كما تم عرضه سابقاً فإن لنظام الأسد دوراً كبيراً في عدم قدرة الثورة السورية على تحقيق أهدافها , لأسباب عديدة منها ما يتعلق بسياسته منذ وصوله للحكم, كممارساته الأمنية وقمع الحريات وممارسة الإعتقالات التعسفية ومحاربة حرية الرأي وتقييد الصحافة وغيرها , وبالتالي عزل المجتمع عن الحياة السياسية واحتكاره ممارسة السياسة مما جعل المجتمع يصاب بما تمت تسميته بالتصحر الفكري والعقم السياسي, هذه الممارسات استفاد منها لاحقاً في عدم وجود معارضة ناضجة موحدة تقود العمل الثوري ضده.
كذلك سلسلة التحالفات الداخلية والخارجية سواء الإقليمية أو الدولية والتي كانت سياجاً حالت دون سقوطه.
فقد بنى نظام الأسد شبكة معقدة من التحالفات في الداخل معتمدة على سلسلة الولاءات الفردية والعائلية له , كذلك اعتمد على التحالف مع طبقات معينة ربطت وجودها ببقاء النظام , هذه التحالفات شكلت فيما بعد جبهة موحدة تدافع عنه, فكيف ضمن هذه الولاءات؟
منذ وصوله للحكم عمل نظام الأسد على تصوير نفسه حامياً للأقليات والتي لم تكن تعاني ظلماً قبل وصوله بل كان العيش المشترك أحد مميزاتها, ومع ذلك فقد عمل على إيجاد طبقة من رجال الدين الموالين له من مختلف الأديان والطوائف ابتداء من المسلمين سنتهم وشيعتهم ومروراً بباقي الأديان والطوائف, كما عمل على الاستثمار في الزعامات العشائرية والقبلية والعائلية ونحى كل من أدرك أنه يشكل خطراً مستقبلياً عليه.
هذه الشبكة من التحالفات الداخلية جعلت النظام يتحرك في ما يشبه القوقعة داخل الدولة , فقد أصبحت المراكز الحساسة في الدولة ودوائر صنع القرار تتوارث ضمن العائلة الواحدة وبذلك تكون محميته الداخلية قد أصبحت تامة الاركان للوقوف معه فيما لو تعرض لخطر الإطاحة به وهو ما كان عند قيام الثورة السورية.
إقليمياً كذلك بنى النظام السوري سلسلة علاقات إقليمية مركزها الأساسي إيران , حيث عمل على تشكيل حلف إقليمي قائم على التقارب الإثني والعقدي ملتقياً بذلك مع أحلام إيران التوسعية التي اعتمدت المذهب الشيعي واجهة لبناء أحلامها الإمبراطورية , هذا التحالف القائم على المصالح والمغطى بغطاء ديني وجد له أصدقاء لدى تجمعات إثنية في البلدان المحيطة خاصة لبنان والعراق, وبذلك يكون النظام قد بنى شبكة تحالفات دينية عقدية تعتمد على الولاء لمرجعية لا للدولة، هذه التحالفات شهدت تطوراً لافتاً بعد الثورة السورية, حيث كان لإيران دور كبير في الحفاظ على النظام السوري من السقوط بل والدفاع عنه والذهاب بعيداً في الصراع من أجله.
هذه الأحلام الإمبراطورية التي التقت مع مصالح النظام استفاد منها النظام أيضاً في إيجاد التوازن الإقليمي مع الدول الداعمة للثورة السورية مثل دول الخليج وتركيا مع حفاظ بعض دول الخليج على شعرة معاوية مع النظام, وذلك لجملة مصالح سياسية واقتصادية وبذلك يكون أيضاً قد استفاد من هذا الصراع الإقليمي في تثبيت وجوده وتحويل الثورة السورية الباحثة عن العدالة والحرية إلى صراع من أجل تحقيق مكاسب إقليمية تساهم في بقائه لأطول فترة ممكنة.
كما عمل النظام ومن خلال شبكة علاقاته الإقليمية على تحريك الصراعات الداخلية في الدول التي يملك فيها حلفاء محليين وبالتالي ابعادها عن التأثير المباشر في الثورة السورية مثل حزب الله اللبناني والفصائل العراقية الداعمة له .
هذه الظروف الإقليمية وفي ظل وجودها في مناخ دولي مضطرب حيث هناك تغيرات واضحة في سياسات الدول الكبرى جعل من الوضع الإقليمي مساهماً في خدمة بقاء النظام أكثر من انتصار الثورة.
وبذلك يكون النظام وحلفاؤه اللاعب الأوفر حظاً إقليمياً.
عذراً التعليقات مغلقة