- بدر الراشد
شهدت مدينة نيويورك الأميركية قبل أيام اجتماعاً تطبيعياً عربياً-إسرائيلياً، شارك فيه مسؤولون حكوميون من الإمارات والبحرين، وأكاديميون من السعودية ولبنان، جنباً إلى جنب مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني، والدبلوماسي الإسرائيلي ميخائيل أورين، وبرعاية منظمة “متحدون ضد إيران نووية” التي لا تخفي محاباتها لإسرائيل في مقاربتها للأوضاع في المنطقة. شارك في المؤتمر الذي عُقد الاثنين الماضي، من الجانب العربي، السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، والدبلوماسية البحرينية هيا بن راشد آل خليفة، والباحث السعودي محمد خالد اليحيى، واللبناني طوني بدران.
وحمل المؤتمر التطبيعي لافتة عداوة إيران، ليبرر جمع المسؤولين الإماراتيين والبحرينيين مع الإسرائيليين، وجاء برعاية منظمة “متحدون ضد إيران نووية”، والتي ساهم في إنشائها دبلوماسيون أميركيون لا يخفون انحيازهم لإسرائيل، مثل مارك والاس ودينيس روس، وآخرون عُرفوا بتوجهاتهم العدائية ضد العرب، ومهاجمتهم المتكررة للسعودية، منهم الرئيس الأسبق للاستخبارات الأميركية جيمس وولسي. كما شارك في تأسيس المنظمة الدبلوماسي الأميركي الراحل ريتشارد هولبروك.
بدأ المؤتمر بمحاضرة للسفير الإماراتي يوسف العتيبة، تحدث خلالها عن وجهة نظر الإمارات في الاتفاق النووي، بعد عام على إقراره، وقدّم للجلسة مارك والاس. ثم كانت الجلسة الثانية عن السوق الإيرانية، من ناحية اقتصادية، ثم تحدثت ليفني، جنباً إلى جنب مع الشيخة هيا آل خليفة، مع الدبلوماسي والصحافي البولندي رادوسلاف سيكورسكي، حول ما إذا كانت إيران قد غيّرت سلوكياتها في المنطقة بعد الاتفاق النووي. وكانت مشاركة محمد اليحيى، وطوني بدران، في جلسة حول دور إيران في زعزعة استقرار المنطقة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تخطو فيها الإمارات خطوات تطبيعية رسمية مع الكيان الصهيوني، إذ سبق وشاركت قوات إماراتية جنباً إلى جنب مع القوات الإسرائيلية والباكستانية والأميركية، في مناورة عسكرية مشتركة في الولايات المتحدة الأميركية، في أغسطس/آب الماضي.
منظمة منحازة لإسرائيل
“ |
تقول منظمة “متحدون ضد إيران نووية” إنها منظمة “غير ربحية، غير حزبية” وإن هدفها هو “منع إيران من تحقيق طموحاتها لحيازة أسلحة نووية”. أسسها في العام 2008 مارك والاس، بمشاركة ريتشارد هولبروك وجيمس وولسي ودينيس روس. لكن المنظمة فشلت في إظهار نفسها كمنظمة “غير حزبية” مع إدارة مارك والاس لها، وهو الذي عمل في إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، المقرب من “المحافظين الجدد”. كما أن المنظمة مجيّرة بصورة كاملة لصالح إسرائيل، الأمر الذي يتضح جلياً من الوهلة الأولى لخطابها، الذي يرفض أن تمتلك إيران أسلحة نووية، لمنع حدوث “سباق تسلح نووي في المنطقة”، لكن هذا الخطاب يستثني تماماً الحديث عن قوة نووية أخرى في المنطقة، هي إسرائيل.
يكتب مارك والاس، بصورة صريحة، أن أهم أسباب الوقوف ضد طموحات إيران النووية، هو “إيقاف دعمها لمنظمة حماس الإرهابية” على حد تعبيره. فهو لا يتحدث عن تدخّلات إيران في المنطقة، من العراق إلى سورية واليمن ولبنان، بل يرى الأمر من منظور صهيوني بحت، يحاول التفكير بالمنطقة لتكون “أفضل ما يمكن” بالنسبة لإسرائيل، ويرى أن “أهم خطايا إيران” هي دعمها لحركة “حماس”. ويضيف والاس، في سياق حديثه عن أهمية مقاطعة الشركات التي تعمل مع إيران لمحاصرتها اقتصادياً، أن امتلاك إيران لسلاح نووي، سيجعل “مصر والسعودية وتركيا، وربما دولا أخرى في الإقليم المضطرب، تسعى إلى حيازة أسلحة نووية، لردع إيران”.
الخوف من سباق تسلح نووي في المنطقة، يستثني إسرائيل بهذا الصورة المباشرة، ليس الغرض منه “وقف انتشار السلاح النووي”، بل يهدف بصورة مباشرة إلى ضمان أمن إسرائيل لتكون القوة النووية الوحيدة في الإقليم. ومن دون الحديث عن نزع سلاح إسرائيل النووي، والتوصل إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وهو التوجه المعلن والمجمع عليه خليجياً، يصبح الحديث عن إيران نووية، وهي خطرة على الرغم من عدم حيازتها على السلاح حتى الآن، وتجاهل إسرائيل النووية، وهي واقع مدمر في المنطقة، انحيازاً سافراً للصهاينة. كما أن والاس لا يخفي انحيازه لاعتبار إسرائيل “دولة يهودية” بكل ما يتضمنه الوصف من عنصرية وإقصاء للعرب في فلسطين المحتلة. فيستخدم وصف “دولة يهودية” في كتابته كأمر مفروغ منه.
