اجتمع وزير الخارجية التركية مع وفد من المعارضة السياسية السورية، يوم الخميس، ضم رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض هادي البحرة ورئيس هيئة التفاوض بدر جاموس ورئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى وحضره عن الجانب التركي مسؤول الملف السوري في وزارة الخارجية مصطفى يوردا غول.
واطلعت «القدس العربي» على ورقة مكتوبة لأبرز نقاط الاجتماع جرى تداولها بين عدد قليل من أعضاء الائتلاف ولم يجر توزيعها على أعضاء الهيئة السياسية، وانقسم الحوار بين الجانبين إلى جزأين، الأول سياسي يتعلق بالوضع الدولي والإقليمي والسوري ونظرة تركيا لما يحصل، وجزء آخر خُصص لنقاش أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا وواقع الحوكمة ومؤسسات المعارضة السياسية والتنفيذية والعسكرية في شمال سوريا.
وفي الجانب السياسي، أكد الوزير لوفد المعارضة السورية تمسك بلاده بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015 الخاص بالحل السياسي في سوريا، مشيرا إلى وجود استعصاء في عملية تطبيق القرار الدولي وتحقيق الانتقال السياسي قائلا: «لا يوجد حل سياسي قريب» وطلب من البحرة وجاموس تقديم مقترحات وأفكار جديدة لتحريك العملية السياسية كونهم أصحاب القضية ويجب أن يحركوا المياه الراكدة ولا ينتظروا التوافقات الدولية.
وحول انفتاح أنقرة على النظام، برر الاستجابة التركية أنها «بسبب المطالبة الروسية المستمرة بالتقدم خطوة نحو دمشق» على اعتبار ان البلدين يرعيان مسار أستانة إلى جانب إيران. وشدد فيدان على أن الانفتاح على النظام «متعلق بمسألة الأمن القومي التركي وعودة اللاجئين وليس بهدف التطبيع». مذكرا بأن تركيا تعمل على «تخفيف الصراع وخلق بيئة آمنة رغم أن ملامحها لا تبدو واضحة حتى اليوم».
على الصعيد السياسي الدولي، عبر الوزير عن خشية بلاده وروسيا من حرب إسرائيلية غربية ضد إيران وهو ما يدفع إلى إعادة تموضع إقليمي جديد، موضحا أن أي عملية عسكرية ضد إيران ستغير وجه المنطقة وستؤثر على الأوضاع في سوريا وسيتراجع دور طهران في سوريا وينحسر دور أذرعها في الميدان. وهو ما يجعلنا نفكر في الطرف الذي يملأ الفراغ الحاصل وكيف نفعل ذلك.
وأعرب عن قلقه حيال صفقة كبرى سيتأثر بها العراق ولبنان واليمن وسوريا ومن غير المستبعد أن ترسم الصفقة خرائط جديدة.
وعن شرق سوريا، ألمح فيدان إلى أن أنقرة وجهت رسالة واضحة إلى واشنطن أنه في حال إجراء انتخابات في مناطق شرق سوريا التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني وأذرعه المحلية فإن رد أنقرة سيكون بعملية عسكرية كبيرة لأن ذلك تهديد غير مسبوق للأمن القومي التركي.
من جهة أخرى، أخذ الحديث عن العنصرية ضد اللاجئين السوريين وقتا غير قليل من كلام فيدان، وأخبر وفد المعارضة أن الحكومة اتخذت عدة قرارات متعلقة بالسوريين، حيث سيتم تغيير بطاقة الحماية المؤقتة التي يحملها السوريون وإصدار بطاقة بلاستيكية جديدة تشبه الإقامة السياحية وإقامة العمل وذلك بسبب الشكاوى التي تتلقاها إدارة الهجرة حول ذلك.
وبالفعل فإن بطاقة الحماية التركية الخاصة باللاجئين السوريين كبيرة الحجم مقارنة بباقي البطاقات الرسمية في تركيا والتي تشبه القياس الدولي للبطاقات الشخصية والبنكية حيث يبلغ طول بطاقة الحماية 13.5 سم وعرضها 9.5.
كما وعد فيدان بتسهيل موضوع تجديد الإقامات السياحية للسوريين ووضع قوانين جديدة تتعلق باستصدار إقامة العمل لهم وتسهيل الحصول على أذونات السفر، إذ يشكل إذن السفر ما يشبه الإقامة الجبرية للاجئين السوريين ويمنع تنقلهم وتواصل الأسر والأفراد الذين يقيمون في ولايات تركية مختلفة.
وتعهد الوزير بإعادة النظر بملف كل من جرى ترحيله من اللاجئين عن غير وجه حق، وطالب وفد المعارضة بإعداد قوائم بأسماء المرحلين دون مخالفة. وردا على الاتهامات حول ترحيل تركيا للسوريين بشكل قسري قال فيدان إن السلطات ستقوم في المستقبل القريب بتوثيق الراغبين بالعودة الطوعية من خلال تسجيل فيديو مصور وليس فقط الحصول على توقيعه الخطي.
وفي ختام اللقاء أشار الوزير إلى أن الخارجية ستعقد اجتماعا دوريا على مستوى نائب وزير الخارجية، نوح يلماز ورئيس الائتلاف وهيئة التفاوض والحكومة المؤقتة. وحث البحرة وجاموس على وضع تصورات ورؤى لإمكانية تحريك المسار السياسي.
