بغداد – دمشق والقمّة العربية

بشير البكر15 فبراير 2025آخر تحديث :
بغداد – دمشق والقمّة العربية

تشكّل القمة العربية التي ستنعقد في بغداد في مايو/ أيار المقبل، أول امتحان فعلي للعلاقات بين السلطة السورية الجديدة والحكومة العراقية. ويعود السبب في ذلك إلى موقف حكومة بغداد المتردّد تجاه مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في أعمالها. وقد صدرت تصريحات عن مسؤولين عراقيين وآخرين في جامعة الدول العربية، تلمّح إلى أن هناك حرجاً، بسبب ردود الفعل غير الودّية للأحزاب والفصائل العسكرية العراقية الحليفة لإيران. وإن حصل ذلك، فإنما يعبّر عن عدم التزام بميثاق الجامعة وبروتوكولات القمم العربية، حيث يعود تحديد مستوى التمثيل السوري لدمشق، وليس للدولة المستضيفة للقمّة، ومجرّد أن يطرح الأمر للنقاش، وترتفع أصوات عراقية تعارض أو تتحفظ على مشاركة الرئيس السوري، وتمثيله بوزير الخارجية أسعد الشيباني، فذلك يعني أن الأمر يتخطى الناحية الإجرائية، ما يفرض على الحكومة العراقية موقفاً أكثر صراحة وحسماً، وخاصة أن أغلبية الدول العربية رحّبت بالتحول السوري، وزارت وفود منها دمشق للتهنئة والتعرّف إلى الإدارة الجديدة وتوجهاتها، بما في ذلك العراق، الذي أرسل وفدا أمنيا برئاسة رئيس جهاز المخابرات العراقي، اجتمع بالرئيس السوري في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

يشكّل انعقاد القمة العربية في بغداد مناسبة مهمّة لفتح ملف العلاقات السورية العراقية التي تحتاج إعادة تأسيس من الصفر، بهدف تصفية تركة الماضي البعيد الثقيلة، وتجاوز آثار حكم البعثين الشقيقين اللدودين للبلدين، وخصومات كل من الرئيسين الأسبقين حافظ الأسد وصدّام حسين. وهذا يتطلب شجاعة كبيرة في التعامل مع الأمر الواقع والبناء عليه، كون الإيجابيات المشتركة أكثر بكثير من السلبيات، وما يجمع البلدين في التاريخ والجغرافيا أقوى مما يفرّقهما. والخطوة الأولى على هذا الطريق إعادة بناء الثقة المفقودة وتبديد المخاوف المتبادلة، وهذه ليست مسؤولية طرف وحده، بل هي قضية مشتركة، تتطلب من حكّام البلدين ومؤسّسات المجتمع المدني والهيئات الثقافية والإعلامية، أن يعملوا معاً وفق روحية تطوير المشتركات بين البلدين والشعبين.

مؤكّدٌ أن هناك أطرافا إقليمية ودولية لن يسعدها تصحيح العلاقات السورية العراقية، وحصول تقارب سوري عراقي حتى في حدوده الدنيا، وسوف تعمل من أجل إبقاء الشكوك والتوترات، وتخريب كل مسعى وفاقي، لأن تعميق الخلافات بينهما يُبقي على هذين البلدين المهمين في العالم العربي أسيرين لسطوة الهيمنة الخارجية، ولن توفّر هذه الأطراف وسيلة لمنع التقائهما، الذي سوف يترجم نفسه على نحو فوري إلى تغيير لموازين القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتشكيل نواة تجمع عربي كبير جغرافياً واقتصادياً وبشرياً. ومن دون وعي أصحاب القرار في بغداد ودمشق هذه الحقائق، والعمل على التعامل معها بمرونةٍ شديدة وأساليب عمل جديدة تقطع مع أساليب الماضي، سوف تزداد الخلافات ويمكن أن تتطوّر إلى ما هو أسوأ، على نحو يستنزف قسطاً مهماً من طاقات البلدين.

اللقاء بين دمشق وبغداد في منتصف الطريق أفضل من رفع كل طرف سقف شروطه، ووضع طلبات تعجيزية على الطاولة، ويمكن لبعض الأشقاء العرب الذين يهمّهم إحياء التضامن العربي، أن يلعبوا دورا في تقريب وجهات النظر من خلال تفعيل المؤسسات العربية، وفي مقدّمتها جامعة الدول العربية، التي عليها أن تغادر حالة الشلل التي تعيشها منذ عدة عقود، وهذا يتطلب رؤية وعزيمة وتكاتف الجهود بين الدول العربية كافة لمواجهة التهديدات من اتجاهات مختلفة، والتي تتمثل في بعض المشاريع الخارجية الهادفة إلى إعادة صياغة المنطقة وفق مصالحها، ومن ذلك مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للشرق الأوسط، الذي يبدأ بتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وتوسيع مدى التطبيع العربي مع إسرائيل، والتحكّم باقتصاد العالم العربي وثرواته.

المصدر العربي الجديد

اترك رد

عاجل