الرئيس الشرع في السعودية

عالية منصور2 فبراير 2025آخر تحديث :
الرئيس الشرع في السعودية
عالية منصور

إذن حسم الرئيس السوري أحمد الشرع وجهة زيارته الأولى، المملكة العربية السعودية، ولهذا القرار دلالات كثيرة حول التوجه الرسمي السوري ما بعد الأسد، كما أن له دلالات على صعيد التوجه السعودي.

لحظة سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد، أصابت العالم بالمفاجأة، السرعة كانت سبب المفاجأة الأول، ولكن أيضا التنظيم والخطوات المدروسة وعدم وقوع مجازر وعمليات انتقام في تلك اللحظة كما كان العالم يتخوف ويحذر.

تراوحت ردات الفعل الدولية والعربية والإقليمية بين من اختار الترقب والانتظار ومن اختار الانخراط واحتضان التجربة السورية، وتسارع مسؤولون من دول العالم لزيارة دمشق ولقاء أحمد الشرع، ليتعرفوا عليه ويسمعوا منه. المشترك لدى كل من التقاه كان أن الرجل ذكي وبرغماتي ويملك تصورا واضحا للمرحلة المقبلة في سوريا ما بعد الأسد، وإن كان الحذر والترقب أيضا من العوامل المشتركة لدى جميع الدول المعنية، إلا أن تعامل الدول الحذرة مع سوريا اختلف بين دولة وأخرى.

قول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي 2025 في مدينة دافوس السويسرية، بأن الإدارة السورية الجديدة “تقول الأشياء الصحيحة في السر والعلن، ومنفتحة على العمل مع المجتمع الدولي للتحرك في الاتجاه الصحيح”، كان لافتا وبعث برسائل للمشككين والمترددين، وقد يكون لبعض من يرغبون في التخريب.

وسيزور الرئيس السوري أحمد الشرع السعودية التي كانت من أوائل المهنئين بتنصيبه رئيسا للبلاد، حيث أرسل كل من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رسائل تهنئة فور إعلان تنصيب الشرع.

وقد ينظر البعض إلى الدور السعودي من زاوية واحدة، وهو ما ينتظره السوريون من المملكة من دعم اقتصادي ومالي ودور في عملية إعاد الإعمار، خصوصا أن سوريا مدمرة وتحتاج الى الكثير من الدعم. إلا أن ما ينتظره السوريون هو أكثر من مجرد دعم مالي واقتصادي، فلدى السعودية القدرة والمصلحة في دعم الاستقرار الأمني والسياسي وكف يد من يريد سوءا بسوريا، أو من قد يرغب في عرقلة المرحلة الانتقالية لأسباب عديدة، إقليميا ودوليا.

ومنذ استيلاء عائلة الأسد على السلطة، لم تكن سوريا إلا عامل قلق في المنطقة، وكانت أقرب إلى أن تكون عدوا للعرب من شقيق أو حليف لهم. وخلال أعوام حكم بشار الأسد كان عداء سوريا لكل ما هو عربي فج ودون مواربة على مدى 24 عاما من حكمه، وخصوصا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. اليوم وبعد سقوط هذا النظام عادت سوريا إلى محيطها الطبيعي، وكان لا بد من احتضانها فهي المنهكة حد الاهتراء من عقود الأسدية.

لقد تخلص السوريون من قاتلهم، وتخلص العرب أيضا من عدو زرع داخلهم، لم تعد سوريا مصدرا للسيارات المفخخة والاغتيالات والمخدرات والأزمات، هذا ما قاله الشرع أقله ووعد به السوريين أولا والعرب والعالم ثانيا. سوريا لم تعد مصدر تهديد أمني واستراتيجي لجيرانها، ولا لدول المنطقة وفي مقدمتها السعودية ودول الخليج.

خسارة إيران في سوريا لا توازيها أي خسائر أخرى، ولا حتى كأس السم الذي تذوقوه سابقا في العراق قبل أن يسقط في أيديهم لاحقا، لقد خسرت طهران مشروعها الإقليمي، وانقطعت صلة الوصل بين إيران والمتوسط، وممرها الإلزامي لتسليح ميليشياتها وعلى رأسهم “حزب الله”، المصنف إرهابيا في كثير من الدول العربية ودول العالم، وواهم من يظن أن إيران ستتوقف عن محاولة زعزعة التجربة الوليدة في سوريا وعرقلتها بالحديد والدم والفتن.

ولكن ليست إيران وحدها من ترغب في عرقلة مسيرة السوريين وأحمد الشرع، الخطر الإسرائيلي جاسم هناك أيضا، وسوريا محطمة ومشغولة بأزماتها حد محاولات التقسيم. وهو ما يريح المتطرفين في إسرائيل ويبرر خطاباتهم وسياساتهم العنصرية، أكثر من سوريا التي تتجه لتكون دولة مستقرة وسيدة نفسها ولو بعد حين.

هناك أيضا من يتخوف من كل ما هو “إسلامي”، فكيف الحال وإن كان الحاكم الإسلامي الجديد في سوريا سبق وانتمى لتنظيم “القاعدة” قبل أن ينسحب لاحقا منه ويبداً مسيرة التحول الفكري على الصعيد الشخصي وعلى صعيد المجموعة.

أن يختار النظام السوري الجديد السعودية، وأن يتحدث وزير الخارجية أسعد الشيباني عن استلهامهم “سوريا الجديدة من رؤية السعودية 2030″، فهذه رسالة إيجابية بأكثر من اتجاه. وتأكيد على أن انتماء سوريا لمحيطها العربي يأتي قبل أي انتماء آخر.

ما ينتظره السوريون من زيارة الشرع إلى الرياض، أبعد من دور سعودي بإعادة إعمار سوريا. ما ينتظرونه هو دور سعودي بدعم سياسي، فالسعودية وما تملكه من ثقل دولي وإقليمي قادرة على تطمين المجتمع الدولي للدخول بشراكة مع سوريا الجديدة، كما هي قادرة على ردع من يريد تنغيص فرحة السوريين وخطتهم من أجل بناء دولتهم الجديدة.

المصدر المجلة

اترك رد

عاجل