
خاص – حرية برس:
في مثل هذا اليوم من أيلول/سبتمبر 2014، استيقظت قريتا تل خليل والحاجية في ريف الحسكة على واحدة من أبشع الجرائم التي استهدفت المدنيين، والتي ارتكبتها “وحدات حماية الشعب” (YPG) راح ضحيتها نساء وأطفال ورجال عُزّل.
وبعد مرور سنوات، لا تزال جراح الضحايا مفتوحة، ليس فقط بسبب فداحة الخسارة، ولكن بسبب جدار الصمت وسياسة الإنكار الممنهجة التي تلت المجزرة. إن غياب المحاسبة والعدالة يحوّل هذه المأساة إلى جريمة مستمرة، حيث يواجه أهالي الضحايا محاولات لطمس الحقيقة وتزييفها.
ويستعرض هذا التقرير وقائع تلك الليلة الدامية، ويوثق شهادات الناجين، ويسلط الضوء على السياق الذي أحاط بالمجزرة، ليكشف كيف أن سياسة الإفلات من العقاب لا تقل خطورة عن الجريمة الأصلية.
الجزء الأول: السياق الزماني والمكاني للحادثة
1.1. الوضع الجغرافي والإداري لقرية تل خليل
تُعدّ محافظة الحسكة خليطاً من المكونات السكانية، حيث يبلغ عدد السكان العرب حوالي 0.7 مليون نسمة، بينما يبلغ عدد السكان الأكراد حوالي 0.5 مليون نسمة من إجمالي عدد السكان البالغ 1.45 مليون نسمة، وذلك وفقًا لتقديرات عدد السكان للأمم المتحدة ودراسات محلية حول التوزع الإثني في المحافظة. تقع القرى الثلاث، الحاجية وتل خليل ومزرعة الحميدية، جنوب مدينة القامشلي بحوالي 20 كيلومترًا، في منتصف الطريق بين القامشلي وناحية تل حميس، وتتبع ناحية تل حميس. وتشير المصادر إلى أن سكان تل خليل الذين استُهدفوا كانوا مدنيين يعملون بالزراعة او موظفين ولا ينتمون لأي تنظيمات عسكرية أو فصائل مسلحة أو حتى سياسية.
تكتسب هذه المعلومة أهمية خاصة عند النظر إلى الحجم السكاني للقرى، الذي بلغ 434 نسمة في عام 2004. إن خسارة 35 تقارب 8% من إجمالي سكانها وهي تمثل نسبة كبيرة جداً من إجمالي عدد السكان، مما يؤكد فداحة الحدث ويضعه في مصاف الكوارث الإنسانية المحلية. إن فهم هذا السياق الديموغرافي يلقي الضوء على التأثير المدمر للحادثة على النسيج الاجتماعي للقرية.
1.2. المشهد العسكري والسياسي في محافظة الحسكة (2013-2014)
شهدت محافظة الحسكة في عام 2013 صراعاً معقداً بين قوى متعددة، بما في ذلك قوات النظام السوري، والمجموعات المسلحة التابعة للمعارضة، وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، بالإضافة إلى “وحدات حماية الشعب” (YPG) التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD كانت وحدات حماية الشعب قد بدأت في تعزيز نفوذها في المنطقة منذ عام 2012، وتمكنت بحلول عام 2013 من السيطرة على حقول النفط وبعض البلدات الحدودية الرئيسية مثل رأس العين.
في أواخر عام 2013 وعام 2014، تصاعدت حدة الاشتباكات بين الـ YPG وتنظيم داعش بشكل كبير، خاصة في ريف القامشلي وريف الحسكة الشرقي. يضع هذا السياق العسكري المتوتر المجزرة المزعومة في إطارها الصحيح. إن وقوع حادثة كهذه لم يكن حدثاً فردياً، بل كان جزءاً من نمط متكرر من الانتهاكات التي وقعت خلال تلك الفترة من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك الـYPG هذا النمط من العنف العشوائي يعكس بيئة صراع تتلاشى فيها القوانين الإنسانية الدولية، وتُستخدم القوة المفرطة ضد المدنيين لتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية.
تجدر الإشارة إلى أن المجزرة وقعت في أيلول 2014، أي قبل عام تقريبًا من تأسيس “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في تشرين الأول 2015. خلال هذه الفترة، كانت الإدارة الذاتية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) تسيطر على مناطق واسعة من محافظة الحسكة، وكانت تخوض صراعًا مباشرًا مع تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
الجزء الثاني: وقائع الحادثة والاتهامات
2.1. الجهة المنفذة للمجزرة “وحدات حماية الشعب” (YPG):
هناك إجماع تثبته روايات الشهود أن “وحدات حماية الشعب” (YPG) التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) هي المسؤولة عن المجزرة تصف هذه المصادر الحادثة بأنها “مجزرة” راح ضحيتها عدد كبير من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، في قريتي تل خليل والحاجية في ريف الحسكة. وتذهب بعض الروايات إلى أن بعض الضحايا تم إعدامهم ميدانياً.
تضيف مصادر أخرى تفاصيل حول شمول الهجوم لقرى إضافية. فالهيئة السياسية العامة لمحافظة الحسكة تشير إلى أن المجزرة شملت أيضاً مزرعة “الحميدية”، بينما يضيف الائتلاف الوطني السوري قرية “شرموخ” إلى قائمة القرى المتضررة. هذه المعلومات تشير إلى أن الحدث لم يكن محصوراً في قرية واحدة، بل كان جزءاً من عملية عسكرية واسعة النطاق في المنطقة.
2.2. المفاوضات ومحاولات التعويض
دخلت قوات PYD في مفاوضات مع أهالي الضحايا، ممثلة بوجهاء من عشيرة بني سبعة، بهدف تقديم تعويضات مالية لهم مقابل اتهام تنظيم داعش بارتكاب المجزرة بدلاً من الـ YPG. لم تصل هذه المفاوضات إلى نتائج حاسمة. وبعد سقوط النظام، واصلت شخصيات من الإدارة الذاتية محاولات التواصل مع الأهالي لنفس الغرض، ولكن لا تتوفر معلومات عن نتائج هذه المساعي.
2.3. الموقف الرسمي للإدارة الذاتية
في أول اجتماع لحكومة الإدارة الذاتية، وقفت دقيقة صمت على أرواح الضحايا الذين قُتلوا على يد تنظيم داعش، وفقًا لرواية الإدارة الذاتية.
2.4. وقائع الحادثة بالتفصيل: تسلسل زمني للوقائع
تؤكد عائلات الضحايا والشهود على الحادثة أنهم لا يزالون موجودين، لكن الخوف يمنع الكثيرين من الحديث علانية، حيث يتم اعتقال الأشخاص على قضايا أبسط بكثير في المنطقة. ووفقًا لشهادات بعض الناجين، فإن النقاشات التي كانت تتم بين عناصر القوى المهاجمة ربطت العملية بأحداث سنجار التي ارتكبها تنظيم داعش. ونُقل عن أحد المقاتلين قوله لزميله: “ألا تذكر ما فعلوا في سنجار؟”، وذلك لتحميل المدنيين ذنب أفعال تنظيم داعش. ويذكر بعض الشهود أن المقاتلين كانوا من الجنسين، وأن إحدى المقاتلات قامت بإنقاذ أحد الناجين من الإعدام بعد أن طلبت من زميلها عدم قتله، واستجاب لطلبها بعد نقاش حاد بينهما.
وفقًا لتسلسل زمني للأحداث وشهادات ناجين، بدأت المجزرة في 13 أيلول 2014 وشملت قرى الحاجية، ومزرعة الحميدية (التي تقع في موقع المجزرة الرئيسي ويُشار إليها أيضاً بموقع الشهداء)، وتل خليل. تمت العملية بشكل متزامن في القرى الثلاث، ولم يتم سؤال أي من الضحايا عن أسمائهم قبل إطلاق النار. وفي بعض الحالات، طُلب من بعض المدنيين الجثو استعداداً للإعدام، إلا أن المقاتلين غيروا رأيهم في اللحظة الأخيرة.

