العدالة أولاً: لا سلم اجتماعي في سوريا دون محاسبة القتلة

محمد الدغيم27 ديسمبر 2024آخر تحديث :
محمد الدغيم
محمد الدغيم – صحفي سوري

منذ أن انتفض الشعب السوري عام 2011 مطالباً بالحرية والكرامة، واجه بصدوره العارية آلة قمع وحشية لم تعرف الرحمة. نظام بشار الأسد أظهر منذ اللحظة الأولى أن بقاءه يعني سحق أحلام الشعب بالدبابات والصواريخ والكيماوي. ومع ذلك، استمر الشعب الثائر في نضاله رغم كل المجازر، رافعاً راية الثورة مهما كانت التضحيات.

واليوم، ونحن نبحث عن مستقبل أفضل لوطننا، لا يمكن أن يكون هناك حديث عن السلم الاجتماعي قبل تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين.

لا سلام مع القتلة

كيف يمكن لشعب قدّم مئات الآلاف من الشهداء وملايين المهجّرين أن يعيش جنباً إلى جنب مع من قتل أبناءه وسرق حريته؟ كيف يمكن أن يُبنى وطن يجمع بين القاتل والمقتول تحت سقف واحد دون أن ينال المجرم عقابه؟ السلم الاجتماعي الذي يُبنى على تجاهل دماء الشهداء ليس إلا كذبة ستنفجر عاجلاً أم آجلاً.

النظام السوري ارتكب من الجرائم ما يجعل من المستحيل الحديث عن أي تصالح أو تعايش قبل محاسبة كل من تورط في سفك دماء السوريين. استخدموا السلاح الكيماوي ضد الأطفال في الغوطة، قصفوا المستشفيات والمدارس، وحاصروا مدناً كاملة حتى مات أهلها جوعاً. آلاف المعتقلين قضوا تحت التعذيب في أقبية النظام، وتحولت السجون إلى مقابر جماعية. هذه الجرائم ليست أخطاء عابرة، بل سياسة متعمدة هدفها قتل إرادة الثورة في نفوس السوريين.

الثورة تطالب بالعدالة

الشعب السوري لم يثر ليقبل بمصالحة شكلية مع جلاديه، بل ثار ليبني دولة حرة وعادلة. العدالة ليست مطلباً ثانوياً أو خياراً سياسياً، بل هي قلب الثورة وروحها. محاكمة القتلة والمجرمين ليست انتقاماً، بل هي حق للشهداء وأمانة في أعناقنا.

لكن ما نراه اليوم من تساهل مع فلول النظام هو خيانة للثورة ودماء الشهداء. هؤلاء المجرمون، الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين، عادوا ليرفعوا أصواتهم ويطالبوا بالحقوق وكأنهم ضحايا! خرجوا في مظاهرات ضد الإدارة الجديدة، يروجون أنفسهم كمدنيين أبرياء، بينما هم كانوا أدوات القتل والقمع بيد النظام. بدلاً من الاعتذار أو الاعتراف بجرائمهم، استغلوا العفو ليعيدوا تنظيم صفوفهم ويقفوا في وجه الثورة من جديد.

اجتثاث جذور الطغيان

إن الثورة لن تقبل أن يبقى أحد من فلول النظام مشاركاً في المشهد السياسي أو الإداري في سوريا المستقبل. اجتثاث هؤلاء ليس خياراً، بل واجب وطني. يجب أن يُحاسب كل من شارك في جرائم القتل والتعذيب، وكل من دعم النظام أو استفاد من جرائمه. لا مكان في سوريا الجديدة لرموز الطغيان أو أدوات القمع.

العدالة شرط للمصالحة

المصالحة الوطنية لا تأتي على حساب العدالة. المصالحة الحقيقية تبدأ عندما يُحاسب المجرمون، ويُعاد الحق لأصحابه، ويُعوض الضحايا عن معاناتهم. أما المصالحة المبنية على نسيان الماضي فهي خيانة لدماء الشهداء وجرحى الثورة.

لا يمكن أن نطلب من الشعب السوري الثائر أن يغفر أو ينسى بينما المجرمون ما زالوا أحراراً. المصالحة تأتي بعد أن يُقام العدل، وبعد أن يدرك كل من تجرأ على قتل السوريين أن يده لن تُترك بلا عقاب.

سقط النظام لكن الثورة مستمرة

إن السلم الاجتماعي الحقيقي لا يمكن تحقيقه إلا بالعدالة. الثورة السورية ليست مجرد لحظة في التاريخ، بل هي مسار طويل لإعادة بناء وطن دُمر على يد نظام قمعي. لا يمكن للثورة أن تحقق أهدافها دون محاسبة المجرمين واجتثاث جذور النظام الذي أسس للظلم والطغيان.

الشعب السوري لم يثر ليقبل بأقل من الحرية والعدالة. هذه الثورة التي قدمت أغلى التضحيات لن تنتهي إلا بسقوط الطغاة ومحاكمتهم على كل جريمة ارتكبوها بحق هذا الشعب العظيم. لن يكون هناك سلام دون عدالة، ولن تكون هناك سوريا جديدة إلا بإرادة الثوار وبناء دولة تحترم كرامة وحقوق كل مواطن. الثورة مستمرة حتى تحقيق النصر.

اترك رد

عاجل