يشتكي كثير من الأهالي في الشمال السوري، من ممارسات الشرطة العسكرية في مدينة عفرين شمال غربي حلب، واعتقالها لأشخاص وزجّهم في سجونها من دون الرجوع إلى القضاء، ولا يُفرج عنهم إلّا بعد دفع ذويهم مبالغ مالية، في عملية “ابتزاز” ممنهجة للحصول على المال.
وأوضح شهود عيان لـ موقع تلفزيون سوريا، أنَّ الشرطة العسكرية المتمركزة عند حاجز قريب من الحدود التركية، تعتقل كثيرا من الأشخاص بتهمة التهريب، ولا تُفرج عنهم حتى يدفع ذووهم المبلغ المطلوب، ويبقى المُعتقل دون محاكمة لمدة تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر، في حال لم يدفع، وعند تحويله إلى القضاء يصدر القاضي حكم براءة فيُفرج عنه، بينما الذي تثبت تهمته ويُحاكم، لا تحسب مدة توقيفه من زمن الحكم.
وأشاروا إلى أنَّهم عندما يراجعون المسؤولين عن فرع الشرطة العسكرية في عفرين، وهم: قائد الفرع أحمد كبصو ونائبه “أبو عبدو علولو”، أو مراجعة رئيس إدارة الشرطة العميد خالد الأسعد، ووزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة العقيد حسن حمادة، يُرجعون الأمر إلى جهاز المخابرات التركيّة، وعند التواصل مع مسؤولين أتراك هناك، يردّون بأنّ هذه “مواضيع غير أمنيّة، لا يتدخّلون بها”.
شكاوى من ذوي معتقلين
وردت إلى موقع تلفزيون سوريا شهادات من أقارب موقوفين في سجن الشرطة العسكرية، وقال أحد الشهود: “اعتقلت الشرطة العسكرية على حاجز مدينة عفرين اثنين من أقاربي كانا يقلّان بسيارتهما شخصين لا يحملان بطاقة تعريف صادرة عن مجالس محلية قدموا إلى المنطقة حديثاً، وذلك بتهمة التهريب”.
وأضاف الشاهد، أنَّ “محاولات الإفراج عن أقاربه منذ نحو شهرين لم تفلح بسبب طلب الشرطة العسكرية دفع مبلغ وقدره ألف دولار عن كلّ شخص، رغم أنَّ أحدهم كان مريضاً وتفاقمت حالته الصحية، حيث أصيب بالتهاب كلوي بسبب منعه من التبوّل إلا مرّتين في اليوم”.
وتابع: “السجن يشبه سجون النظام، فهو غير صحي وخالٍ من الأثاث، وعملية الاعتقال التعسفي على غرار قانون الطوارئ للنظام السوري”، مضيفاً أنّ “هناك ما لا يقل عن 200 محتجز بذات التهمة، أمّا بالنسبة لزيارتهم فهي تحتاج واسطة من مسؤول مهم”.
“إخفاء قسري ومخالفة للقانون”
تتحوّل عمليات الاعتقال التي تنفذها شرطة عفرين العسكرية في بعضها إلى حالات إخفاء قسري، ومن الشهادات التي وردت إلى موقع تلفزيون سوريا، أنَّ شاباً من دمشق ينقل -عبر دراجة نارية- ركاباً على خط عفرين – اعزاز في ريف حلب، اعتُقل مع راكب كانت لديه نيّة دخول تركيا، وذلك بتهمة نقل ركاب بدافع التهريب وحكمها سجن شهر مع دفع غرامة.
لكن الشاب اختفى وجرى البحث عنه في جميع الدوائر القضائية الرسمية من عفرين إلى اعزاز، وجميعهم أنكروا وجوده عندهم، حتى أقرّت الشرطة العسكرية في عفرين بوجوده بعد ضغط إعلامي ومرور عشرة أيام من اختفائه، ما يثير المخاوف لدى الأهالي في أثناء بحثهم عن أبنائهم.
