حرية برس – خاص:
تعيش منطقة الشمال السوري توترات مختلفة تبدو معها كأنها على مفترق طرق، فيما تشهد العلاقات بين فصائل المعارضة السورية المسلحة توتراً أمنياً مجدداً، حيث فشلت القوة المشتركة في الضغط على الجبهة الشامية للتخلي عن لواء صقور الشمال الذي أعلنت مؤخراً انضمامه لها، بعدما أصدر ما يسمى “بالجيش الوطني السوري” قراراً بحل اللواء الذي رفض بالمقابل التخلي عن سلاحه وعتاده.
وقد ظهرت هذه الخلافات إلى العلن بعد قرار من الحكومة المؤقتة برئاسة “عبد الرحمن مصطفى” فتح معبر أبو زندين مع مناطق سيطرة نظام الأسد، وهو ما رفضته فصائل عدة تابعة للجبهة الشامية التي أعلنت في بيان لها وقف التعامل مع الحكومة المؤقتة.
بيان حل فصيل صقور الشمال
ففي الـ 17 من أيلول/سبتمبر الجاري، أصدرت وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة قراراً بحل فصيل “لواء الشمال”، ودمج القوى البشرية والمعدات اللوجستية التي يمتلكها ضمن مؤسسات وفصائل مختلفة في الجيش الوطني، بالإضافة إلى تكليف نائب وزير الدفاع العميد “عدنان الدياب”، قائداً عاماً خلال مرحلة الدمج مع فصائل أخرى، نيابةً عن القائد العام “حسن خيرية” التي قالت حينها إنه يعاني من أزمة صحية.
وبالرغم من الخلافات غير المعلنة أعربت الوزارة في بيانها عن امتنانها للفصيل وأنها تثمن تضحياته في محاولة لامتصاص غضب الفصيل وإيهام الشارع السوري في الشمال بتماسك الفصائل.
وزعمت الوزارة أن هذا القرار يأتي في إطار ما سمته “إعادة هيكلة الجيش الوطني السوري” و “وفق خطة إصلاحية شاملة مستمرة منذ عامين”.
الأمر الذي خلق حالة من الانقسام الفصائلي، حيث لم يقتصر ذلك على فصيل “لواء صقور الشمال”، فقد تواردت أنباء عدة أن الوزارة طلبت من فصائل أخرى حل نفسها والانضمام لما يسمى بـ”القوة المشتركة”، التي تتكون من “فرقة السلطان سليمان شاه” و”فرقة الحمزة” التابعتين للجيش الوطني السوري.
بيان اندماج الفصيل مع الجبهة الشامية
عقب بيان وزارة الدفاع سارع فصيل “صقور الشمال” لإعلان اندماجه ضمن “الجبهة الشامية” في اليوم ذاته، معلناً بذلك تمرده وعصيانه لقرار الوزارة في حله.
وأوضح “صقور الشمال” في بيان أن قرار اندماجه مع الجبهة الشامية يأتي بناء على “مقتضيات المصلحة العامة، وحرصاً على قوة صفوف الثورة السورية العظيمة، وانسجاماً مع ما وصفه بـ”رغبة الإخوة الأتراك في اختصار الفصائل الثورية”، مضيفاً إلى ذلك، “استجابة لرغبة المقاتلين ضمن الفصيل .. باستمرارهم في العمل في صفوف الثورة والتضحية في سبيلها”.
وكشفت مضامين البيان أن فصيل “صقور الشمال” أنه يرى في قرار قرار حله رضوخاً لرغبة الجانب التركي في إقصائه عسكرياً، بعد أن شارك في معركة درع الفرات التي أطلقتها تركيا ضد تنظيم داعش في عامي 2016 و2017، والتي خسر فيها الفصيل العشرات من مقاتليه.
وسبق للجانب التركي أن دفع باتجاه انضمام لواء صقور الشمال إلى فرقة السلطان مراد بقيادة التركماني فهيم عيسى وتسليم مقراته في منطقة عفرين إلى الفرقة التاسعة التابعة إلى فيلق الشام.
