عملية البيجر.. تفاصيل اختراق الموساد لمليشيا حزب الله

واشنطن بوست تكشف تفاصيل خرق وتفجير الأجهزة التي قتلت وأصابت مئات المقاتلين

فريق التحرير6 أكتوبر 2024آخر تحديث :
انفجار أجهزة البيجر استهدف مئات العناصر من مليشيا حزب الله في مختلف مناطق لبنان وأوقع آلاف الإصابات

تتكشف تفاصيل جديدة عن عملية تفجير آلاف أجهزة النداء (البيجر) بين أيدي عناصر مليشيا حزب الله في شتى المناطق اللبنانية، في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، واسفرت عن مقتل وإصابة نحو 3000 عضو وقيادي، في الوقت الذي ما زالت المليشيا اللبنانية المدعومة من إيران تتلقى ضربات مؤلمة من الاحتلال الإسرائيلي.

فقد أفادت معلومات استقيت من عدة مسؤولين أمنيين وسياسيين ودبلوماسيين إسرائيليين وعرب وأميركيين مطلعين على الأحداث، فضلاً عن مسؤولين لبنانيين وأشخاص مقربين من مليشيا حزب الله، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة معلومات استخباراتية حساسة، أن قادة الحزب أعجبوا بميزات النموذج الجديد من الجهاز إلى الحد الذي جعلهم يشترون 5000 جهاز منه ويبدأون في توزيعها على المقاتلين من المستوى المتوسط ​​وأفراد الدعم في شباط/ فبراير. حيث يتمتع الطراز التايواني الجديد، AR924 بميزات عدة، منها مقاومة الماء وبطارية ضخمة الحجم يمكن أن تعمل لأشهر دون شحن، فضلا عن صعوبة تعقبها من قبل الاستخبارات الإسرائيلية.

لكن الميزة الأكثر شراً في تلك الأجهزة لم تتكشف إلا بعد تفجيرها يوم 17 سبتمبر، إذ تبين أن عملية فك التشفير المكونة من خطوتين تجبر حامل الجهاز على حمله بكلتا يديه.

صورة التقطت في 18 أيلول/سبتمبر في الضاحية الجنوبية لبيروت تظهر بقايا أجهزة اتصال منفجرة تابعة لمليشيا حزب الله – أ ف ب

إلى ذلك، كشفت المصادر أن خطة التفجير هذه بدأت في مقر جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” بتل أبيب، وشارك فيها مجموعة من العملاء والمتواطئين غير المتعمدين في بلدان متعددة، حسب ما نقلت “واشنطن بوست”.

بدأ العمل على خطة هجوم البيجر في العام 2022
واعتبرت المصادر أن هذا الهجوم لم يدمر صفوف قيادة مليشيا حزب الله فحسب، بل شجع الاحتلال الإسرائيلي أيضاً على استهداف وقتل زعيمه، حسن نصر الله، إذ أقنعت تلك الضربة زعماء الاحتلال السياسيين بأن حزب الله يمكن أن يصبح في موقف حرج، وأضعف بشكل كبير، إذ ما استتبع هجوم البيجر بغارات جوية عنيفة على معاقله، واغتيال زعيمه.

إلى ذلك، كشفت المصادر أن فكرة تفجير البيجر التي بدأت عام 2022، أي قبل أكثر من عام على عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبعدما عمل الموساد لسنوات على اختراق مليشيا حزب الله من خلال المراقبة الإلكترونية والمخبرين البشريين.

فقد بدأ الموساد في إدخال أجهزة اتصال لاسلكية مريبة، إلى لبنان منذ ما يقرب من عقد من الزمان.

الاختراق قبل 9 سنوات
تكشف المصادر أن الموساد اكتفى بداية بالتنصت على مليشيا حزب الله على مدى تسع سنوات، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية هذه إلى قنابل في حالة حدوث أزمة مستقبلية، وفق ما أكد مسؤولون مطلعون.

لكن قبل أشهر قليلة فقط، رأى الموساد فرصة ذهبية، عبر الطراز الجديد من أجهزة البيجر التي طلبتها مليشيا حزب الله، وهي عبارة عن أجهزة أصغر حجما من السابقة لكنها يمكن أن تزود بمتفجرات قوية.

وبعد مساع عبر وسطاء وشركات وهمية، وفي مفارقة لم تتضح إلا بعد أشهر عديدة، انتهى الأمر بالحزب إلى دفع أموال غير مباشرة للإسرائيليين مقابل قنابل موقوتة صغيرة. حملها عناصره على خصورهم وبين أيديهم.

ففي عام 2023، بدأ الحزب يتلقى طلبات لشراء كميات كبيرة من أجهزة النداء التي تحمل العلامة التجارية التايوانية أبولو، وهي علامة تجارية معروفة وخط إنتاج له توزيع عالمي ولا توجد روابط واضحة لها مع مصالح إسرائيلية أو حتى يهودية. وقال المسؤولون إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة، إذ جاء عرض المبيعات من مسؤولة تسويق موثوق بها من قبل حزب الله ولها صلات بأبولو.