كذلك فإن أحد مؤسسي المنظمة المنتمي إلى الحزب الديمقراطي والرئيس السابق للاستخبارات الأميركية جيمس وولسي، لا يخفي توجهاته المعادية للعرب واعتباره إسرائيل “ديمقراطية وحيدة” في المنطقة، وتجاهل الجرائم الإسرائيلية، بل تبنيه أفكاراً عنصرية ضد العرب، واستشهاده المتكرر ببرنارد لويس في رؤيته للعالم العربي والإسلامي. يدعو وولسي إلى التضييق على السعودية بكل الطرق الممكنة، لوقف ما يسميه “نشر الوهابية”، وأهم هذه الطرق الاستغناء عن النفط. فهو يرى أن دول الخليج لا تملك إلا النفط الذي يجب أن يفقد تأثيره عالمياً، وهذا لن يحدث إلا باستغناء دول العالم عن النفط، كمصدر أساسي للطاقة، والبحث عن بدائل غير نفطية، الأمر الذي يرى فيه وولسي طريقاً آخر لتغيير المنطقة. وعلى غرار مارك والاس، يتجاهل وولسي إسرائيل، وسياساتها العدائية في المنطقة، ويرى المنطقة باعتبارها أرضاً غير آمنة، ويجب محاصرة كل أعداء إسرائيل فيها، عربا وإيرانيين.
أما السفير والأكاديمي الأميركي البارز دينيس روس، والذي يُقدَم باعتباره أهم المتخصصين في الشرق الأوسط، فلا يخفي مركزية “أمن إسرائيل” في مقاربته للاتفاق النووي الإيراني. يضع روس، بحسب محاضرة حول الاتفاق النووي مع إيران في 21 سبتمبر/أيلول 2015، ضمن مقترحاته لمواجهة خطر امتلاك إيران أسلحة نووية، اقتراح إعطاء إسرائيل أسلحة أميركية قادرة على اختراق المواقع المحصنة، بل منح إسرائيل طائرات قادرة على حمل هذه القنابل، والتي تزن الواحدة منها، ما يقارب 14 طناً.
ويطرح روس مقاربات عدة لمواجهة خطر إيران المستقبلي، عند انتهاء صلاحية الاتفاق النووي بعد 15 عاماً، كلها ترتكز إما على حرب أميركية-إيرانية، أو تسليح عالي المستوى وتنسيق شامل مع إسرائيل لمواجهة طموحات إيران النووية. وعلى غرار طروحات والاس وولسي، لا يضع روس أي اعتبار أو دور للعرب في منطقتهم، فالأزمة هي لحفظ أمن إسرائيل، ولا شيء غير ذلك، وإن ذكر بصورة عابرة أن إيران تدعم المليشيات في العراق، في سياق حديثه عن مخاطر دعم إيران لحركة “حماس” و”حزب الله” على الأمن الإسرائيلي.
إيران مدخل للتطبيع
منذ تنامي حدة التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، في العراق وسورية واليمن، بات استخدام ورقة إسرائيل دارجاً، أكان في المعسكر الحليف لإيران، أم المناوئ لها، في محاولة لفرض مواقف متطابقة مع إيران أو منحازة لإسرائيل وإلغاء إمكانية عداوة الدولتين معاً.
فما يُعرف بـ”محور الممانعة”، ممثلاً بالنظام السوري وحزب الله، اعتبر أن مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، ودعمها المليشيات في العراق وسورية واليمن، هو عمل لصالح إسرائيل. فقام بوصف أي انتقاد لإيران باعتباره عملاً لصالح الصهاينة، وأصبح الخضوع للنظام الإيراني هو الخيار الوحيد أمام رافضي إسرائيل.
“ |
في المقابل، ظهرت أصوات عربية تطرح فكرة مناقضة للارتماء في أحضان إيران، وهي التعاون مع الكيان الصهيوني لمواجهة طموحات طهران التوسعية. ويُعتبر اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي، أبرز هذه الأسماء المتبنية لهذه الفكرة. وقام عشقي بكيل المديح إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باعتباره رجلاً “عقلانياً”. ثم قام بزيارة إلى فلسطين المحتلة والتقى بالدبلوماسي الصهيوني دوري غولد، في خطوة اعتبرها عشقي “ترويجاً لمبادرة عربية”، بينما لا يمكن رؤيتها إلا كخطوة تطبيعية تجاه عدو محتل لأراضٍ عربية.
ويُعتبر عشقي من المروجين للفكرة التي يقوم عليها مؤتمر “الخطر الإيراني” في نيويورك، باعتبار أن أهمية التحالف مع إسرائيل تنبع من خطورة أطماع إيران التوسعية في المنطقة، الرؤية التي تتجاهل الأطماع التوسعية الإسرائيلية واحتلالها أراضي عربية وامتلاكها أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل. وأثير الكثير من الجدل حيال زيارة عشقي إلى فلسطين المحتلة، في الوقت الذي تمسكت فيه وزارة الخارجية السعودية، ببيان سابق كانت قد أصدرته منذ ما يقارب السنة عندما بثّت قناة إسرائيلية لقاء مع عشقي، وقالت الخارجية السعودية فيه إن عشقي لا يحمل أي صفة حكومية ولا يمثّل رأي الحكومة السعودية.
- نقلاً عن العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة