هل ستكون مُخطئاً لو قلتَ مثلاً: إن الزرقاوي أو صدام أو شارون كانوا شجعاناً؟.. من حيث الصفة: لا.. لكن بالتأكيد ستكون مُخطئاً جداً حين تذكر هذه الجملة وتتوقف، وكأنها تمثل أهم مآثرهم، بدون التذكير بجرائمهم وانتهاكاتهم وسيرهم الدموية.. وفي ذات السياق يُمكن أن تذكر نماذج وأسماء كثيرة، لم يكن الخطأ لديها استثناءً عابراً في مسيرتها – وكل الزعامات والسياسيين يُخطئون – بل هو أهم وأبرز وأطول ما في تجربتها وتاريخها.
من هذا المُنطلق يمكن الحديث عن حسن نصرالله وحزب الله، فحتى لو كان الحزب طائفياً وحليفاً أو ذراعاً لإيران، فلو لم يتورط في الدخول إلى سوريا وقمع الثورة، لكان له تقييمٌ مختلف، بدون أي تجاوز لكثيرٍ من انتهاكاته وجرائمه، مثل اجتياح بيروت في 7 أيار، وهيمنته بقوة السلاح على القرار السياسي في لبنان، واتهامه باغتيالات كثيرة حصلت، وسوى ذلك. ولكنها ستضل محطاتٍ – ليست بسيطة بالتأكيد – في مسيرة غلب عليها مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
أما قراره الدخولَ إلى سوريا لقمع الثورة ومساندة النظام فيختلف عن كل ما سبق، حيث يمثل ذلك أهم وأطول محطة في تاريخ حزب الله، استمرت بدون انقطاع أكثر من عشرة أعوام من الوجود والقتال المتواصل، دخل فيها الحزب لقمع ثورة شعبية بدأت سلمية ولم ترفع أي شعارٍ طائفي، وبدأ القتال ضدها حين كان المسلحون ضد النظام لا يتجاوزون مجموعات من أهل القرى والبلدات وبعض العسكريين المُنشقين، وقبل نشأة أي فصائل ذات طابع إسلامي، فضلاً عن تشيكل جبهة النصرة ومن ثم داعش. وكان الحزب منذ الأسابيع الأولى لدخوله يرفع شعاراً طائفياً، مثل رفع رايات الحسين، وحديث نصرالله “لن تُسبى زينب مرتين”، ووصفه لخصومه بكونهم تكفيريين.
هذه المسيرة في قمع الثورة السورية كانت من الأكثر توحشاً وعنفاً ودموية في التاريخ الحديث، راح ضحيتها قرابة نصف مليون إنسان، واعتُقل فيها مئات الآلاف، كثيرٌ منهم ماتوا تحت التعذيب، وتم تهجير أكثر من عشرة ملايين سوري بين لاجئ ونازح، وحوصرت فيها مدن لأشهر وسنوات، مات الناس فيها من القصف والجوع، وارتُكبت فيها مئات المجازر بالقتل المباشر للمدنيين والأطفال، وأُلقي فيها عشرات آلاف البراميل المتفجرة على رؤوس الناس. وكان حزب الله مشاركاً فاعلاً – إن لم يكن قائداً – في معظم هذه المجازر والانتهاكات، ولم تكن هذه المشاركة الطويلة للحزب في سوريا تجربةً ومرحلةً ندم عليها مثلاً، أو كان يفعلها أسفل الطاولة وتحت لافتة “الضرورة”، بل ما زالت قواته حتى اليوم موجودة في سوريا وتشارك في القصف وما يستجد من معارك.
واستمر الحزب يتباهى بكل أفعاله هناك، حتى أن نصرالله قال: لو تطلَّب الوضع الميداني أن أذهب بعباءتي للقتال في سوريا فسأفعل. وفي تأبين الحزب لقادته – الذين قتلهم القصف الصهيوني مؤخراً – كانوا يضعون دائماً في مسيرتهم “الجهادية” أنهم قادوا المعارك في سوريا و”في مختلف المحافظات” كما كانوا يكتبون، بل وتفاخر نصرالله بأن تدخُّل حزب الله في سوريا هو من منع النظام السوري من السقوط. وجديرٌ بالتذكير أن هذا النظام “المُقاوم” – الذي من أجل بقائه ارتُكبت أبشع مجازر القرن – لم يُصدر بياناً أو يسمح بخروج مظاهرة من خمسين شخصاً للتعبير عن التضامن مع ما يتعرض له لبنان والحزب من عدوان.
“ولكن الاحتلال الإسرائيلي هو من قتله”.. إذا كان المجد والشهادة وتبييض التاريخ يتم بمجرد اغتيال الصهاينة لأي أحد، فهل – وفق هذا المنطق – لو قصفت إسرائيل قصر المهاجرين في دمشق، وقتلت بشار الأسد، فسيكون أيضاً شهيداً وعلى طريق القدس لدى هؤلاء؟.. ثم ماذا عن بن لادن والزرقاوي والبغدادي الذين قتلهم القصف الأمريكي، فهل يجعلهم ذلك من الشهداء أيضاً؟.. وماذا عن اغتيال إسرائيل لإيلي حبيقة – سفاح صبرا وشاتيلا، وحليف حزب الله في انتخابات 1992 و1996 – فهل يُطهِّر ذلك شيئاً من سيرته القذرة؟
من حقك أن تقول في نصرالله ما تشاء، وتتحدث عن الكاريزما والخطيب الاستثنائي ومن قدم ابنه شهيداً في مقاومة الاحتلال، وتتجاهل كل تلك المرحلة الطويلة والسوداء المُتمثلة في قمع الثورة السورية ومساندة أبشع نظام قمعي عرفه العالم العربي، ولكن يجب أن تخجل من نفسك حينها ولا تتحدث عن الربيع العربي والحريات والديمقراطية ورفض الاستبداد، وتذكر أن وصف “الاستبداد” لا يعدو أن يكون مديحاً إذا ما أُطلق على نظام بشار الأسد الذي يقع في قعر جهنم وفي آخر بقعة من متاهة القتامة والسواد والبشاعة والتوحش في هذا العالم البائس.
وتذكر أن الشرف والمجد والبطولة والشهادة لصيقة بالأفعال والمواقف لا الكلام والخطابات، وأن كلَ شرفٍ يزول ويبلى ويتلاشى إذا قرر صاحبه أن يخوض في الوحل، وأن يرتدي خوذة المجرمين ويشاركهم معارك سحق الشعوب، وارتكاب الموبقات.