن لسنوات خمس مما جعل المجتمع الدولي عاجزاً بل مشلولاً أمام تصرفات نظام الأسد الوحشية وسياسته القمعية.
ورغم تجاوز نظام الأسد لجميع الخطوط الحمر بما فيها استخدامه للأسلحة الكيماوية إلا أن المجتمع الدولي لم يحرك ساكناً بل اكتفى بالتنديد وتشكيل لجنة تحقيق لم تسفر عن شيء.
هذا الوضع الدولي المتغير والذي يشبه أجواء الحرب الباردة التي سادت في فترة الثمانينات من القرن المنصرم , والمغامرة الروسية في سوريا والتراجع الأمريكي في المنطقة قدم خدمة كبرى للنظام أطالت في عمره بل جعلت مسألة بقائه إحدى المسائل الرئيسية المختلف عليها بين القوى الدولية, بعد ظهور ظاهرة داعش والتي حولت وجهة معظم الدول إلى فكرة مكافحة الإرهاب وبذلك خف الضغط على نظام الأسد بل بدأت بعض الدول وبإيحاء روسي إيراني تذهب إلى إعتبار النظام شريكاً في مكافحة الإرهاب متغاضين عن جرائمه التي مارسها ضد شعبه.
هذه المتغيرات الدولية والتي لم تصل حد الصدام المباشر , استفاد منها النظام في حين لم يستطع ممثلو المعارضة السياسية الاستفادة منها بسبب انقسامهم وعدم قدرتهم على إيجاد جسم سياسي موحد قادر على تمثيل الثورة والتأثير على مختلف فصائلها , هذا الإنقسام كان احد عوامل تأخير الثورة في تحقيق أهدافها وبالتالي تأخير الحل في سوريا.
يبدو ان الوضع الدولي لم يصل حد الإنقسام الفعلي الذي يهدد مصالح الدول الكبرى , حتى تسارع لتحقيق الحل وإنهاء الوضع في سوريا فكل ما يجري حتى اللحظة هو مجرد مناكفات سياسية لاتصل حد الإنقسام الحاد في المواقف بين الامريكان والروس وبالتالي لم يهدد مصالحهم الحيوية أي خطر.
فلازال اللاعبون الدوليون في منطقة المتحول في سياساتهم والمتحول في تلك السياسات هو عدم وصول الخطر للثوابت الأساسية لكل دولة التي تخوض من أجلها حرباً.
إذا فالوضع في سوريا قد يستمر لفترة أطول طالما أن ثوابت الدول الكبرى القادرة على إنهاء الصراع لم تتأثر بعد , ولم تصل للخطوط الحمراء التي تدفعها لخوض تلك الحروب , أي ان تكيف الدول الكبرى مع الوضع في الشرق الأوسط وعدم وجود خطر حقيقي على مصالحها الكبرى سيؤخر حتماً في تدخلها , لذلك يرى الأمريكان في التدخل الروسي مغامرة غير محسوبة العواقب تشابه تلك التي حدثت في أفغانستان في نهابات القرن الماضي.
هذه الظروف الدولية والتي يبدو أنها تحاول وضع أرضية مشتركة لمجموعة حلول لا ترضي الطرفين ربما , لكنها تخدم النظام بصورة أفضل قد تتغير بفعل أمر طارئ يقدم عليه أحد الأطراف وبحماقة سياسية تؤدي إلى إنتحاره سياسياً.
حتى حدوث تلك المتغيرات يبقى الوضع الدولي يخدم النظام ويغض النظر عن افعاله وبالتالي يطيل في عمره وربما يعمل على تعويمه مجدداً بفعل المتغيرات الدولية التي تقف على قدم واحدة بانتظار ما تسفر عنه خطط الرئيس الأمريكي ترامب الفائز في الإنتخابات الأمريكية.
عذراً التعليقات مغلقة