بعد رحلة استغرقت قرابة يومين، تمكنت المسنة السورية أم محمد من لقاء ابنها في ريف إدلب شمال غربي سوريا، بعد فراق دام أكثر من 8 سنوات، إثر خروج الابن الشاب مع قوافل مقاتلي المعارضة الذين رفضوا التسوية مع نظام الأسد.
وكانت المسنة أم محمد انطلقت في رحلة من مدينة دوما في ريف دمشق، نحو مناطق سيطرة المعارضة السورية بالشمال السوري، بعد تنسيق دام أكثر من أسبوع مع مكتب تهريب في إدلب، قام بتنظيم عملية عبورها المحفوفة بالمخاطر.
ويروي ابنها محمد وهو مقاتل سابق في فصائل المعارضة، أن تكاليف الرحلة بلغت حوالي 500 دولار أميركي، تم دفعها إلى أحد العاملين في مكاتب نقل الركاب وتنظيم رحلاتهم بين مناطق سيطرة المعارضة والأخرى التابعة للنظام.
يقول محمد للجزيرة نت إن والدته اضطرت للسفر عبر طرق التهريب، منعا للمساءلة من الحواجز العسكرية التابعة للنظام السوري، والتي تنتشر بكثافة بالقرب من مناطق التماس بين المعارضة والنظام، سيما أن الشاب لديه سجل “فيش أمني” كمقاتل في صفوف المعارضة.
ويضيف أن والدته وصلت في حالة شبه مأساوية، كونها اضطرت للتنقل سيرا على الأقدام لمسافة لا تقل عن 3 كيلومترات، أصيبت خلالها بضيق في التنفس وحالة إغماء عدة مرات، قبل أن تنقل بحافلة خاصة بالمهربين إلى داخل ريف إدلب.
خطوط التهريب
وتنامت ظاهرة تهريب المسافرين بين مناطق السيطرة شمال سوريا، بالتزامن مع تراجع حدة الصراع العسكري وانتشار الحواجز العسكرية التي تحد من حركة عبور السوريين، إذ وثقت جهات حقوقية اعتقال سوريين من القوى العسكرية الفاعلة في الصراع.
وبين مناطق السيطرة الثلاث التابعة للمعارضة أو النظام أو المليشيات الكردية، يمر المسافرون بمعابر تفرض عمليات “التفييش” الأمني، بحثا عن المطلوبين، فيما يسلك المطلوبون طرق التهريب التي لا تخلو من المخاطر.
ويقوم بتنظيم رحلات المسافرين -سيما عبر خطوط التهريب- مكاتب تظهر بالعلن بأنها مكاتب سفر، فيما تمر عمليات تنسيق التهريب “من تحت الطاولة”.
وفي تجربة الشاب عبد الكريم الحلبي (اسم مستعار)، فقد خاض رحلة من مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام نحو الشمال السوري المحرر، بعد تبليغه من شعبة التجنيد، بضرورة الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية.
واضطر الحلبي لدفع مبلغ ألف دولار أميركي لمهرب قام بتسهيل عملية انتقاله عبر سيارة خاصة رفقة شخصين آخرين، مشيرا إلى أن الحواجز العسكرية لم تطلب بطاقته الشخصية طوال الطريق الذي استغرق حوالي 36 ساعة.
وقال الحلبي للجزيرة نت إنه انتقل من حلب نحو مناطق سيطرة مليشيا قوات سوريا الديمقراطية بريف حلب الشرقي، قبل الوصول إلى مدينة جرابلس التي تخضع لسيطرة المعارضة السورية، ومنها نحو إدلب.
ويشير الشاب إلى أن خوض طريق التهريب كان الخيار الوحيد له، بعد رفضه الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، التي يفر منها غالبية الشبان السوريين في مناطق سيطرة نظام الأسد.
المال مقابل العبور
وعلى عكس طرق التهريب، تنخفض تكاليف السفر عبر الطرق النظامية التي يلجأ إليها كبار السن والنساء ممن ليس لديهم عائق أمني قد يعرضهم للاعتقال من سلطات أمن نظام الأسد، إذ لا تتجاوز تكلفة الرحلة من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق المعارضة أكثر من 300 دولار أميركي.
ومع ذلك يتعرض المسافرون لعمليات ابتزاز من قبل حواجز “الفرقة الرابعة” التابع لقوات النظام، حيث يهدد عناصر الحاجز العابرين بالاعتقال وتلفيق التهم، مثل الانتقال إلى مناطق “الإرهابيين” أو وجود صلة قرابة مع المسلحين.
ويروي الشاب وحيد المعري (اسم مستعار) كيف أوقفه عناصر من قوات نظام الأسد قرب معبر “التايهة”، الذي يربط مناطق النظام بمناطق سيطرة مليشيا قوات سوريا الديمقراطية الكردية، بسبب تشابه اسمه مع شخص مطلوب للأجهزة الأمنية.
ويؤكد المعري أنه دفع مبلغ 500 دولار مقابل الإفراج عنه، رغم أنه لم يكن لديه نشاط عسكري أو مدني مناهض لنظام الأسد، لكن عناصر الحاجز وجدوا حالة التشابه فرصة لابتزازه ماليا مقابل إطلاق سراحه.
عذراً التعليقات مغلقة