في سياق منفصل، تجددت الفوضى في مدينة الباب التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية بريف حلب الشرقي حيث تحول شجار بين أحد سكان المدينة وأحد المهجرين إليها من مدينة دير الزور إلى بوادر اقتتال سكاني وأهلي، تبادلت الأطراف اتهامات واتهامات مضادة.
في السياق شنت فعاليات وتجمعات نقابية وأهلية هجوما غير مسبوق ضد الفصائل المسلحة التي وصفتها بـ «العصابات والميليشيات الإرهابية» واتهمتها أنها «تعبث بأمن مدينة آمنة، وتدهس حرمتها وكرامتها، وترهب سكانها في ظل تخاذل مؤسف من قبل المؤسسات الرسمية وفصائل من الجيش الوطني».
وحملت مسؤولية ما جرى في المدينة لفصيل «أحرار الشرقية» وقائده أبو حاتم شقرا، حيث شن الفصيل هجوماً على مدينة الباب «مستخدماً الأسلحة الثقيلة والخفيفة، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع وزيادة حدة العنف في المدينة».
وخلفت الاشتباكات قتيلا من أبناء دير الزور المهجرين والعامل في مؤسسة المياه وجرح عدد من المدنيين، وتدمير العديد من المباني والمنشآت الحيوية. كما أن العنف أجبر العديد من السكان على النزوح من منازلهم بحثاً عن الأمان، حسب ما ذكر بيان الفعاليات الثورية.
واستنكر البيان على مدنيين وعسكريين، مهجرين وقاطنين حمل السلاح والمشاركة في الفوضى. وفي تصعيد بالخطاب، طالب البيان الضامن التركي الممثل في القواعد العسكرية وجهاز الاستخبارات العامة الوقوف أمام مسؤولياته والتحرك بشكل عاجل ومباشر لإيقاف هذه المهزلة الحاصلة، ونقل وعوده السابقة لنا والمتعلقة بحفظ وبسط الأمن في المدينة من حيز التنظير إلى حيز التنفيذ. «يجب أن يتم الضرب بيد من حديد على جميع من شارك في تلك الجريمة، وتقديمهم للقضاء العسكري والمدني كلاً حسب تصنيفه».
ودعا البيان الجمعيات الحقوقية وأصحاب الشأن إلى «فتح التحقيقات اللازمة، وحشد الرأي العام ضد المجرمين الإرهابيين وتعريتهم، والعمل على الاقتصاص منهم في المحاكم المحلية». كما دعا «لإنقاذ المدنيين الآمنين من يد المجرمين وسلطات الأمر الواقع التي لطالما كرست تلك الفوضى لتحقيق مصالحها واعتباراتها الشخصية على حساب الدم السوري النازف من المدنيين الأبرياء».
واعتبرت الجهات الموقعة على البيان أنه بمثابة شكوى رسمية إلى المؤسسات القضائية باسم الفعاليات الثورية في مدينة الباب، و«نطالب باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمحاسبة فصيل أحرار الشرقية وقائده، وكل من تورط في هذه الهجمات، وتقديمهم للعدالة فوراً».
وصدر البيان عن مجلس وجهاء مدينة الباب ونقابة الصيادلة في المدينة والاتحاد العام لنقابات العمال وممثلي العشائر ومجلس ثوار مدينة الباب ونقابة الأطباء والمعلمين ونقابة المكاتب العقارية.
في المقابل استنكرت حركة التحرير والبناء الاتهامات ونفت نفيا قاطعا أي صلة لها بما حدث وأشارت إلى أنه لم يحصل أي تدخل عسكري من عناصرها أو من تشكيلاتها في الحادثة، وأوضحت أن الحادثة هي بين عائلتين من سكان مدينة الباب أحدهما من مهجري المنطقة الشرقية وهذا لا يبرر أن ترمى التهم جزافا وتحمل فصيل أحرار الشرقية مسؤولية ما حدث.
وطالبت الحركة المنضوية تحت قيادة الفيلق الأول في الجيش الوطني «الجهات التي أصدرت البيان بإعادة النظر في بيانها وليس الاعتماد على رواية أحد الأطراف المضللة دون الآخر».
وطالبت بلجنة تقصي حقائق لسبر أسباب الحادثة وملاحقة المسؤولين عنها وتسليمهم للعدالة لنيل الجزاء على أفعالهم التي يجرمها القانون
ودعت التحرير والبناء التي يقودها شقرا الوجهاء ومجلس ثوار مدينة الباب إلى تحمل مسؤولياتهم في نبذ الفتنة المناطقية والخطاب العنصري التحريضي والالتزام بالأعراف السورية العريقة التي تقتضي اعتبار كل شبر من سوريا لكل السوريين تحفظ فيه كرامتهم.
ان انفجار الأوضاع في مدينة الباب لا يمكن استبعاده من ترتيبات الأجواء لافتتاح معبر أبو الزندين مع النظام السوري، وقد تكون بعض الأطراف غير مدركة لحقيقة الترتيبات الجارية لكن بعضها الآخر يعلم ما يجري ومنهم من يسعى للاعتراض عليه في حين يبحث آخرون عن موطئ قدم لهم على المعبر المذكور.
ماذا دار في الاجتماع بين حقان فيدان والمعارضة السورية؟
فوضى الاقتتال تتجدد في مدينة الباب شمال شرقي حلب
منهل باريش
المصدر
القدس العربي
عذراً التعليقات مغلقة