● الساعة 20:45: بدأ إطلاق نار كثيف من قرية خراب العسكر، التي كانت تتمركز فيها ميليشيات وحدات حماية الشعب، باتجاه قرية الحاجية الواقعة على بعد 2 كم شرقًا.

● الساعة 21:15: توقف إطلاق النار، وعاد الهدوء إلى المشهد.
● الساعة 21:30: دخلت ثلاث مجموعات مسلحة من حزب العمال الكردستاني بشكل متزامن إلى القرى الثلاث: الحاجية، ومزرعة الحميدية، وتل خليل.
● الساعة 21:35: بدأ إطلاق الرصاص في قرية الحاجية. قُتل عاكوب الظاهر برصاصات في ظهره، بينما أصيبت بنات عمه. قُتل الطفل علي عبد العزيز الظاهر (سنتان) بقنبلة، وقُتل عمه أحمد الظاهر الذي كان يجهز لعرسه.

● الساعة 21:40: في مزرعة الحميدية “الحميدية”، اقتادت الميليشيا 13 مدنياً من عائلة واحدة، وقتلتهم في مجرى نهر صغير. لم تُكتشف جثثهم إلا بعد ثلاثة أيام. من بين الضحايا: علي أحمد العباس (52 سنة)، وحسام علي أحمد العباس (17 سنة)، ومشعل العباس (70 عاماً)، بالإضافة إلى آخرين.

● الساعة 21:45: في قرية تل خليل، أعدم مسلحون من وحدات حماية الشعب السيد أحمد الظاهر أمام زوجته، رغم كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة.

