على خطى إسرائيل.. سياسة التهجير في سورية

خديجة جعفر25 أكتوبر 2016آخر تحديث :
على خطى إسرائيل.. سياسة التهجير في سورية

خديجة جعفر

  • خديجة جعفر

حكت لنا كتب التاريخ، أنّ إسرائيل لم تقم بين ليلة وضحاها. فلم تكن لحظة إعلان الدولة في عام 1945 لحظة مفاجئة. بل سبقها وتلاها عملية مستمرة من التهجير والإحلال والاستيطان. فهناك المئات من البلدات والقرى الفلسطينية قد هجّر أهلها، قسرًا أو كَرهًا بعد إرهابهم قليلاً أو كثيرًا، في سنوات ما قبل إعلان الكيان الإسرائيلي الغاصب.

كنّا، ولا نزال، نتعامل مع سياسة التهجير القسري أنّها من سياسات العدوّ المحتلّ الغاصب، وأنّ استمرار هذا الكيان في الوجود لم ولن يعطيه شرعية الوجود.

ولكن لم يدر بخلدنا أنّنا قد نشاهد عملية تهجير وإحلال مماثلة تجري على مرآنا ومسمعنا في هذه الأيام والشهور، ونتناقل أخبارها كأخبار ليست ذات أولوية في أدنى تقدير. نعم، عملية تهجير وإحلال تجري في حضورنا وشهودنا في عام 2016، وليست عملية نسمع عنها في كتب التاريخ جرت في ثلاثينيات القرن الماضي.

ولكن يبدو أنّ الذاكرة أيسر علينا من الشهود! إذ تعطينا الذاكرة معاني مثل الانتماء، وحمل القضية دون أن تترتب أي مسؤوليات تُذكر، في حين يحمّلنا الشهود عبء المسؤولية، ولو كانت مسؤولية صغيرة مثل مسؤولية الكلمة.

في شهر واحد فقط، وهو شهر أكتوبر الذي لم ينته بعد، هُجّر من تبقّى من أهالي ومقاتلين ثلاث بلدات سورية، كلها واقعة في الغوطة الغربية. وهذه البلدات هي “معضمية الشام” و”قدسيا” و”الهامة.”

شهد أكتوبر إذًا وتيرة سريعة لتهجير السوريين السنّة الثائرين، بعد أن نجح التهجير في داريّا، أهمّ مدينة في الغوطة الغربية، وأخليت من أهلها في 27 أغسطس 2016.  داريّا، التي يلقبها السوريون بأيقونة الثورة السورية، والتي كان يقطنها 250 ألف نسمة قبيل الثورة، باتت خالية من أهلها، ومن عمرانها، لتصبح الحياة فيها ذكريات مضت. ذهب الدارانيون، ودخل الأسد وحاشيته ليصلوا عيد الفطر في داريّا  احتفالاً بانتصارهم المشؤوم.

أمّا قدسيّا والهامة، فهما بلدتان قريبتان جدًّا من دمشق. وقد قرر الأسد أن “يطهّر” محيط دمشق ممّا يحيط بها من ثائرين.  فأطلق عملية عسكرية مباغتة في 27 سبتمبر، نجح على إثرها أن يحضر ممثّلين عن المدينة إلى طاولة المفاوضات، ليجبرهم على “تسوية” أوضاعهم. فإمّا الحصار والإهلاك جوعًا، وإمّا خروج المقاتلين والثوار عبر الحافلات الخضراء إلى الشمال السوري. فكانت الأخيرة، ووصل إلى المدينتين اثنان وعشرون حافلة خضراء في 13 أكتوبر الماضي لتنقل ألفي عائلة، بعد أن سلّم الثوار سلاحهم الثقيل والمتوسط إلى ممثلين عن نظام الأسد.

نجح التهجير في داريا وقدسيا والهامة. وجاء الدور أخيرًا على معضمية الشام، التي تبعد عن داريّا بضعة كيلومترات فقط. وعقُدت تسوية شبيهة بتسوية قدسيا والهامَة. ووصلت الحافلات الخضراء إلى المعضمية، يوم الأربعاء الماضي 19 أكتوبر لتنقل ثلاثة آلاف مقاتل وأسرهم إلى الشمال السوري مرة أخرى.

لم يبق بالقرب من داريّا تحت سيطرة الثوّار سوى حي الحجر الأسود، الذي قد يلقى مصيرًا مشابهًا لمصير المدن المهجّرة القريبة منه. وباتت الغوطة الغربية الآن خالية من سكانّها. باتت أرضًا خرابًا تنتظر الساكنين الجدد، الذين لا نعرفهم بعد، ليقيموا حياة جديدة غاصبة وظالمة على أنقاض بيوت المهجّرين والمخرجين من ديارهم بالقسر والإكراه.

* نقلاً عن: موقع مصر العربية

التعليقات تعليق واحد

عذراً التعليقات مغلقة

  • عبد الله محمد
    عبد الله محمد 27 أكتوبر 2016 - 2:26

    هذا حذرنا منه منذ أول يوم,وقلنا أنه اذا لم تتخذ الاجراءات الضرورية لمنع هذا المخطط فان سورية ستصبح فلسطين أخرى,وقد استهان كثيرون بهذا التوقع,وأنه مستحيل في سورية,مع أن الأسد بشرنا به عندما قال أن سورية لمن يدافع عن الأسد وليس لمن يحمل هويتها,وطبعا كان هذا الكلام موجه للفاعلين المسلحين على الأرض والمعارضة السياسية, والغرض من هذا الكلام اعطاء رسالة لهم (أي للجهتين)أن الأمر في غاية الخطورة,ولا يحتمل أي خلافات أو حتى وجهات نظر عديدة,ولكن ما من يسمع ولا من يرى.هذا ما آل اليه الحال الآن,والغوطة الشرقية آت دورها لا محال اذا ظل فيلق الرحمن وجيش الاسلام يقتلان بعضهما البعض ,وأظن أن لا حياة لمن تنادي,مما يدفعنا دفعا أن نظن (وهنا ان بعض الظن مسموح به)أن أيد النظام واصلة الى عمق أحد هذين الفصيلين.

عاجل