تعثرت معركة الموصل في انتظار شكل مشاركة تركيا الذي سيفرض مقابلاً مذهبياً لدخول إيران، على شكل حشد شعبي ومليشيات متنوعة، كما ستشكل تركيا معادلاً عرقياً وسياسياً للكرد المتوزعين قرب الموصل، لترسّخ نفسها أمام وجود كردي، اكتسب مقاتلوه تمرسّاً وتدريباً وخبرة مضافة في السنوات الأخيرة.
قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في خطابه يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إنه ينوي الذهاب عميقاً في الأراضي السورية حتى مدينة الباب الواقعة حالياً تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. وجاء هذا التصريح في ظل تعثر معركة الموصل، لاعتباراتٍ قد تكون مشتركة مع معركة الباب، وهي مشاركة الجانبين، التركي والكردي، في هذه المعركة. كانت القوات التركية قد صنعت رأس جسر لها داخل الأراضي العراقية في منطقة بعشيقة، وحوَّل التداخل التركي المباشر بين سورية والعراق خطط أردوغان من مجرد الدعم السياسي واللوجستي لحلفائه إلى الهجوم المباشر.
تعتبر الباب عاصمة الريف الشمالي لحلب، وهي آخر معقلٍ مهم لتنظيم الدولة الإسلامية في هذا الريف، وقد تجمَّع في الباب كل مقاتلي داعش المنسحبين من منبج ودابق، ويبدو التنظيم عازماً على الدفاع عن هذه المدينة، وليس في نيته الخروج منها بسرعة، لأنها أول خطوط دفاعاته عن الرقة، ويسبب فقدانها تهديداً لوجوده غرب النهر. ولـ “الباب” أيضاً أهمية كبرى لدى قوات الحماية الكردية، لأنها تقع على الطريق بين منبج وعفرين، ولا تخفي هذه القوات نياتها بالوصول إلى الطرف الكردي في أقصى الشمال الغربي لسورية، لكن خطاب أردوغان المذكور رفع سقف مطالباته إلى أقصى حدٍّ بجعل معركة منبج تالية لمعركة الباب، ما يعني رفضاً تاماً لأي وجود كردي في غرب النهر، وسبيلاً للحصول على منطقة الخمسة آلاف كيلومتر مربع، المحاذية للضفة الغربية لنهر الفرات والممتدة غرباً إلى أعزاز شاملة منبج والباب وتل رفعت. يمكن لمنطقةٍ من هذا النوع، لو تحقق لها الحياة، وهناك من يعتقد بأن ثمة اتفاقاً روسياً تركياً لتحقيق ذلك، أن تكون ملجأ انسانياً مهماً يسهل عمليات إدخال المساعدات والأغذية، قد يخفف من عبء اللاجئين المتدفقين إلى الجانب التركي، ومن ثم يخفف ضغط اللاجئين على أوروبا، ويمكن أن يتشكل فيها نواة لجيش معارض ذي طبيعة مدنية، بدون أي أجنداتٍ دينيةٍ أو مذهبية، تحت الرعاية التركية، وهذا ما يخشاه النظام، وقد يعمل على تقويضه، وربما يمكن تفسير رمايات جيش النظام على قوات التحالف التركي قبل أيام، وفقاً لذلك، فالنظام المشغول حتى أذنيه بمعركة حلب سيضع عينيه على منطقة الشمال مجدّداً، وقد كان مطمئناً لوجود قوات تنظيم الدولة فيها، وكان سيزداد اطمئناناً لو دخلتها قوات كردية، لكن وجود تحالف قوات معارضة معتدلة، تدعمها تركيا، جعل موقفه حرجاً حتى في حلب نفسها.
قد تكون معركة الباب مؤجلةً إلى ما بعد انتهاء معركة الموصل، فالاتفاق العراقي والتركي والكردي، والأميركي أيضاً، مطلوب بشدة لتنسيق عملية الموصل. وإذا قيّض لكل الأطراف الوصول إلى هذه النقطة، فإن خروج تنظيم الدولة سيصبح أكثر سهولة. ولكن، ما زال مثل هذا الاتفاق مستبعداً، بالإضافة إلى أن التنظيم لن يغادر الموصل، إلا بعد أن يتأكد أن طريق مواصلاته إلى سورية سيكون آمناً، أو متاحاً، الأمر الذي أكدت الخطة الأميركية أنه لن يمر. وعلى الرغم من أن العدو في المعركة، نظرياً، هو تنظيم الدولة فقط، لكن الوصول إلى كيفية التخلص منه يتطلب تنازلاتٍ مُرة، قد لا يقبل أحد من الأطراف بتقديمها. الوجود الكردي الكثيف قرب تجمعات حضرية عربية في الموصل ومنبج شمالي حلب، برَّره وجود تنظيم الدولة وإمكانات مواجهتها المتاحة، لكنه بدأ يُستغل لصالح أهداف إثنية ذات طابع تاريخي، تجد تركيا فيها تهديداً كبيراً. لذلك، يمكن أن تكون معركة الموصل اختباراً جدياً سيشكل “بروفا” مفيدة، قبل الشروع في معركة الباب.
* نقلاً عن: “العربي الجديد”
عذراً التعليقات مغلقة