* فراس علاوي
الكثير ممن خرجوا في بداية الثورة السورية , لم يكونوا يتوقعون هذا الشكل والمنحى الذي اتخذته الاحداث والزمن الذي استغرقته الثورة دون تحقيق الجزء الاكبر من أهدافها, ترى ما هو السبب او ما هي جملة الاسباب التي جعلت من تحقيق الثورة السورية لأهدافها يتأخر ليتحول إلى حل للمعضلة السورية؟
يمكن تقسيم هذه الاسباب حسب التأثير في مجريات الثورة وحسب المعطيات التي قدمتها الاطراف المشتركة في الموضوع السوري الى ثلاث اسباب:
– السبب الاول هو ما يتعلق بالثورة السورية نفسها والمعارضة السياسية التي تصدرت المشهد، وبجمهور الثورة والمعارضة والانقسام الفكري والسياسي للمعارضة بين معارضة ومعارضة المعارضة، وبين داخلية وخارجية، وموقف سياسي وموقف المعارضة من الحل العسكري والتسليح وعلاقات المعارضة بالأطراف الخارجية والداخلية وبالشارع الثائر ووعي الشارع السياسي والثوري.
– السبب الثاني هو ما يتعلق بالنظام ورؤيته للحل في سوريا واستخدام قبضته الامنية والاعتماد على تراكمات تاريخية في التعامل مع الشعب السوري والدائرة المحيطة بصناع القرار السياسي في سوريا وقدرتهم على التأثير كذلك موقف الشارع الموالي من النظام ومن الثورة واعتماد النظام على الانقسام الدولي والاقليمي بالاضافة لاعتماده على فكرة الطائفة الحاكمة.
– السبب الثالث هو ما يتعلق بالوضع الدولي وموقف الدول الكبرى خاصة امريكا وروسيا والدول الاقليمية وكيفية تأثير الوضع السوري في كل منها وعدم وصول هذا التأثير الى الصدع او الشرخ الذي يؤدي لتهديد جدي لأحدهما وبالتالي عدم اتخاذ مواقف جدية وقوية تمنع تطور الاحداث ودخول الوضع في سوريا مائدة المفاوضات ومزاد التنازلات والضغوط الدولية.
من الواضح ان كل سبب من هذه الاسباب يحتاج الى دراسة مفصلة للوقوف على ابرز مرتكزاته وأهدافه وطرق حلها
لذلك سيكون كل سبب من هذه الاسباب هو عنوان لمادة مستقلة بحد ذاتها ومن ثم يتم ربط هذه الاسباب للوصول لحل عملي وواقعي لما يحدث في سوريا
المعارضة السياسية السورية
لا يختلف إثنان أن الأداء السياسي للمعارضة السورية, هو أداء هزيل ضعيف لا يرقى لمستوى التضحيات التي قدمها الشعب السوري خلال سنوات الثورة.
هذا الضعف السياسي انعكس على الأرض, وخاصة على الأداء العسكري فتسبب في إنقسامه وتشرذمه بسبب عدم وجود قيادة موحدة تقود العمل الثوري. فالإنقسام العسكري هو أحد ابرز أسباب تأخر الثورة في تحقيق أهدافها, وهو السبب الأبرز لدخول قوى وتيارات فكرية وأيديولوجية للساحة السورية تبحث عن تحقيق أهدافها ومشاريعها الخاصة, وبالتالي فوجود قيادة سياسية حقيقية تستطيع إعادة البوصلة لوجهها الصحيح وبالتالي إعادة الثورة لطريقها الذي اتخذته منذ البداية، فما هو السبب وراء هذا الاداء الهزيل والتشرذم للمعارضة السورية.
