عندما يحكم البلاد مجنونها

عمر إدلبي25 أكتوبر 2016آخر تحديث :
عندما يحكم البلاد مجنونها

عمر إدلبي - OMAR EDLBI

  • عمر إدلبي

لم تغفل عين أمن نظام الأسد يوماً عن نخب المجتمع السوري، ولم تنم أجهزة قمعه طيلة خمسين عاماً تاركة لحلم واحد أن يتسلل خلسة إلى أفئدة السوريين، وخاصة مثقفيه، مسجلة أرقاماً غير مسبوقة في سجل قمع البشر، وما أعلنته نقابة الفنانين في سوريا قبل أيام عن إحالة عدد من فناني سوريا الأحرار إلى مجلس تأديب يأتي تأكيداً على أن أجهزة الأمن، الحارس الأمين لنظام البراميل المتفجرة، لديها كل الوقت لمتابعة نشاطها القمعي رغم أن البلاد بطولها وعرضها صارت هشيماً تذروه رياح الموت بكل ما يخطر على بال المتشائمين من البشر من أسلحة فتك وتدمير.

وربما يتساءل البعض عن سبب توفر الهمة العالية عند رجال أمن الأسد، وتابعيهم من الشبيحة في قيادات نقابات النظام المختلفة، وتحركهم لمحاكمة زملاء لهم رفضوا قتل النظام لشعبهم، وقاوموه بالكلمة والموقف، في حين تتغاضى أعين هؤلاء ويغيب عن تقاريرهم الأمنية أي ذكر لانتشار الجرائم المشينة والفساد والمحسوبيات في آليات عمل هذه النقابات والمؤسسات المحسوبة زوراً وبهتاناً على الدولة؟

والسؤال كان ليبدو منطقياً لو لم تكن أحداث أمنية تثير الاشمئزاز تنتشر بقوة وثبات في مناطق البلاد التي يسيطر عليها النظام، تحت أنظار ومسامع الأجهزة المختصة وبرعايتها أيضاً ومن تنفيذها كذلك، تنشر الهلع في صفوف الشعب المنكوب، فلا يتحرك ساكن من هؤلاء لردع عصابات الجريمة المنظمة التي تخطف المدنيين، وتطلب الفدية لإطلاق سراحهم، وتبيع المخدرات، وتعفّش وتنهب ممتلكات الناس، وتبيعها لهم مجدداً، حتى بات ما يعرف بـ “سوق السُنّة” ظاهرة موجودة في معظم المناطق التي تسيطر عليها عصابات نظام الأسد، وبلا حساب ولا حتى سؤال من أي مسؤول من أي مستوى كان!!

 القرار الأخير الذي صدر عن نقابة فناني نظام الأسد، سبقه بأيام قرار عن نقابة المهندسين بحمص بإحالة ناشط سياسي معارض وزوجته، إلى مجلس تأديب، وهذين القرارين ليسا جديدين من نوعهما، فقد سبق لنقابة المحامين في حمص ونقابات أخرى أن أحالت ناشطين معارضين لنظام الأسد الكيماوي إلى مجالس تأديب واتخذت بعض النقابات قرارات بفصل أعضاء فيها لنفس السبب، وهي خطوات تنسجم مع قرارات سابقة أصدرتها محكمة الإرهاب صادرت فيها أملاك وأموال ناشطين وثوار سوريين، ومنهم كاتب هذا المقال، إضافة إلى الحكم عليهم بأحكام مشددة وصلت إلى الإعدام.

ومن الطبيعي أن ينظر الثوار المستهدفين بأحكام “قرقوش” هذه إليها على أنها أوسمة شرف، إلا أن ما هو غير طبيعي أن لا تثير هذه الأحكام أي تساؤلات لدى مؤيدي نظام التهجير والتدمير عن غياب “عدالة” الأسد عن شبيحته الذين لا يتورعون عن الإجرام حتى بحق هؤلاء المؤيدين أنفسهم، ويمارسون بقوة السلاح والحصانة الكلية أبشع الجرائم، وعلى عينك يا تاجر، كما يقول المثل الشعبي!

وكي تبدو الصورة أوضح، نذكر بأن الأسد لم يحترم شعبه أبداً، ولطالما تعامل مع السوريين كما لو أنه “أستاذ مدرسة” وهم تلاميذ جهلة يفترض به شرح كل كلمة في خطابه لهم، وتأديبهم أيضاً، ولا يوفر الأسد في ذلك مؤيديه، فهو أيضاً لم يحترم مؤيديه يوماً، وتعامل معهم ومع تضحياتهم في سبيل بقائه على عرش البلاد وخرابها، بكل استخفاف، وأظهر الاستهانة بتضحياتهم في كل مناسبة كان من المفترض أن يتعامل معهم فيها باحترام.

ولا تغيب عن الذاكرة قصص عن الاستخفاف بمؤيديه، ومنها حادثة تكريم عائلات قتلى قواته العسكرية والأمنية بطريقة فيها إهانة وقحة، يوم قدم لكل عائلة قتيل صورة تذكارية لبشار الأسد أثناء حفل تكريم أولادهم الذين قتلوا دفاعاً عن نظامه، وفي مرة أخرى عندما قدم لعائلة كل قتيل ساعة جدارية، ومرة أخرى أيضاً يوم قدم هدية مذهلة لعائلات قتلاه، تتمثل في قسيمة ركوب مجانية في وسائط النقل العامة، أما الحادثة الأشهر في هذا السياق المهين فتتجلى في قيام وزير الزراعة ومحافظ السويداء في نظام بشار بتكريم ذوي القتلى من جنود الأسد وعناصر أمنه بإعطائهم رأس ماعز تعويضاً لهم عن كل قتيل!

أما لماذا يقتل الأسد شعبه ويهجره ويدمر مقدرات بلده، ولماذا يحاكم نظام الأسد نخب شعبه من مثقفين وفنانين ورجال رأي وسياسة ويعاقبهم بأشد العقوبات على مجاهرتهم بمواقف وآراء ترفض استبداده وجرائمه؟ فالسؤال يجيب عنه بشار الأسد بنفسه، فالأسد قال ذات مرة في لقاء مع قناة “إيه.بي.سي نيوز” الأمريكية “لا توجد حكومة في العالم تقتل شعبها إلا إذا كان يقودها شخص مجنون.”

  • مدونات الجزيرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل