“ميزان الضعف” السوري وفرصة التغيير

مروان قبلان20 سبتمبر 2023آخر تحديث :
“ميزان الضعف” السوري وفرصة التغيير

منذ انفجار الثورة في مارس/ آذار 2011، لم يبد الوضع السوري غامضًا، هشًّا، ومفتوحًا على كل الاحتمالات كما اليوم، وكلما ازداد الوضع غموضًا تعذّرت القدرة على فهمه وتقييمه، واستندت التحليلات الرائجة بشأنه إلى مقولات تبسيطية، أحيانًا رغبوية، وأحيانًا غيبية. كل السوريين في هذا الوضع سواء، موالاة ومعارضة وما بينهما، لا أحد يملك فعلًا ما يساعد في فهم تطورات الأزمة واتجاهاتها المستقبلية، لا محليًا ولا إقليميًا، وبالتأكيد ليس دوليًا. هذا يتحدّث عن حشود أميركية في الشرق لإغلاق الحدود مع العراق، وذاك يقول بإنشاء منطقة حظر طيران في الجنوب، وثالث ينادي بوجود خطّة أردنية لإنشاء منطقة آمنة في درعا، ورابع يبني سيناريوهات على اتصال مُشرّع أميركي بأحد شيوخ العقل في السويداء. على الطرف الآخر، يجري الحديث عن انتفاضة العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) باعتبارها نقطة البداية لإخراج الأميركيين من شرق الفرات، وآخر يتحدّث بثقة عن انفراجة كبيرة قادمة في العلاقات مع الدول العربية، كتأثير جانبي “للمصالحة” السعودية – الإيرانية، وثالث تتنامى لديه الأوهام المرتبطة بصعود قوة الصين ومحورها، بالتزامن مع زيارة رئيس كوريا الشمالية روسيا، إلى غيره من كلام. رغم ذلك، يبقى الوضع على الأرض قائمًا والجمود مستمرًّا من دون تغيير منذ عام 2018، عندما ارتسمت خطوط التماسّ ومناطق النفوذ على الأرض بشكلها الراهن. لكن الأمل ظلّ يحدو الجميع بحصول شيءٍ ما، أو ظهور فرصة، تفتح ثغرة في جدار الأزمة الأصم.

حصلت، في فبراير/ شباط الماضي، كارثة طبيعية جاءت على شكل زلزال ضرب مناطق الشمال الغربي (إدلب وحلب)، وبدا وكأنها يمكن أن تحرّك مياه الأزمة الساكنة، وتشكّل فرصة حقيقية للتحرّك نحو حلّ، مع علوّ حالة الحسّ الإنساني في التعاطف مع ضحايا الزلزال، تمكّنت لأول مرة من عبور خطوط الانقسام السياسي. حاول العرب استغلال كارثة الزلزال لطيّ صفحة غيابهم الطويل عن المشهد السوري، فتقاطر بعض مسؤوليهم إلى دمشق للتعبير عن التعاطف و”لجسّ النبض” حول إمكانية تجاوب النظام مع أفكار تسمح بالتقدم نحو حلّ، في ظروف انهيار اقتصادي شامل، زادته سوءًا أزمة المصارف اللبنانية عام 2019، وإعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران في العام نفسه، ثم انتشار وباء كورونا (2020-2021)، ودخول روسيا في مستنقع أوكرانيا (2022). طرح العرب، بناء عليه، مبادرة عرفت باسم “خطوة مقابل خطوة”، لتشجيع النظام على القبول بحلّ سياسي، بدأ على أثره “هجوم دبلوماسي” عربي اتجاهه، وأسفر عن عودته لشغل مقعد سورية في جامعة الدول العربية في قمّتها في جدة في مايو/ أيار الماضي. لكن هذا كان أقصى ما توصّلت اليه المحاولة العربية، إذ فسّر النظام كعادته التقارب العربي ضعفًا واستسلامًا لإرادته. ومع فشل الرهان على سقوط أردوغان في الانتخابات التركية التي حصلت في الشهر نفسه، وتزايد الضغط الإيراني لاستيفاء الديون المقدّرة ب 50 مليار دولار، وإشاحة الروس بوجههم بعيدًا، وخيبة الأمل بوصول مساعدات عربية مجانية، أخذ وضع النظام يتخلخل، وبدأت الأصوات المعارضة تعلو من داخل معسكره، قبل أن تنفجر احتجاجات السويداء، ليدخل النظام على الأثر في دوّامة من الأزمات العصية على الحل.

مؤسّسات المعارضة، وفي مقدمتها الائتلاف، كانت تعاني، هي الأخرى، من أزمات متعدّدة، أبرزها الشعور بالتهميش المطلق، وفقدان صفة التمثيل، والقدرة على التأثير، وترسّخ الانطباع عنها بأنها صارت، مثل “فصائل الجيش الوطني”، ملحقة كليًا بالسياسة التركية، خصوصًا عندما فشلت في اتخاذ موقف واضح بخصوص أزمة ترحيل اللاجئين السوريين في تركيا، وأخيرًا انشغال أعضائها بالتناوب على المناصب والصراع على امتيازات فارغة. جعلها هذا كله غير قادرة على اغتنام فرصة تخلخل معسكر النظام، وظهور ما بدا وكأنه إجماع وطني سوري على التغيير. أدّى هذا الوضع إلى نشوء “ميزان ضعف” بين النظام والمعارضة، فيما بدأ الشارع السوري في الداخل يتجاوز الطرفين، ومعهما انقساماته السياسية والمذهبية. وهذا هو التطوّر المهم الذي ينبغي الرهان عليه للخروج من حالة الانسداد القائم، والذي قد يكتسب زخمًا كبيرًا باتجاه التغيير، إذا وجد جسم سياسي قادر على الاستثمار فيه، بدلًا من استجداء خلاصٍ لن يأتي من الخارج.

المصدر العربي الجديد
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل