
فتاة سحلول – حرية برس
شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، أوحى بأن المنطقة تتجه إلى مواجهة شاملة صواريخٌ تُطلق، وطائراتٌ تنفّذ ضربات نوعية، وتصريحاتٌ نارية تتوالى من الجانبين، حتى بدت الحرب أمرًا واقعًا لا مفر منه إلا أن ما حدث رغم خطورته بقي في إطار مواجهات محدودة ومحسوبة، سرعان ما تراجعت وتيرتها، لتترك خلفها تساؤلات حول أسباب التصعيد وحدود ما جرى، وإن كان فعلاً بداية لحرب مفتوحة أم مجرد جولة جديدة من “حرب الظل” المعتادة.
حين كادت الحرب أن تندلع
اخترقت الطائرات الإسرائيلية عمق الأراضي الإيرانية، منفّذةً سلسلة من الضربات الجوية الدقيقة، طالت منشآت حيوية في طهران، من مستودعات نفطية إلى مبنى التلفزيون الرسمي وردّت طهران بإطلاق صواريخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية، في تصعيد عسكري غير مألوف بين الطرفين ولأول مرة منذ سنوات، بدا أن الصراع خرج عن إطار الاستهدافات غير المباشرة، ليتحول إلى مواجهة مكشوفة تُهدد بانفجار إقليمي واسع واستمر هذا التصعيد المتبادل لنحو 12 يومًا، وفق تقديرات أمنية وإعلامية، قبل أن تبدأ حدته بالانخفاض تدريجيًا.
أزمة مزدوجة: التصعيد والنفي
ما ميّز هذه الجولة من التوتر، كان التناقض في الرسائل الإيرانية. فبين تهديدات مباشرة على لسان وزير الخارجية الإيراني بـ”رد غير متوقع”، وتصريحات علمية أكثر تحفظًا من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، ساد جو من الالتباس حول نوايا طهران الحقيقية. وبحسب المراقبين هذا التباين يعود إلى انقسام داخلي واضح بين تيارين داخل السلطة الإيرانية: الأول يقوده الحرس الثوري ويدفع نحو التصعيد العسكري، والثاني تمثله الحكومة والجهات الدبلوماسية، التي تحاول تجنّب انفجار أكبر قد يؤدي إلى نتائج كارثية على الداخل الإيراني.
في المقابل، جاءت الردود الإسرائيلية محسوبة بدقة اغتيالات نوعية لقيادات في الحرس الثوري، واستهدافات محدودة لمواقع الطائرات المسيّرة في بندر عباس والأهواز، دون تجاوز الخطوط التي قد تستفز تدخلاً إيرانيًا أوسع أو ردًا شاملًا.
الدبلوماسية تتدخل في الوقت الضائع
وسط هذا التوتر، تحرّكت العواصم الكبرى خشية تفجر الوضع. الولايات المتحدة كرّرت دعمها لإسرائيل، لكنها في الوقت نفسه شدّدت على ضرورة ضبط النفس وأكد مسؤول في الخارجية الأميركية لـ”فرانس 24″:”نقف بثبات إلى جانب إسرائيل، لكن لا نريد حربًا إقليمية شاملة. نحثّ الجميع على التهدئة والعمل عبر القنوات الدبلوماسية.”فرنسا، الصين، وروسيا أعربت عن قلقها، كل بطريقته فرنسا أجّلت مؤتمراً دوليًا للسلام، الصين دانت “انتهاك السيادة الإيرانية”، وروسيا حذّرت من مخاطر نووية محتملة، خاصة قرب محطة بوشهر، بينما السعودية دعت إلى تهدئة فورية، وأكدت أن الحل لا يمكن أن يكون عسكريًا.
تصريح ترامب المفاجئ
في خضم هذا التوتر، برزت تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي أعلن عبر حسابه في “تروث سوشال” وقفًا “تامًا وكاملاً لإطلاق النار” بين إيران وإسرائيل، قائلاً:”وقف إطلاق النار أصبح ساريًا الآن الرجاء عدم انتهاكه!” وفي مقابلة لاحقة مع NBC، قال ترامب إنه يتوقع أن تستمر الهدنة “إلى الأبد”، مشيرًا إلى أن إيران “ستتوقف أولًا”، تليها إسرائيل، في ترتيب زمني يفضي إلى إنهاء القتال. ورغم عدم صدور أي تأكيد رسمي من الطرفين، إلا أن هذا الإعلان ساهم في تهدئة نفسية وإعلامية مؤقتة، ساعدت في خفض وتيرة التصعيد، ولو بشكل غير مباشر.
لماذا لم تندلع الحرب؟
رغم اقتراب الجانبين من الخطوط الحمراء، إلا أن الحرب الشاملة لم تحدث، التقديرات تشير إلى أن كلا الطرفين يدرك كلفة المواجهة المفتوحة، إيران، الغارقة في أزماتها الداخلية والخارجية، لا تستطيع تحمّل حرب على أكثر من جبهة، بينما إسرائيل تدرك أن توسع العمليات قد يُشعل المنطقة ويستجلب تدخلات غير محسوبة من فصائل مسلحة أو قوى كبرى. اللافت أن التصعيد ترك أثرًا واضحًا في الداخل الإيراني والإسرائيلي؛ فقد تصاعدت الانتقادات للحكومة الإيرانية بشأن استعدادها للدخول في حرب غير محسوبة وسط أزمات اقتصادية خانقة، بينما برزت في إسرائيل أصوات تحذّر من فتح أكثر من جبهة في آنٍ واحد، خاصة مع التوتر القائم على الحدود الشمالية مع حزب الله.
قراءة تحليلية: بين الرسائل والتراجع
يرى المحللون أن المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل كانت الأقرب منذ سنوات للتحول إلى حرب مفتوحة، إلا أنها بقيت حتى اللحظة ضمن حدود السيطرة المحسوبة، فقد كشف التباين الصارخ في الخطاب الإيراني عن خلافات داخلية واضحة، بين تيار يدفع نحو التصعيد العسكري تقوده قيادات في الحرس الثوري، وآخر أكثر تحفظًا تمثله المؤسسة الدبلوماسية في المقابل، اتسم السلوك الإسرائيلي بالانضباط رغم تنفيذ ضربات دقيقة ومؤثرة، في إطار استراتيجية ردع محسوبة لا تنزلق نحو مواجهة شاملة.
نحو أي سيناريو؟
رغم انحسار التصعيد الأخير، إلا أن جذور الصراع باقية، مرشّحة للعودة في أي لحظة، الردع المتبادل ما زال هو العامل الضامن لعدم الانزلاق، لكن هذا الضمان هشّ في منطقة تعجّ بالأزمات لا يُستبعد تكرار جولات مشابهة، وربما أكثر حدة، خصوصًا مع استمرار إيران في برنامجها النووي، وتزايد الضغوط الإسرائيلية والأميركية لوقفه. في المحصلة، كانت الحرب قريبة… لكن الحكمة أو الخوف أو الحسابات الدقيقة، وربما تغريدة ترامب، أوقفتها في الوقت المناسب غير أن الرسائل الصاروخية التي تبادلها الطرفان لا تزال تتكلم، وتقول: المعركة لم تنتهِ بعد.