* عمر إدلبي
“روسيا جاءت لتبقى”، بهذه الكلمات وبكثير من الغرور المستفز رد الدبلوماسي الروسي على سؤالي قبل أيام: متى ستنهون عدوانكم على شعبنا؟
العدوان الروسي المتواصل على شعبنا الثائر بلغ أمس عاماً كاملاً من عمره، وهو عامه الأول طبعاً، فطبيعة المهمة التي يعمل الروس على تحقيقها لا يمكنهم إنجازها بسنة واحدة، والأصح أن نقول أنها لن تنجز أبداً.
وبالنظر إلى الاتفاقية العسكرية التي وقعتها روسيا مع نظام الأسد في السادس والعشرين من شهر آب/أغسطس من العام الماضي، وهي الاتفاقية التي قدم الأسد بموجبها الأرض السورية بالمجان ليستبيحها جنود وأسلحة بوتين، ومنحت عناصر قواته الحصانة التامة من أي متابعة أو مساءلة قانونية أو قضائية، سورية كانت أم من أطراف ثالثة.
نجد أن نص الاتفاقية يشير إلى مدة غير محدودة لبقاء القوات الروسية في سوريا، وأن مهمة مساعدة النظام “في مواجهة الإرهاب” لا تفسير لها إلا بمعنى وحيد واحد، وهو محاربة قوى الثورة السورية بجيشها الحر وفصائلها الإسلامية، وهذا أمر لا يحتاج كثير أدلة، فالقوات الجوية الروسية نفذت في الثلاثين من شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي أولى غاراتها الجوية “المعلنة” في سوريا، وكانت في ريف حمص الشمالي، واستهدفت فصائل من الجيش السوري الحر، حيث لا يتواجد في تلك المنطقة أي مجموعة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ولا تشكيلات تابعة لتنظيم “القاعدة” أو ذات صلة به من أي نوع.
وخلال العام الماضي لم يترك الروس وسيلة سياسية أو إعلامية أو دبلوماسية لم يلجأوا إليها لينتزعوا تصنيفاً دولياً أو أمريكياً لفصيلي “جيش الإسلام” و “حركة أحرار الشام الإسلامية” يعتبرهما فصيلين إرهابيين، وهو سعي قوبل بالرفض من الأمريكيين لإدراكهم أنه يصب دون أدنى شك في خانة تقديم الدعم لنظام الأسد، عبر تمكين الروس من شرعية ضرب هذين الفصيلين الذين يتمتعان بحضور في غاية الأهمية في معادلة الصراع مع نظام الأسد ومليشياته، رغم أن الروس لم يوفروا في أي وقت خلال العام الماضي فرصة استهداف هذين الفصيلين وجميع فصائل الثورة دون استثناء، بالتزامن مع جهودهم الحثيثة لجعل مسار العملية السياسية يصب بالكامل في خدمة الهدف الروسي الأول والأهم، وهو الحفاظ على نظام الأسد، لا بل الحفاظ على الأسد نفسه.
وخلال عام كامل من عمر العدوان الروسي، ورغم النجاحات الروسية بفعل التراجعات الأمريكية في ملف العملية السياسية، بدا واضحاً أن الروس عاجزون على الأرض عن حسم الصراع مع قوى الثورة لصالحهم، فالتدمير الشامل للمناطق المحررة واستراتيجيات “طي المواقع” و “قضم الأرض”، تسير ببطء وبكلفة عالية، بشرية ومادية، ولا تبدو ذات جدوى على المدى البعيد، لأن أي دعم إضافي مهما كان بسيطاً يمكن للثوار أن يحصلوا عليه سيمنحهم القدرة على استعادة ما فقدوه، وعملية فك الحصار على حلب أكدت للجميع، وفي مقدمتهم الروس أن الثوار قادرون على الإطاحة بخطط جيش بوتين وحرس جمهورية إيران وقوات الأسد، بعشرات فقط من صواريخ “تاو” وخلال أيام.
وبخلاف تهجير أهالي داريا وثوارها، واحتلال بعض المواقع في الغوطة الشرقية، وهي مكاسب غير راسخة ويمكن خسارتها لصالح الثوار مجدداً، فإن العدوان الروسي لم يحقق إلا نجاحين بارزين، وهما، استعادة تدمر من تنظيم الدولة الإسلامية، وقتل الآلاف من السوريين في مجازر يومية نفذتها أسلحة جيش بوتين المتنوعة بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً.
وبالنظر إلى معارك حلب، ومحرقتها الحالية، فإن الروس كسبوا طريق الكاستيلو، وفقدوا بالمقابل ما تبقى من احترام وتفهّم أي طرف إقليمي أو دولي لدورهم في سوريا، باستثناء مؤيدي الأسد وإيران ومليشيات “محور المقاومة”، فحصار حلب وقتل مدنييها بقصفها وضرب بنيتها التحتية ومرافقها الطبية والخدمية واستهدافها بالقنابل العنقودية والفوسفورية أثار غضب العالم على روسيا، حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون غضب لدرجة تخطت القلق هذه المرة، وعبر عن صدمته من واقع حلب الذي وصفه بأنه أسوأ من “مسلخ”، وأن من يقصف حلب بالقنابل الارتجاجية والعنقودية والفسفورية يرتكب جرائم حرب، والروس يعرفون تماماً أن بان كي مون يشير إليهم، كما أشار إلى جرائمهم في سوريا مندوب بريطانيا في الأمم المتحدة، وفعل مثله مندوبا الولايات المتحدة وفرنسا.
الروس وبعد عام من العدوان على ثورة الشعب السوري يحق لهم أن يفخروا بشيء واحد، وهو نجاحهم في إبقاء الأسد منزوع الصلاحيات، لصالح سلطة وزير دفاعهم سيرغي شويغو على الأرض والأجواء السورية، لا لصالح هيئة حكم انتقالية سورية، كان من المفترض أن تقود البلاد إلى الانتقال السياسي المنشود، وفق ما نص عليه بيان جنيف، وهو البيان الذي شارك في إنجازه الروس أنفسهم، وفعلوا كل ما باستطاعتهم، حتى عسكرياً لمنع التوصل إلى حل سياسي انطلاقاً من بنوده.
القوات الروسية جاءت إلى سوريا لتبقى، كما قال الدبلوماسي الروسي، وكما تؤكد كل الأوساط الروسية المعنية بالشأن السوري، وبالمقابل، لا شيء يشير إلى أن الثورة السورية ستموت قبل أن تحقق أهدافها، وفي مقدمتها هدف إسقاط الأسد الذي تراهن موسكو على نجاحها في الإبقاء عليه، فتضحيات السوريين من أجل هذا الهدف غالية لدرجة عدم قدرتهم ولا رغبتهم في تركها تذهب سدى، ولهذا يؤكد السوريون وهم يشيعون شهداءهم ويرفعون ركام بيوتهم من فوق أجساد أطفالهم بعد كل قصف لطائرات بوتين: روسيا جاءت لتبقى ربما.. ولكن لتُهزم بالتأكيد.
* “مدونات الجزيرة”
عذراً التعليقات مغلقة