يعود التصحر السياسي والفقر في المعرفة السياسية وعدم وجود قوى سياسية حقيقة في الشارع السوري, إلى ممارسات نظام الأسد القمعية, والتي اعتمدت على احتكار العمل السياسي في الموالين له, ووضع جميع القوى السياسية تحت مظلته وبالتالي مراقبتها وتوجيهها عن بعد مما جعل المناخ غير ملائم لظهور قوى سياسية موحدة ومجمعة تحت تشكيلات سياسية كالأحزاب أو التجمعات, كما حارب العمل العام ومنظمات المجتمع المدني بل وحول العمل السياسي إلى إثم يمارسه السوريون ويعاقبون عليه, وبالتالي قتل أي أفكار معارضة، لكن الأمر لم يخلُ من أفراد عارضوا النظام وعانوا كثيراً من قمعه الأمني لكن طول فترة نضالهم الفكري جعل لمعارضتهم نمطاً معيناً يمتاز بالمهادنة نوعاً ما, كما لم يستطع الأفراد الذين خرجوا من سوريا هرباً من بطش النظام تشكيل كيانات سياسية مؤثرة أو منظمة، وإذا استثنينا “الأخوان المسلمون” فلا يوجد حزب سوري معارض قوي يجمع المعارضين في الخارج مما جعل المعارضة السورية خليط غير متجانس في الأهداف وفي الطرق المستخدمة لتحقيق أهدافها.
ففي حين يرى معارضو الداخل كما يسمون أنفسهم , أن الإصلاح هو الطريق الأفضل لتحقيق التغيير وبالتالي القبول بتشاركية ما مع النظام , وهو أمر رفضته الثورة منذ إنطلاقها كما أنهم لا يملكون الحاضنة الشعبية لأفكارهم بل على العكس ينظر إليهم الشارع الثائر على أنهم صنيعة النظام، ترفع المعارضة التي يطلق عليها معارضة الخارج السقف, لكنها لا تملك الأدوات اللازمة لإسقاط النظام كذلك هي معارضة مشرذمة ذات توجهات فكرية مختلفة تتعدد توجهاتها من اليسار لليمين. ولم يستطع أي من الدول الداعمة تجميعها في إطار حقيقي بعيد عن التوافق.
كذلك الشارع الفقير سياسياً, والذي خرج بثورة شعبية لا تملك آفاق سياسية واضحة, ولا تقودها تنظيمات سياسية و مما جعله منفتحاً على جميع التجارب الفكرية والسياسية, فسقط في فخ الانتماءات وأصابته عدوى التشرذم وأصبح بيئة حاضنة لكثير من التيارات الفكرية خاصة المتطرفة منها, التي استغلته باسم الدين وهو أحد اسباب تأخر تحقيق الثورة لأهدافها بل انحرف بالثورة عن أهدافها وحولها لأجندات لا تمت للواقع السوري بصلة.
وتبقى المعضلة الأساسية التي أخرت الثورة في السورية في تحقيق أهدافها , هي إنقسام الشارع السوري بين مؤيد ومعارض, وممارسات النظام السوري القمعية واستخدامه كل أصناف القمع ضد الشارع الثائر,
أما الإنقسام فيعود لأمرين أساسيين , هما المصلحة التي ربطت بعض الفئات مع النظام والتي ربطت مصيرها بمصيره مثل القادة الأمنيين وطائفة النظام وبعض قيادات الأقليات في سوريا وأتباعهم , والأمر الآخر هم الفارغين فكرياً والذين إنخدعوا بإعلام النظام وترويجه لكل ما يجري على أنه مؤامرة ضد سوريا , التي تمثل حسب إدعاءاته محور المقاومة والممانعة إضافة لأسباب إقتصادية وإجتماعية أخرى.
مجمل هذه الأسباب وغيرها الكثير من الأسباب الداخلية , جعلت الثورة تتأخر في تحقيق أهدافها , خاصة إذا ربطنا هذه الأسباب بعوامل إقليمية ودولية سنأتي على ذكرها لاحقاً فنكون قد شكلنا حلقة متكاملة للأسباب التي أدت لاستمرار الثورة السورية كل هذه السنوات دون أن تحقق هدفها الرئيس في إسقاط النظام وبناء سوريا الحديثة دولة المواطنة والقانون.
عذراً التعليقات مغلقة