القوة المشتركة تحاصر مقرات “صقور الشمال”
“القوة المشتركة” التي تتكون من فصيلي “سليمان شاه” أو ما يسمى بـ”العمشات” و”فرقة الحمزة” أو ما يسمى بـ”الحمزات”، اعتبرت قرار فصيل صقور الشمال تمرداً على القيادة العسكرية، وسارعت إلى استقدام تعزيزات عسكرية ومحاصرة مقرات فصيل “لواء صقور الشمال” بغية الضغط على قيادته لإعلان استسلامهم والرضوخ لقرار القيادة العسكرية بحل نفسه.
ومن الجانب الآخر، اجتمع مسؤولون أتراك مع ممثلين عن الجبهة الشامية للوصول إلى اتفاق يضمن حل الفصيل بشكل نهائي، وهو مارفضته الجبهة، ليتم عقد اجتماع آخر يوم أمس السبت في منطقة حوار كلس في اعزاز، والذي انتهى بتجديد الجبهة رفضها.
وقد تصاعد التوتر بعد هذا الاجتماع بين القوة المشتركة والجبهة الشامية التي استقدمت تعزيزات على محاور كفرجنة في منطقة عفرين، وبالمقابل أرسلت القوة المشتركة تعزيزات عسكرية إلى محاورها مع الجبهة الشامية، وتزامن ذلك مع إغلاق الطرق بين الجانبين، وعلى وجه الخصوص طريق اعزاز-عفرين.
وتصاعد تبادل الاتهامات بين القوة المشتركة والجبهة الشامية على مواقع التواصل الاجتماعي، حول ارتكاب عمليات فساد وانتهاكات للجانبين، وتأليب الشارع السوري ضد الحكومة المؤقتة من جانب الجبهة.
وهو ما فسره نشطاء وقادة في فصائل المعارضة السوري بأنه بدايات اقتتال بين الفصائل ربما لن يصب في مصلحة الجانب التركي في ضبط المنطقة في سبيل تمهيد اتفاقه مع نظام الأسد، وسط تكهنات بوقوف هيئة تحرير الشام إلى جانب القوة المشتركة.
إعلان الجبهة الشامية تجميد التعاون مع الحكومة المؤقتة
وكانت الجبهة الشامية قد أعلنت تجميد التعاون مع الحكومة المؤقتة في الرابع من الشهر الجاري، على خلفية ما وصفته بـ”الإساءة” من قبل رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى بشكل متعمد إلى “بعض الجهات الثورية ومنها فصائل الشرقية”، خلال اجتماع الجانب التركي مع الفصائل في الثالث من أيلول/سبتمبر الجاري، مشيرة إلى أنه عزز “رواية الأعداء المغرضة عنهم باتهامهم بالتخريب والإرهاب”.
وأضافت الجبهة أن رئيس الحكومة المؤقتة خصها “بسيل من الافتراءات السياسية والجنائية، واختلاق الجرائم بحقها. محاولاً تشويه صورتها أمام المسؤولين الأتراك لمصلحته الخاصة”.
وأوضحت الشامية في بيانها أن هجوم مصطفى عليها يعود إلى اقتراح الجبهة الشامية خطة عمل “تستجيب لمطالب الشعب في الإصلاح والتغيير”، وفق ما زعم البيان. فضلاً عن تصويره الحراك الشعبي واحتجاجات الناشطين الثوريين على أنه “مؤامرة تخريبية على حكومته وانقلاب عليها”، الأمر الذي دفعها إلى إسقاط الشرعية عن الحكومة المؤقتة وتجميد تعاونها معها إلى حين تشكيل حكومة “رشيدة ترقى إلى شرف تمثيل الشعب السوري الحر وثورته العظيمة”.
ولاحقاً أعلنت الجبهة الشامية ضم فصيل لواء صقور الشمال إلى صفوفها، وهو الأمر الذي رأت فيه الحكومة المؤقتة تحدياً لقراراتها.