● الساعة 21:50: في قرية الحاجية، قُتل كل أفراد عائلة أحمد الياسين (الزوجة و6 أطفال) باستثناء الأب وطفلتين. حاول الأب حماية أولاده بإلقاء نفسه على قنبلة، لكن المسلحين قتلوا بقية أفراد العائلة الذين حاولوا الهرب.
● الساعة 21:55: تم إعدام المسن حمزة العلاوي وزوجته ترفة الحاصود في منزلهما بقرية الحاجية.

● الساعة 22:10: وصل واصف الجاسم إلى مكان المجزرة ليُطلق عليه النار ويُقتل بجانب أخيه محمود الجاسم الذي سبقه إلى نفس المصير بعشر دقائق.
● الساعة 22:30: جُمع سكان قرية الحاجية في منزل واحد، ومنع الجرحى من الإسعاف، مما أدى إلى وفاة بعضهم نتيجة النزيف.
● الساعة 23:00: في تل خليل، قامت أم هلال الجاسم بوضع ابنها الثالث، حسن، بين جثتي أخويه محمود وواصف لتغطيتهم وإخفائهم. وفي نفس الوقت، اتصل ياسر الظاهر من الإمارات ليطمئن على عائلته، فأخبره عمه أن الكثيرين قد ذُبحوا.
● الساعة 04:00 فجراً (14 أيلول): فارق نايف المنسي الحياة بعد نزيف دام ساعات، بعد أن رفض المسلحون السماح بإسعافه.
● الساعة 06:00 صباحاً (14 أيلول): توجه مجموعة من أقارب الضحايا إلى نقطة للجيش السوري، وقام العقيد سامي صهيوني بالتفاوض مع حاجز حزب العمال الكردستاني للسماح للأهالي بجلب الجثث، وقد سمح لأربعة أشخاص بذلك.
● لم تقم القوات باعتقال أي شخص من القرية وبعد اقل من ثلاث أيام تركت القرى الثلاث واخلتها وانسحبت الى مواقعها في القرى المحيطة غالباً للتملص من المسؤولية ودعم روايتها ان داعش ارتكبت المجزرة
قائمة بأسماء الضحايا حسب القرية والعائلة:
قرية الحاجية
العائلة | الاسم | التفاصيل |
الظاهر | عاكوب الظاهر | – |
الظاهر | علي عبد العزيز الظاهر | طفل يبلغ من العمر سنتين |
الظاهر | أحمد الظاهر | – |
الياسين | وضحة هبل الياسين | الزوجة |
الياسين | مروة احمد الياسين | طفلة |
الياسين | سمر احمد الياسين | طفلة |
الياسين | ريم احمد الياسين | طفلة |
الياسين | محمد احمد الياسين | طفل |
الياسين | عبدالله احمد الياسين | طفل |
الياسين | عمر احمد الياسين | طفل |
العلاوي | حمزة العلاوي | مسن فوق الـ 60 عامًا |
العلاوي | ترفة الحاصود | زوجة حمزة العلاوي |

مزرعة الحميدية
العائلة | الاسم | التفاصيل |
العباس | علي أحمد العباس | 52 سنة |
العباس | حسام علي أحمد العباس | 17 سنة |
العباس | مشعل العباس | 70 عام |
العباس | نايف مشعل العباس | 34 عام |
العباس | أحمد مشعل العباس | – |
العباس | محمد مشعل العباس | 15 عام |
العباس | ثامر صلاح مشعل العباس | طالب جامعة، مواليد 1991 |
العباس | علي صلاح مشعل العباس | طالب بكالوريا، مواليد 1997 |
العباس | عدنان صلاح مشعل العباس | مواليد 1993 |
العباس | خيري العباس | 63 سنة |
العباس | سليمان خيري العباس | مواليد 1980 |
العباس | خضر خيري العباس | مواليد 1989 |
العباس | بسام خيري العباس | مواليد 1987 |

قرية تل خليل
العائلة | الاسم | التفاصيل |
رجب العابد | عبدالحكيم رجب العابد | 45 عام، مدرس، أُعدم في ساحة القرية |
رجب العابد | محمد رجب العابد | 31 عام، مدرس وشاعر، أُعدم في ساحة القرية |
هلال الجاسم | واصف هلال الجاسم | 29 عام، عامل، أُعدم في ساحة القرية |
هلال الجاسم | محمود هلال الجاسم | 27 عام، طالب جامعي، أُعدم في ساحة القرية |
الظاهر | أحمد صفوك الظاهر | 32 عام، من ذوي الاحتياجات الخاصة |
العاكوب | علي العاكوب | 31 عام، عامل، أُعدم في ساحة القرية |
المنسي | نايف المنسي الحفيرة | 63 عام، عامل زراعي |