وبحسب مصدر محلي لـ موقع تلفزيون سوريا، فإنَّ “الشرطة العسكرية تتعمّد إخفاء المعتقلين لديها حتى عن أعين القضاء، إذ تُحضر شخصاً بتهمة ما، وتبقيه لديها مدة قد تصل إلى ستة أشهر في محاولة للضغط على ذويه من أجل دفع مبالغ مالية، ومن ثم تعرضه على القضاء الذي يحكم عليه في حال ثبتت تهمته بمدة عقوبة التهمة التي اعتُقل من أجلها دون احتساب فترة توقيفه، وذلك في مخالفة للقانون الذي يحتسب مدة الحكم منذ لحظة توقيف المتهم”.
“محاولات انتحار”
لا يقتصر طول مدة التوقيف من غير قضاء على تهمة التهريب، بل أيضاً يشمل تهماً أخرى، ومن خطورة الأمر أنَّه أدّى مؤخراً إلى محاولة انتحار ثلاثة شبان معتقلين بتهمة تعاطي المخدّرات التي حكمها سجن ثلاثة أشهر، وذلك اعتراضاً على طول فترة احتجازهم من دون قضاء (أمضوا أربعة أشهر)، فأقدموا على طعنِ بطونهم بعلبة طعام معدنية، نُقلوا على إثرها إلى المستشفى سرّاً ثم أُعيدوا إلى السجن.
وبحسب المصادر، فإنّ الشرطة العسكرية في عفرين تتذرّع بأنّ “الموقوف يحتاج وقتاً في عملية التحقيق للاعتراف على أسماء إضافية”.
عمليات مكافحة التهريب
تواصل موقع تلفزيون سوريا مع رئيس فرع الشرطة العسكرية في عفرين، أحمد كبصو، لكنَّه اعتذر عن الإدلاء بتصريح صحفي، مكتفياً بالقول: إنَّ “دفع الغرامات يكون بموجب قرار رسمي من وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، الذي ينصّ على دفع غرامات مالية للمهرّبين بشكل عام (سائق أو ناقل أو مهرّب)”.
ولمعرفة مزيد من المعلومات الرسمية تواصلنا مع العميد خالد الأسعد مدير إدارة الشرطة العسكرية، لكنَّه أيضاً لم يعط تصريحاً، كذلك الأمر عند التواصل مع وزير الدفاع العقيد الطيار حسن حمادة، الذي وردتنا معلومات بزيارة وفد من الأهالي لتقديم شكوى رسمية إليه حول الأمر.
من جانبه، أوضح المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع لـ موقع تلفزيون سوريا أنَّ “الوزارة لم تصدر قراراً عن فرض غرامات مالية على المهرّبين، مرجعاً أمر صدور هكذا قرار إلى القضاء العسكري برئاسة العميد عرفات حمود، وإلى شرطة حرس الحدود”.
ووفقاً لما نشرت معرفات وزارة الدفاع، فإنَّ قيادة ألوية حرس الحدود لمنع العبور غير الشرعي من مناطق سيطرة النظام السوري و”قوات سوريا الديمقراطية – قسد” إلى مناطق سيطرة الحكومة المؤقتة وتركيا، تدخّلت فيما يقارب 35 ألف نقطة عبور غير شرعية، منذ تأسيسها العام الفائت.
في هذا السياق أفادت مصادر في الجيش الوطني السوري لـ موقع تلفزيون سوريا بأنَّ دور حرس الحدود يتقاطع مع فروع الشرطة العسكرية في ريف حلب وريفي الرقة والحسكة، ومهمة الحرس “وقف التهريب بشكل كامل سواء من خط الجبهات مع النظام وقسد أو باتجاه تركيا”، مشيرةً إلى أنَّ عمليات ضبط التهريب ملف مفتوح منذ قرابة 6 أشهر، وهو يطبّق تدريجياً على غرار ملف مكافحة المخدرات.
