*علي الأمين
الاستعداد لمعركة حلب مستمر والتحضيرات لم تتوقف من أجل إحداث تحول في الميدان لصالح روسيا وإيران. روسيا توجه أكثر من رسالة بأنها ستقوم بعمليات تدميرية في مناطق حلب الشرقية، وتمهد لذلك بما أعلنته من هُدَن، تحت عنوان فتح الطريق أمام خروج أكثر من مئتين وخمسين ألف مدني من هذه المناطق.
القيادة العسكرية الروسية أعلنت أنها استقدمت قوات برية إلى حلب في إشارة إلى أنها جادة في توجيه ضربة قاصمة لما تسميه “المجموعات الإرهابية” في المدينة. القيادة الإيرانية عززت ميليشياتها المذهبية في المدينة ومحيطها واستحضرت الآلاف من المقاتلين الإيرانيين والأفغان ومن العراق، فيما حزب الله ينشط منذ أيام في تنفيذ أكبر عملية حشد للمقاتلين من محازبيه وأنصاره في لبنان، استعدادا لما يسميه معركة فاصلة في ثاني أكبر المدن السورية.
النظام السوري يخضع بالكامل للشروط العسكرية التي تحددها روسيا في المعركة، فيما الميليشيات الإيرانية تعرضت لخسائر كبيرة خلال ما سمته المعارضة “ملحمة حلب الكبرى”، التي انطلقت قبل نحو أسبوعين ولما تزل مستمرة. ذلك أن حزب الله، وحده، أعلن بشكل مستتر ومموه عن سقوط 29 من مقاتليه خلال أسبوعين، فيما سقط العشرات من المقاتلين الإيرانيين.
أما العراقيون والباكستانيون فتبقى أرقام ضحاياهم غير معلنة وبالتالي غير معروفـة في سياق سيـاسة إيرانية متبعة تتفـادى إظهار الخسائر العراقية والأفغانية والباكستانية، فضلا عن البعض من المقاتلين السوريين الذين فضلوا الانضمام كمرتزقة إلى الميليشيات الإيرانية، على حساب الانضمام إلى الجيش السوري أو الميليشيات السورية الملحقة به.
تسعى روسيا مع القيادة الإيرانية إلى فرض وقائع جديدة في حلب، عنوانه السيطرة الكاملة على المدينة، وإنهاء أي وجود للمعارضة. واختيار التوقيت لإطلاق الحملة العسكرية الأكبر بالتزامن مع موعد الانتخابات الأميركية سببه دخول الإدارة الحالية في مرحلة انتقالية لأسابيع عدة منذ لحظة إعلان النتائج واسم المرشح الرئاسي الفائز.
لكن مصادر المعارضة السورية من داخل حلب قالت إنها لا تراهن على الدعم الأميركي، بل تعتبر أن السياسة الأميركية لما تزل على عهدها مع الثورة السورية، باستخدامها كفخ لروسيا ولإيران للمزيد من إغراقهما في الرمال السورية. لذلك لم تقم بأي ضغط فعلي يمنع التمادي الروسي والإيراني في تنفيذ عمليات إبادة ضد المدنيين. فمنع وصول السلاح للمعارضة كان قائما ولا يزال مستمرا من قبل الإدارة الأميركية، والتواطؤ الأميركي والدولي ضد المعارضة السورية لا يحتاج إلى الكثير من التدقيق، بل هو مستمر على المستوى السياسي والميداني والعسكري، ودائما بما يمنع تفوق المعارضة وانتصارها رغم أنها ثابتة وصامدة.
انطلاق معركة حلب أو “معركة كسر العظم”، كما سمتها المعارضة، يجري الاستعداد له إيرانيا عبر نقل أعداد من الحرس الثوري والميليشيات المذهبية بطائرات شحن وأخرى مدنية إلى مطار دمشق. وقد انتقلت فور وصولها إلى شمال سوريا استعداداً لانطلاق المعركة.