مسؤولة تسويق تواصلت مع مليشيا حزب الله
وكشفت المصادر أن ممثلة المبيعات السابقة للشركة التايوانية في الشرق الأوسط كانت أسست شركتها الخاصة وحصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة النداء التي تحمل العلامة التجارية أبولو. وقد عرضت في وقت ما من عام 2023، على مليشيا حزب الله صفقة بيع أجهزة AR924 القوية والموثوقة.

كما كشف مسؤول إسرائيلي مطلع على تفاصيل العملية أن تلك السيدة “هي من تواصلت مع حزب الله، وأوضحت له مميزات جهاز النداء الجديد الطراز الأكبر حجماً والمزود ببطارية أكبر أفضل من النموذج القديم”.

كما أوضح أن إحدى المميزات التي شجعت الحزب على شراء هذا الطراز من البيجر كانت أنه يمكن شحنه بكابل، وأن البطاريات تدوم لفترة أطول”.

وكما اتضح، فقد تم الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج هذه الأجهزة، ولم يكن المسؤول التسويقي على علم بالعملية ولم يكن على علم بأن أجهزة النداء تم تجميعها فعليًا في إسرائيل تحت إشراف الموساد، وفقًا للمسؤولين المطلعين على المؤامرة.

فقد زرع الموساد بعناية شديدة خلف البطارية، مكونات قنبلة لا يمكن اكتشافها على الإطلاق تقريبا، حتى لو تم تفكيك الجهاز، كما أكد المسؤولون الإسرائيليون.

حتى أن المسؤولين أشاروا إلى أن حزب الله فكك عددا من تلك الأجهزة، وفحصها بالأشعة السينية، لكنه لم يكتشف المتفجرات.

كما كان الوصول عن بعد إلى الأجهزة من قبل الموساد غير مرئي، فقد كان من الممكن لإشارة إلكترونية من جهاز الاستخبارات أن تؤدي إلى انفجار آلاف الأجهزة دفعة واحدة. ولكن لضمان أقصى قدر من الضرر، كان من الممكن أيضاً أن يتم إحداث الانفجار من خلال إجراء خاص من خطوتين مطلوب للاطلاع على الرسائل الآمنة التي تم تشفيرها.

وقال أحد المسؤولين “كان عليك الضغط على زرين لقراءة الرسالة”، وفي الممارسة العملية، كان هذا يعني استخدام كلتا يديك.

وقال مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة، أقرب حليف لإسرائيل، لم يتم إبلاغها بأجهزة الاستدعاء المفخخة أو النقاش الداخلي حول ما إذا كان ينبغي تشغيلها.

وفي السابع عشر من أيلول/سبتمبر، وبينما كان النقاش محتدماً في أعلى دوائر الأمن القومي في إسرائيل حول ما إذا كان ينبغي ضرب زعيم حزب الله، كانت آلاف أجهزة النداء التي تحمل علامة أبولو تدق أو تهتز في آن واحد، في مختلف أنحاء لبنان وسوريا، وظهرت على الشاشة جملة قصيرة باللغة العربية: “لقد تلقيت رسالة مشفرة”.

وقد اتبع عناصر مليشيا حزب الله التعليمات بدقة للتحقق من الرسائل المشفرة، بالضغط على زرين، وفي المنازل والمحلات التجارية، وفي السيارات وعلى الأرصفة، كانت الانفجارات تمزق الأيدي وتدمر الأصابع، وبعد أقل من دقيقة، انفجرت آلاف أخرى من أجهزة النداء عن بعد، بغض النظر عما إذا كان المستخدم قد لمس جهازه أم لا.

وفي اليوم التالي، أي في 18 أيلول/ سبتمبر، انفجرت مئات من أجهزة اللاسلكي بنفس الطريقة، ما أسفر عن مقتل وإصابة المستخدمين والمارة.

وقد اعترف نصر الله قبل اغتياله، وبعد عملية البيجر بيومين، بأن حزبه تلقى ضربة “قوية وكبيرة وغير مسبوقة” بالتفجيرات التي ضربت أجهزة “البيجر” والـ”ووكي توكي”.

وشكلت هذه العملية أولى سلسلة من الضربات التي استهدفت مليشيا حزب الله، قبل أن ينتقل الاحتلال الإسرائيلي إلى مرحلة أخرى وجه فيها ضربات متلاحقة، فقصف مقر مليشيا حزب الله القيادي وقتل معظم قادتها العسكريين والأمنيين، ومن ثم شن الاحتلال سلسلة من الغارات الجوية في السابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر في الضاحية الجنوبية، معقل مليشيا حزب الله، ليقتل حسن نصرالله، ويواصل حتى الآن حرباً مدمرة على المليشيا الموالية لإيران، وعموم لبنان.

المصدر واشنطن بوست - ترجمة حرية برس

اترك رد

عاجل