وقالت المصادر إنَّ الغرامات المالية وُضعت قيمتها كبيرة للحدّ من عمليات التهريب، والحواجز بدورها تسلّم المهرّب لأمنية الحدود والشرطة العسكرية، وتتقاضى جزءاً من الغرامة التي فُرضت رسمياً، وفق الآتي:
- الراكب، يدفع غرامة من 1000 إلى 1500 ليرة تركية، ويُخلى سبيله بعد عملية التفييش الأمنية.
- السائق، يدفع غرامة 500 دولار ويُخلى سبيله بعد عملية التفييش الأمنية.
- ناقل الركاب، يدفع غرامة 1000 دولار، وتحتجز سيارته ثم يحوّل إلى القضاء بعد مضي شهر من التوقيف.
- المهرّب يدفع غرامة 1500 دولار ثم يُحوّل إلى القضاء بعد مضي ثلاثة أشهر من توقيفه قبل تحويله إلى القضاء، وتتضاعف الغرامة إلى 5000 آلاف دولار وسجن 6 أشهر حال تكررت العملية مرة ثانية.
أمَّا عن بيانات المحتجزين فتُرفع إلى الجانب التركي لـ”تفييش” الاسم إن كان عليه شبهة أمنية، وبالنسبة لتوقيف النساء عندما يكون لديها كفيل، فهي تبيت عنده لحين انتهاء عملية “تفييش” معلوماتها، وقد أُنشئ سجن خاص بالنساء تشرف عليه امرأة في فرع ناحية بلبل بريف عفرين، وفق المصادر.
الوضع القانوني لتوقيف المتهمين
يؤكّد المحامي عبد العزيز درويش -مدير المركز الوطني للعدالة- لـ موقع تلفزيون سوريا، أنَّه لا يجوز توقيف أو احتجاز أي شخص خلافاً لأحكام القانون لأنَّ القاعدة الدستورية تنصّ على أنَّ:
- كلّ متهم بريء حتى يُدان بحكم قضائي مبرم.
- لا يجوز تحرّي أحد أو توقيفه إلاّ وفقاً للقانون.
- قرينة البراءة تقضي بأنَّ المدّعى عليه بريء، وهذه القرينة ترافقه حتى نهاية الدعوى.
أمَّا بالنسبة لأحكام الاحتجاز والتوقيف الاحتياطي في القانون السوري، فقد أفرد لها المشرّع أحكاماً خاصة في قانون أصول المحاكمات الجزائية، حيث نصَّت المادة /6/ منه على أنَّ: “موظفي الضابطة العدلية مكلّفون باستقصاء الجرائم وجمع أدلتها والقبض على فاعليها، وإحالتهم إلى المحاكم الموكل إليها أمر معاقبتهم”.
وأضاف المحامي “درويش” أنَّ المادة /37/ من القانون أعطت للنائب العام سلطة التوقيف في حالة الجرم المشهود لكلّ شخص من الحضور إذا كان الجرم جنائياً في حال وجود قرائن قوية تدلّ على أنَّه مرتكب الجرم، وإذا لم يكن حاضراً فله إصدار مذكرة إحضار بحقه.
أمَّا المادة /102/ فقد منحت قاضي التحقيق سلطة التوقيف بعد استجواب المتهم إذا وجد أنَّ الجرم المسند إليه جناية أو جنحة، وبالتالي لا يجوز التوقيف خارج سلطة القضاء، التي تختصّ بها الضابطة العدلية، الممثّلة بالنائب العام ووكلائه ومعاونيه وقضاة التحقيق والصلح، ويساعدهم المحافظون ومؤسسات الشرطة والأمن.
يشار إلى أنَّ ناشطين طالبوا مؤخراً الشرطة العسكرية في عفرين، بتحويل حمزة بارود المنحدر من مدينة حلب إلى القضاء لمعرفة مصيره والبت في قضيته ومحاكمته إذا كنت عليها قضايا فساد، حيث يستمر اعتقاله منذ عام وشهر من دون تهمة واضحة، رغم أنّ أهله دفعوا مبالغ كبيرة من أجل إخراجه، لكن دون جدوى.
Sorry Comments are closed