سقوط النظام السوري.. جدار برلين الشرق الأوسط

مدين يحيى16 يناير 2025آخر تحديث :
مدينة اليحيى
مدين يحيى

في كل عصر تاريخي، تظهر لحظات مفصلية تُعيد صياغة موازين القوى، وتُغير معالم النظام العالمي. كان سقوط جدار برلين في عام 1989 رمزاً لانهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية، وبداية النهاية للاتحاد السوفيتي.

اليوم، يلوح في الأفق حدث مشابه في الشرق الأوسط: سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، والذي قد يكون الشرارة التي ستُشعل نهاية حكم الملالي في إيران، وفتح صفحة جديدة من تاريخ شعوب المنطقة.

النظام السوري: الذراع الأمامية لحكم الملالي

لطالما كان النظام السوري حجر الزاوية في المشروع الإيراني التوسعي، فمنذ التحالف الذي نسجه حافظ الأسد مع الثورة الإيرانية عام 1979، أصبحت سوريا ركيزة أساسية لاستراتيجية إيران في الشرق الأوسط. دمشق لم تكن مجرد حليف، بل كانت بمثابة البوابة التي تمد النفوذ الإيراني إلى البحر المتوسط، وتؤمن دعماً مباشراً لحزب الله في لبنان، وتُبقي العراق تحت النفوذ الإيراني عبر محور متصل يمر بسوريا.

في المقابل، ضخّت إيران موارد هائلة في دعم النظام السوري خلال الثورة التي اندلعت عام 2011. كانت طهران تدرك أن خسارة دمشق تعني قطع هذا المحور الاستراتيجي، وعزل حزب الله، وضعف تأثيرها الإقليمي. ومع ذلك، فإن تآكل النظام السوري تحت وطأة الحرب والضغوط الإقليمية والدولية قد جعل هذا السقوط أقرب من أي وقت مضى.

التشابه مع جدار برلين: سقوط الأنظمة الكُبرى يبدأ من الأطراف

عندما سقط جدار برلين، لم يكن الحدث مقتصراً على تفكيك حاجز مادي يقسم مدينة، بل كان ذلك رمزاً لانهيار أيديولوجية سياسية وسيطرة مفرطة على شعوب أوروبا الشرقية. الأنظمة الكبرى، كما يظهر التاريخ، لا تسقط من المركز، بل تبدأ من الأطراف، حيث تُستنزف قدراتها على التحكم، وتتراجع سيطرتها على الأطراف تدريجياً.

النظام الإيراني، على غرار الاتحاد السوفيتي، يعتمد على شبكة من الحلفاء والمناطق التابعة التي تُوفر له عمقاً استراتيجياً. ومع ضعف هذه الأطراف وسقوطها، يصبح المركز مكشوفاً أمام غضب الشعب ومطالب التغيير. سقوط النظام السوري سيكون أول الطوب الذي يتداعى من جدار الملالي، ليُحدث سلسلة من الانهيارات الداخلية في إيران.

ربيع إيران: حلم الشعوب لا يموت

منذ الثورة الخضراء عام 2009 إلى الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي اندلعت في مختلف المدن الإيرانية، أظهر الشعب الإيراني مراراً وتكراراً رفضه لنظام ولاية الفقيه. هذه الاحتجاجات لم تكن مجرد مطالب اقتصادية أو اجتماعية، بل كانت رفضاً للسياسات القمعية والتدخلات الخارجية التي أرهقت الشعب الإيراني اقتصادياً وسياسياً.

اليوم، ومع تراجع النظام السوري، يجد الشعب الإيراني نفسه أمام فرصة تاريخية. سقوط دمشق يعني انتهاء قدرة طهران على تمويل مغامراتها الخارجية، وتفكك مشروعها الإقليمي. هذا التراجع سيعزز مطالب الإيرانيين بالحرية، ويُشعل ربيعاً إيرانياً طال انتظاره.

إيران بعد الملالي: فرصة جديدة للمنطقة

سقوط نظام ولاية الفقيه لا يعني فقط تحرير الشعب الإيراني، بل يمثل فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط. لطالما كانت إيران في ظل حكم الملالي مصدراً للاضطراب والتوتر، حيث تورطت في دعم الميليشيات المسلحة، وزعزعة استقرار الدول المجاورة، ونشر أيديولوجيات طائفية.

إيران الحرة، التي تعيش في سلام مع جيرانها، ستكون عنصراً إيجابياً في المنطقة. العلاقات مع دول الخليج، والعراق، ولبنان، وسوريا، يمكن أن تتحول من علاقات عدائية إلى شراكات اقتصادية وسياسية تُسهم في تحقيق استقرار حقيقي ومستدام.

سوريا: مفتاح التغيير الإقليمي

لا يمكن النظر إلى سقوط النظام السوري بمعزل عن السياق الأوسع للمنطقة. سوريا التي كانت ساحة صراع إقليمي ودولي لسنوات طويلة يمكن أن تتحول إلى منصة للتغيير. إعادة بناء سوريا لن تكون فقط إعادة إعمار مادياً، بل ستكون بداية لإعادة تشكيل نظام سياسي جديد يُعبر عن إرادة الشعب السوري، ويُعيد البلاد إلى مكانتها الطبيعية في المنطقة.

كما أن تحرير سوريا من الهيمنة الإيرانية سيُضعف القوى الطائفية التي استغلت الصراع السوري لتحقيق أجنداتها الخاصة. هذا التغيير سيمهد الطريق لعهد جديد من التوازن الإقليمي، ويُعيد الاعتبار للمشروع العربي الجامع.

الخاتمة: شرق أوسط جديد يولد

إن سقوط نظام بشار الأسد لن يكون مجرد نهاية لنظام ديكتاتوري، بل بداية لتغيير شامل في الشرق الأوسط. وكما كان سقوط جدار برلين إيذاناً بنهاية الحرب الباردة، فإن سقوط دمشق قد يكون إيذاناً بنهاية مرحلة طويلة من الهيمنة الإيرانية في المنطقة.

الشعوب، مهما طال قهرها، تظل متمسكة بحلم الحرية. والشعب الإيراني، الذي عانى طويلاً من سياسات القمع والانعزال، يقترب أكثر من أي وقت مضى من لحظة الخلاص. الربيع الإيراني ليس مجرد حلم، بل هو واقع ينتظر اللحظة المناسبة ليولد، ومع سقوط النظام السوري، تبدو تلك اللحظة أقرب من أي وقت مضى. الشرق الأوسط يقف على أعتاب عهد جديد، تُكتب ملامحه بيد الشعوب التي تطمح للحرية والكرامة.

اترك رد

عاجل