تنبئ معركة استعادة مدينة الموصل بتحولات عدة، ليس لجهة كون جبهة المعركة مفتوحة الاحتمالات ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أو لجهة ذلك المجهول الذي ينتظر المدينة بعد طرد التنظيم منها، لكن لجهة ترسيمات تتعلق بإعادة توزيع أدوار مرتقبة يتوقع أن تحكم المشهد السياسي العراقي، في المرحلة القادمة، خاصة أن العراق مقبل على انتخابات محلية في العام القادم.
مرد هذه التوقعات تقارير وأحاديث عن وجود نوايا لتحويل التحالف العسكري، الذي يجمع تيارات شيعية مختلفة يضمها إطار الحشد الشعبي، إلى تكتل سياسي واحد في الانتخابات المحلية في 2017، والعامة في 2018.
وقد ألمحت هذه التقارير إلى إمكانية تسجيل عودة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، في ضوء مساعيه لتوسيع تحالف دولة القانون الحاكم، الذي يقوده، ليحتوي كبرى ميليشيات الحشد، بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، ليستفيد من إنجازاتها الميدانية في دعمه سياسيا، ولمنح تياره جناحا عسكريا قويا.
حالة طاغية
دفعت هذه التطورات الراهنة، بالتزامن مع تقدم معركة الموصل ضدّ تنظيم داعش، بمراكز أبحاث ودراسات عالمية، مؤخرا، إلى رصد المكونات الأساسية لقوات الحشد الشعبي في العراق، ومراقبة أدائها ودورها على الأرض، في ضوء بحث حول مدى إمكانية تحول العراق إلى دولة ميليشيات.
من بين هذه المؤسسات مركز التحليل والإحصاء في جامعة أكسفورد البريطانية، الذي أصدر، يوم 17 أكتوبر الجاري، تقريرا قدّر عدد المقاتلين الشيعة في الحرب الجارية في الموصل ضد تنظيم داعش، بحوالي 160 ألف مقاتل شيعي، ينتمون لأكثر من 65 ميليشيا، تنتمي بدورها لقوات الحشد الشعبي.
وحذر التقرير من تحول ذلك الحشد إلى حالة طاغية على حالة الدولة، حيث تنبأ بأن تسعى الحكومة وقيادات الميليشيات الشيعية، المدعومة من إيران، لإيجاد معارك لتقاتل فيها، حيث صراعها سيكون على النفوذ ومواقع الحكم في العراق، ولن تتوقف إلا بعد تحقيق مبتغاها، الأمر الذي ستذهب ضحيته مكونات العراق الأخرى، وخصوصا المكون السني.
تشارك قوات الحشد الشعبي، التي تأسست بعد انهيار القوات العراقية في يونيو 2014، بكافة فصائلها، في معركة استعادة الموصل، ضمن محور الجبهة الجنوبية والغربية للمدينة، بذريعة قطع الإمداد عن تنظيم داعش واستعادة المناطق الجنوبية والغربية للموصل، في مقدمتها قضاء تلعفر الذي تسكنه غالبية شيعية.
وكانت حكومة العبادي قد شهدت محاولة تقويض بعد إفراغها من وزارات السيادة، متمثلة بالداخلية والدفاع والمالية، عبر استجواب وزري الدفاع والداخلية من قبل البرلمان العراقي. وقد عكس هذا الاستجواب جانبا من عملية الصراع الدائرة في المشهد السياسي العراقي، والقائمة مع أجنحة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، والذي اتهمته عدّة تقارير بأنه يقف خلف تلك الإقالات في محاولات تمهد لإعادة التمترس في السلطة من أجل مهمة إعادة انتخابه وعودته على رأس الحكومة.
ويمتد تأثير المالكي في عملية صنع القرار سواء في السلطات التنفيذية والقضائية أو داخل البرلمان عبر كتلته ائتلاف دولة القانون، التي تضم أعضاء في حزب الدعوة، الذي يترأسه، والعديد من القيادات الأمنية التي تدين له بالولاء، ما يجعله قادرا على التأثير في المشهد السياسي المتأزم في العراق.
أدوار مستقبلية
يتعدى الصراع على السلطة بين رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وخليفته حيدر العبادي من مجرد تنافس شخصي إلى خلاف داخل الشارع الشيعي العراقي حول أهلية من هو قادر على ممارسة السلطة. إلا أن التأثير الأقوى للأول قائم على علاقته الوثيقة بطهران.
ويمتد التوتر إلى عمق المكون الشيعي الذي يقود الحكم في العراق، في صراعات سياسية داخلية، وذلك إثر الخلافات الحادة التي نشبت داخل التحالف الوطني (أكبر التكتلات الشيعية في البلاد)، لا سيما تلك التي عصفت بالعلاقات بين ائتلاف دولة القانون من جهة، وكتلة الأحرار (تابعة للتيار الصدري) والمجلس الأعلى الإسلامي (بزعامة عمار الحكيم) وحزب الفضيلة من جهة أخرى، بعد اتهامات للمالكي في ملفات فساد ومسؤوليته عن توسع نفوذ داعش إبان حكمه.
وكانت الأحزاب الشيعية الثلاثة الرئيسية (الدعوة بزعامة المالكي، المجلس الأعلى الإسلامي، التيار الصدري)، تفرض سيطرتها على حصة الشيعة من المناصب في الدولة، لكنها بدأت تشعر بالخطر من خسارة شعبيتها لصالح فصائل مسلحة شيعية جديدة (ميليشيات الحشد الشعبي).
وباستثناء زعيم ائتلاف دولة القانون، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الواثق من قدرته على تجيير الحشد لمصلحته السياسية، يتجنب الكثير من الساسة العراقيين الشيعة الحديث عن أي دور سياسي لفصائل الحشد الشعبي خوفا من الإسهام في زيادة شعبيتها. لكن، أيّا كانت أشكال الأدوار السياسية والعسكرية التي سيلعبها الحشد الشعبي، فإن من المؤكد أن العراق مقبل على الدخول في مرحلة “دولة الميليشيات”، التي ستشهد فيها البلاد استمرارا للعنف الداخلي وتداعياته الإقليمية والدولية.
* “العرب”
عذراً التعليقات مغلقة