واستناداً للمرصد السوري ولمصادر المعارضة المسلحة في حلب فإنّه من المتوقع أن تبدأ المعارك الفعلية خلال ساعات أو أيام على أقصى تقدير. وتجمع المصادر على عدم تجاوب المدنيين مع الدعوات لإخراجهم من حلب الشرقية، علما أن النظام السوري والقيادة الروسية اتهما المعارضة بمنعهم من الخروج.
لكن الثابت في هذا السياق أن أبناء المدينة، بحسب ما تقول مصادر فصائل المعارضة المسلحة في المدينة، يتوفرون على روح معنوية عالية، يعززها اقتناع أبناء المدينة بأنهم يدافعون عن أرضهم في مواجهة جيوش احتلال وميليشيات مذهبية تهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي في المدينة وبقوة التهجير القسري وعبر إزالة أحياء سكنية من الوجود. وهم على اقتناع أيضا بأن ظروف المعركة التي جرى الاستعداد لها، ستؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة، لكن هذه الخسائر لن تقتصر هذه المرة على المحاصرين بل أيضا ستشمل القوات المهاجمة.
المعركة التي تحضّر لها قوى الممانعة بقيادة روسية في حلب، ويجري الاستعداد لإطلاقها، تترافق مع حملة سياسية وإعلامية ممتدة من الموصل العراقية إلى الرقة فحلب، وهي تجري وسط استباحة سياسية وعسكرية تقوم على قواعد مذهبية؛ إذ تشكل إيران قطب الرحى في المعركة العراقية، بعدما نجحت قيادة الحرس الثوري في تحويل معركة الموصل، الجارية بإشراف دولي وأميركي تحديداً، إلى فرصة لتعميق الشرخ المذهبي في العراق، لا سيما أن القوات الإيرانية تستقوي في مشروعها المذهبي بدعم أميركي صريح ومباشر، وتستقوي بالدعم الروسي في الحرب السورية.
في معركة حلب اليوم، الماكنة الإيرانية، وإن بدت في حال من التقدم، إلا أنها باتت إلى حدّ بعيد أداة أميركية حينا وروسية أحيانا أخرى، فيما الاستقطاب المذهبي هو وسيلتها لأن تثبت أقدامها في المنطقة العربية لكن بقوة ورعاية أميركية وروسية. معركة حلب قد تسمح بتقدم القوة الروسية والإيرانية، لكنها تفتقد القدرة على تحقيق الانتصار بالمعنى الاستراتيجي، رغم تراجع القوة الإقليمية الصديقة للثورة الروسية، وتواطؤ الدول الغربية عموما في تغطية العدوان الروسي والإيراني على حلب؛ إذ أن قوتي الاحتلال الإيراني والروسي، وإن تفوقتا على المستوى العسكري وفي القدرة التدميرية، إلا أن ذلك لم يوفر لهما الحاضنة الاجتماعية، بل تبدو الدولتان محكومتين بالقتال الدائم والمستمر، لا سيما أن الشعب السوري بقي على طول الخط متمسكا بحقه في مواجهة النظام الذي أصبح متهالكا وانتقل إلى خوض مواجهة وجودية مع قوى الاحتلال التي مهما حققت من انتصارات تبقى عاجزة عن حكم سوريا.
الشعب السوري، الذي تحاول قوات روسيا وإيران تغييبه عن المعركة بالقول إن حربهما هي مع السعودية أو قطر أو تركيا أو حتى تنظيم داعش، يبدو أنه المشكلة الأكبر التي تعيق انتصارهما. لذا فالخيار أمام قوات الاحتلال الروسي والإيراني هو تهجير أكبر قدر من السوريين إلى خارج البلاد، وتدمير المدن والبنى التحتية بما يحول دون عودة المهجرين واللاجئين… هي حرب لا يمكن أن تنتهي والاحتلال باقٍ.
Sorry Comments are closed