بناء مؤسسة عسكرية متوافقة مع الموقف التركي من النظام
ويشير ناشطون سوريون، إعلاميين وعسكريين، إلى ان هذا الانقسام بين فصائل الشمال السوري، سببه رغبة الجانب التركي بتشكيل جسم عسكري أكثر مرونة ومطواعية يتوافق مع المرحلة المقبلة، والتي تمهد إلى تطبيع العلاقات التركية مع نظام الأسد، وما سبق ذلك من فتح معبر أبو زندين شرق حلب في حزيران/يونيو الماضي، مع مناطق سيطرة نظام الأسد، يؤكد هذا التوجه التركي، وهو ما أثار حفيظة عدد من الفصائل التي اعترضت على هذا القرار، الذي قوبل بموجة من الاحتجاجات والغضب الشعبي، حيث اعتبرت الفعاليات المدنية والثورية أن فتح المعبر هو تنازل عن مبادئ الثورة وخيانة لدماء الشهداء وتصب في مصلحة تركيا فقط في إعادة علاقاتها مع النظام، وسط مخاوف حول مصير الشمال السوري في حال تم ذلك.
الانتهاكات
ورغم رغبتها في بناء جسم عسكري جديد وإعادة هيكلة الجيش الوطني السوري، إلا أن تركيا لا تزال متمسكة بدعم عدد من الفصائل التي أثبتت تقارير عديدة لجهات حقوقية دولية ارتكابها لانتهاكات حقوق الإنسان ضمن مناطق سيطرتها، والتي كان آخرها تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، الصادر في آب/أغسطس الماضي، والذي أدان الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني وفصيلي “سليمان شاه” وفرقة السلطان مراد” لارتكابهم انتهاكات من اعتقال التعسفي وتعذيب وإخفاء قسري، بالإضافة إلى عمليات العنف والابتزاز المالي ومصادرة الممتلكات بالقوة.
وتوصل التقرير إلى أن الشرطة العسكرية وكل من الفصائل: فرقة سليمان شاه، وفرقة السلطان مراد، والجبهة الشامية، قد “حرمت الأفراد من حريتهم تعسفاً، واحتجزت المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي، وبعضهم بطريقة ترقى إلى مستوى الاحتفاء القسري، كما ارتكب أعضاء الجيش الوطني السوري التعذيب والمعاملة القاسية والاغتصاب، وهو ما قد يرقى إلى جرائم حرب”.
الموقف الشعبي
في ظل تصاعد التوتر بين فصائل المعارضة المسلحة يثور التساؤل حول مدى قدرة الحراك الشعبي على فرض كلمته وقوته على الأرض، حيث خرجت تظاهرة اليوم الأحد، في مدينة عفرين وأخرى أمام مقر وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة في بلدة كفرجنة، رفضاً لأي اقتتال محتمل من شأنه أن يراق خلال الدم السوري، وطالب الحراك بتوجيه السلاح إلى الجبهات مع قوات النظام.
كما سبق هذا التحرك تظاهرات أخرى خلال الأيام الماضية، في كل من كفرجنة ومدن اعزاز وعفرين والباب وغيرها من مناطق ريف حلب، والتي طالبت باستعادة القرار العسكري، وتأكيداً لموقفها الرافض للتطبيع مع نظام الأسد ومطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة.
وما أشعل فتيل هذه التظاهرات هو اعتداء فصيل “العمشات” على مظاهرة نسائية في قرية ياخور “كاخرة” بمنطقة عفرين، والذي أدى إلى إصابة عدد من المتظاهرات، وهو ما أغضب الأهالي والفعاليات الثورية.
وتشير التوترات الحالية إلى أن الحراك الشعبي الذي حافظ على سوية تماسك نسبية بمواجهة ما ترتكبه فصائل المعارضة من أخطاء وانتهاكات ضد السوريين في الشمال، سيكون بمواجهة استحقاق أكثر صعوبة مع توجه القيادة التركية نحو خطوات أكثر جدية بالتطبيع مع نظام الأسد، ما يهدد طموح الناشطين والسوريين في الشمال السوري بالحفاظ على وضع المنطقة في الشمال السوري بعيدة عن سطوة نظام الأسد، ومواصلة الحلم بتحقيق أهداف الثورة وصولاً إلى العدالة والمحاسبة عما ارتكب من انتهاكات بحق السوريين.
Sorry Comments are closed