في مشهد سياسي يزداد تعقيداً، وبينما يتطلع الشعب السوري لإنهاء أزمته الطويلة، يفاجأ السوريون مرة أخرى بمواقف الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض التي رحبت ببيان “العقبة”، الداعي لتفعيل القرار الأممي 2254. يأتي هذا الترحيب وسط انتقادات واسعة تعبر عن مخاوف حقيقية من أن هذه الخطوة لا تعدو كونها محاولة لإعادة تدوير النظام السوري البائد وشخوصه الفاسدة، بالتوازي مع إعادة شخوص المعارضة الراعية لمصالح مشغليها والتي فقدت شرعيتها شعبيًا.
القرار 2254: أداة تسوية أم غطاء للمصالح الدولية؟
القرار الأممي 2254، الذي بنى عليه السوريون آمالهم كأحد الأطر الممكنة للوصول إلى حل سياسي عادل، أصبح في السنوات الأخيرة أداة مرنة تخضع لتفسيرات الأطراف الدولية والإقليمية. فالقرار الذي يتحدث عن انتقال سياسي، وإجراء انتخابات تحت إشراف دولي، لم يعد له أي وجود فعلي على طاولة المفاوضات بعد سقوط النظام البائد الذي كان يعرقل أي تقدم في تنفيذ بنوده.
مع سقوط النظام السوري البائد، فقد القرار الأممي 2254 أهميته. إلا أن المجتمع الدولي وبرعاية بعض الدول العربية وبقيادة المبعوث الأممي غير بيدرسون، بدا وكأنه يستخدم القرار لإطالة عمر الأزمة بدلًا من حلها. بيدرسون، من خلال “خطته خطوة بخطوة”، أسهم في تفريغ القرار من مضمونه، محاولاً إقناع المعارضة بالتسويات التدريجية التي لا تخدم سوى الأطراف الداعمة للنظام، مما أدى إلى سقوط القرار فعلياً مع سقوط الأسد.
الائتلاف وهيئة التفاوض: خطوة أخرى نحو الانهيار الأخلاقي
ترحيب الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض ببيان العقبة الذي جمع عدة دول من بينها دول كانت داعمة لنظام الأسد حتى آخر ساعاته، جاء البيان بمثابة صدمة للسوريين الذين باتوا يرون في هذه الكيانات السياسية مجرد أدوات فاقدة للشرعية، لا تمثل تطلعات الشعب ولا أهداف الثورة.
هذا الترحيب لا يُقرأ بمعزل عن تاريخ طويل من مواقف الائتلاف التي تميزت بالتبعية المطلقة لأطراف دولية، ودعم مشاريع تتعارض مع المصالح الوطنية للسوريين. فكيف يمكن لائتلاف يدعي تمثيل الثورة أن يبارك خطوة قد تفتح الباب أمام عودة شخوص النظام إلى المشهد السياسي؟
إن ترحيب الائتلاف ببيان يدعو إلى إعادة تفعيل قرار سقط مع سقوط الأسد، بمساعدة بيدرسون، يضعه في موقف المتواطئ مع مشاريع دولية تهدف لإعادة بناء النظام، مقابل إشراك بعض وجوه المعارضة الفاسدة، التي لا تقل عن النظام رفضاً لدى الشارع السوري.
إعادة تدوير النظام والمعارضة: المخاطر الحقيقية
الخطير في بيان العقبة ليس مجرد الحديث عن القرار 2254، بل ما ينذر به من خطوات مستقبلية تسعى لتدوير النظام السوري. هذا التدوير لا يعني فقط بقاء رموز النظام على الساحة، بل إشراك بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة في حكومة “وطنية” تحت مظلة هذا النظام.
مثل هذه السيناريوهات تمثل خيانة لتضحيات السوريين الذين انتفضوا من أجل إسقاط نظام الأسد البائد، وليس للتفاوض معه أو مشاركته في حكم البلاد. كما أنها تؤكد أن الأطراف الدولية لم تعد مهتمة بمستقبل سوريا كدولة حرة ومستقلة، بل تسعى فقط لتحقيق مصالحها عبر استقرار صوري يعيد إنتاج الاستبداد بصيغ جديدة.
الموقف الشعبي: رفض مطلق للنظام البائد والمعارضة التي لا تمثل تطلعات الشعب السوري الثائر.
الشعب السوري، الذي تجاوز هذه الكيانات السياسية منذ سنوات، لم يعد يعوّل على الائتلاف أو هيئة التفاوض أو أي جسم سياسي آخر يمثل المعارضة الرسمية التي لا تهتم للمطالب الشعبية. المظاهرات التي طردت أعضاء الائتلاف من بعض الفعاليات، والاحتجاجات الشعبية ضد بعض رموز المعارضة الراعية للمصالح الخارجية على حساب مصالح الشعب السوري، تعكس حالة الغضب الشعبي من هذه الكيانات التي أضاعت فرصة تمثيل الثورة، وانشغلت بالمناصب والمكاسب الشخصية.
كما أن الشعب، الذي قاوم النظام خلال سنوات الثورة، يرفض بشكل قاطع أي محاولات لإعادة رموزه إلى المشهد، سواء عبر التسويات الدولية أو عبر مشاريع إعادة الإعمار التي تخدم مصالح النظام والدول الداعمة له.
الائتلاف: ديكور سياسي بلا وزن
إن المواقف المتكررة للائتلاف الوطني السوري، التي تتسم بالتبعية والخضوع، جعلت منه ديكوراً سياسياً فاقداً لأي تأثير في المعادلات الدولية أو المحلية. ومع تغييب دوره في الأحداث المصيرية، مثل معركة دحر العدوان، أصبح واضحاً أنه لا مكان لهذا الكيان في أي مشروع وطني حقيقي يمثل تطلعات الشعب السوري في بناء نظام سياسي ديمقراطي.
تصرفات أعضاء الائتلاف، التي تركزت على تحقيق مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة، أكدت أنهم لم يكونوا أبداً مهتمين بتحقيق أهداف الثورة، بل استغلوا مواقعهم لتعزيز مكاسبهم على حساب معاناة الشعب.
رسالة للشعب السوري: الحذر من الخطط الدولية
اليوم، على السوريين أن يدركوا أن الحلول الدولية المقترحة لا تهدف إلى تحقيق العدالة أو بناء دولة ديمقراطية. بل هي حلول تُفصل على مقاس المصالح الدولية، حتى لو كان ذلك يعني إعادة النظام بثوب جديد، وإعادة المعارضة الرسمية كشركاء له في الحكم.
يجب أن يكون رفض هذه المشاريع واضحاً وصريحاً، مع التركيز على بناء قيادات وطنية جديدة تعبر عن تطلعات الشعب، بعيداً عن الشخصيات التي أثبتت فشلها وفسادها.
إن الثورة انتصرت بإسقاط النظام لكنها مستمرة في تحقيق أهدافها المنشودة.
إن بيان العقبة ليس مجرد وثيقة سياسية، بل هو تحذير بأن المرحلة القادمة قد تشهد محاولات جدية لإعادة إنتاج النظام من جديد، عبر شراكات مرفوضة شعبياً. الشعب السوري، الذي ضحى بكل شيء من أجل الحرية، لا يزال في معركته الحقيقية ضد الاستبداد، سواء كان بوجوهه القديمة أو بأقنعته الجديدة. الثورة لا تزال مستمرة، وهي بحاجة إلى قيادة حقيقية تمثل الشعب، وليس أجساماً سياسية فقدت كل شرعية.
عذراً التعليقات مغلقة