سوريا والخيارات الصعبة

فريق التحرير25 أكتوبر 2016آخر تحديث :
سوريا والخيارات الصعبة

feras.allawi فراس علاوي

* فراس علاوي
لعل قدر الشعب السوري أن يعيش ثورة تختلف عن جميع التغييرات السياسية في التاريخ، ليست ثورة لتغيير الواقع السياسي والاجتماعي في سوريا فقط، إنما قد تكون بداية لتحقيق تغيير جوهري في السياسة الدولية، ومنعطفاً كبيراً للأحداث في المنطقة.

الخيارات التي فرضتها الوقائع على الأرض في ظل صراع دولي وإقليمي واضح على الأرض السورية. هذا الصراع الذي حمل أجندات مختلفة حسب اللاعبين على الأرض جعل من مآلات الصراع غير واضحة ورؤية النهاية تكاد تكون معدومة في نهاية الأفق المظلم الذي دخلته الثورة.
الثورة السورية تحولت إلى حربٍ مفتوحةٍ تناوب عليها لاعبون محليون كحرب بالوكالة حيث دعمت القوى المتصارعة فصائل مختلفة على الأرض سياسياً وعسكرياً. وحرباً مباشرةً تمثلت بدخول القوى المتصارعة بشكل فعلي ومباشر على الأرض كالتدخل الروسي والإيراني والتركي على الأرض السورية والذي حول السوريين إلى مجرد شهود على ما يجري على أرضهم من أحداث.
الأجندات المختلفة واختلاف المصالح هو من أهم الأسباب التي أدت إلى تأجيل الحسم سواء كان عسكرياً أو كما تدعي القوى العظمى سياسياً.
حيث ترى هذه القوى التي تدخلت في سوريا لضمان مصالحها أن الحل العسكري قد يغير كثيراً من الأمور على الأرض وبالتالي لا يحقق ما تريده هذه الدول.
وهذا الاختلاف في الرؤى خلق بيئة صالحة لظهور جماعات متطرفة استغلت الوضع الهش والحاضنة الاجتماعية التي بدأت ترى أن الجميع تخلى عنها وتركها تواجه مصيرها مع نظام غاشم استخدم القوة المفرطة في مواجهة شعبه المنادي والمتطلع للحرية.
ضمن سياق هذا التدخل وصراع المصالح وتعقيد الحلول على الأرض دخلت سوريا في متاهات كبرى نستطيع تمييز ثلاث مآلات للحل فيها وذلك حسب مجريات الأمور على الأرض، وهذه المآلات هي:
أولاً: في حال حدوث تغيير حقيقي على الأرض وانتصار القوى المؤيدة للثورة ولتطلعات الشعب السوري، خاصة قواه السياسية الحقيقية المؤيدة للثورة وقواه العسكرية ممثلة بالجيش الحر، والذي يتكون بغالبيته من أبناء سوريا الذين تركوا النظام وانحازوا لقوى الثورة ومعه القوى المعتدلة، حيث أن انتصار هذه القوى هو الذي يضمن بقاء سوريا موحدة ومتجانسة بسبب الرؤية الثورية الواضحة التي تحملها الثورة ومكوناتها الأساسية التي تعتمد على سوريا الموحدة الديموقراطية دولة القانون والمؤسسات.

ثانياً: انتصار النظام والقوى المتحالفة معه، والتي بمجملها قوى طائفية على شكل مليشيات لا تحمل أي فكر أو إستراتيجية بما يخص الحالة السورية، وإنما قدمت لأسباب طائفية بحتة وتحت ذرائع وحجج طائفية كالدفاع عن المقدسات، هذه القوى بما فيها النظام وداعموه الروس والإيرانيون لا يحملون مشروعاً حقيقياً لسوريا الجديدة، بل إن انتصار مشروعهم يعني تقسيم سوريا إلى دويلات ومناطق نفوذ، لأن انتصارهم لن يكون حاسماً ونهائياً، وذلك بسبب بقاء القوى المناهضة لهم موجودة على الأرض وبذلك فإن أي تقدم أو انتصار سيكون جزئياً وسيفضي إلى تقسيم سوريا.

ثالثاً: البقاء على حالة لا نصر ولا هزيمة وبقاء الحل العسكري والسياسي يراوح مكانه.
يفتح هذا المآل الباب لبقاء القوى الموجودة على الأرض خاصة المتطرفة منها، في السيطرة على مناطق واسعة في البلاد من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، وبالتالي فرض أجندتها التي تريد؛ من خلال تقسيم الأرض ومشاريع فدرالية وإقامة دويلات وإمارات تفتت ماتبقى من سوريا المنهارة أصلاً بفعل الحرب الدائرة على أرضها.

الخيار الأخير يسمح لجميع القوى الموجودة على الأرض بالبقاء بل والبحث عن تحقيق مكاسب جديدة، وكذلك يسمح للتدخل الخارجي بالتغلغل أكثر فأكثر.

بقاء الأمر كما هو عليه الآن هو فاتورة يدفعها الشعب السوري من دماء أبنائه موتاً وتشويهاً وإعاقات.
فأيامه هي من دم جيلٍ كاملٍ خسر كل شيء، خسر حقه في التعليم وحقه في الأمان، حقه في أن يحيا طفولة سوية كغيره من أطفال العالم، خسر فيه شبابُه مستقبلهم ودراستهم الأكاديمية، كذلك خسر حقه في بناء مجتمع إنساني حضاري في حرب فرضت عليه فرضاً، استبدل فيها مقعد الجامعة بكتف البندقية، والوردة الجورية التي تهديها له حبيبته بقنبلة يدوية.
سوريا القادمة هي كالسراب الذي يراه عطشُ الصحراء يراه قريباً وبارداً فيما هو بعيد بعيد. إن لم يعمل الجميع من أجل الخلاص فالقادم أخطر في ظل نظامٍ متعنّتٍ قاتلٍ دمّر سوريا بشراً وحجراً. حتى تحولت إلى دولة فاشلة إقتصادياً وبنى تحتية وكوادر وكفاءات.

هذه المستقبل المظلم ينتظر سوريا ما لم يعمل الجميع على الخروج من هذا النفق، وهذه المسؤولية يتقاسمها الجميع دولاً وحكومات دول جوار وقوى عظمى.
لكن المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على عاتق أهلها المنقسمين على أنفسهم، فعلى الجميع وضع كل إنتماءاتهم وإثنياتهم وتحالفاتهم جانباً والنظر إلى سوريا كبلد واحد غير مقسم ولامجزأ؛ سوريا الدولة الحديثة الديموقراطية التي يحكمها القانون إذ لا سلطة فوقه، سوريا لأبنائها الذين يحرصون عليها كما يحرصون على عودتها لألقها الذي حطمه الفساد وأطفأ نوره الإستبداد.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل