تعقيباً على فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على فصيلي “لواء سليمان شاه” ممثلاً بقائده محمد حسين الجاسم الملقب بـ(أبو عمشة) وشقيقه الأصغر وليد حسين الجاسم، و”فرقة الحمزة” ممثلة بقائدها سيف بولاد الملقب بـ(أبو بكر) لضلوعهما في “ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد السوريين”. تلاها مظاهرة مؤيدة لأبي عمشة ضد القرار، قدّم المعارض السوري المقيم في السويد، د. كمال اللبواني، فيديو بعنوان “مظاهرات ضد العقوبات” سرد فيه ما أسماه “تاريخ أبو عمشة نموذج للدراسة”.
سردية “اللبواني” المنشورة في 21 الشهر الماضي، تضمنَّت جملة من الادعاءات والافتراءات على ضحايا وثوار مدينة حمص، وتحديداً المجازر الطائفية التي ارتكبها الأمن العسكري وشبيحة الأسد في حي كرم الزيتون على مراحل، ما قد يؤدي بشكل أو بآخر إلى تشويه تاريخ سُطّر بدماء أبناء الثورة، ومساواة الضحية مع الجلاد، وفي هذا التقرير نقدّم دحض الادعاءات بالأدلة والشهود.
الادعاء الأول:
ادّعى كمال اللبواني في تسجيله أنَّ ثلاثة قادة من الثوار في حي كرم الزيتون كانوا على ارتباط بالمخابرات الأسدية أحدهم “أبو عمشة”، قائلاً: “بداية الحرب الأهلية في سوريا صار الجيش النظامي يخطف ويقتل مدنيين، والثوار يخطفوا مدنيين (علويين) ويطلبون فدية، وذلك بإمرة (محمد الجاسم أبو عمشة وعبد الله العباس وموسى الجن)، حيث تركوا المدنيين السنَّة يُقتلون بمجزرة كرم الزيتون دون حماية، وانتقموا من العلويين المدنيين”.
دحض الادعاء:
الشخصية الأولى: محمد الجاسم من مواليد قرية “عمرين” بريف حماة الشمالي عام 1985، ويلقّب بـ”أبو عمشة” نسبة إلى والدته، لم يدخل مدينة حمص ولم يشارك بأيّ عملية عسكرية خلال وجود الثوار في حي كرم الزيتون أو بأي حيّ آخر، كان عمله ضمن قريته فقط سائق جرار زراعي وفي نهاية العام 2011 شكّل فصيلاً باسم “لواء خط النار” مع عدد من أبناء عشيرته “بني جميل”. حسبما شهد عدد من ثوار وإعلاميي كرم الزيتون وأحياء حمص.
الشخصية الثانية: عبد الله العباس، الملقب بـ”العبيس” هو أحد أبناء حي كرم الزيتون، قُتل في جبهة حي القرابيص خلال تصديه لميليشيات الأسد، ولم يلتقِ أبداً بأبي عمشة الموجود بريف حماة. وأكد قائد كتائب الفاروق في حمص الحاج عبيد، لموقع “العربي الديمقراطي” أنَّ “العباس” تشهد له ساحات المعارك في حمص حيث كان على جبهاتها ضمن كتائب الفاروق، وهو معروف بحسن أخلاقه ومسيرته خلال فترة الثورة حتى مقتله على جبهة القرابيص.
الشخصية الثالثة: موسى الجن، يؤكد أبناء كرم الزيتون وحمص عموماً على عدم وجود هكذا اسم في ذلك الحين، بل هناك ثائران هما: خالد الجن، وموسى الشامي، وعلى ما يبدو خلط الاسمين ببعضهما ليدَّعي شخصية ثالثة في السيناريو.
الادعاء الثاني:
اتهم كمال اللبواني في تسجيله أنَّ الثوار تابعون لـ”الإخوان المسلمين” يختبؤون بين المدنيين ولا يرابطون على خطوط الجبهات، والأحياء التي حرّروها لم ينظفوها إذ “بقي النظام يفوت ويطلع عادي”. وفق ادعائه، مضيفاً: “مجزرة الرفاعي في 12 آذار 2012 ارتكبها النظام بعد طرد الثوار، دخل الأمن والشبيحة وارتكبوا المجزرة ومثّلوا بالجثث العدد يفوق الـ 500 قتيل لكن إعلام الثورة نشر العشرات، كما ادّعى أنَّ الثوار انسحبوا من حيي الرفاعي وعشيرة إلى حي النازحين. معتبراً كرم الزيتون ينقسم لثلاثة أقسام.
وزعم أنَّ القادة الثلاثة الذين بنى عليهم سرديته ارتكبوا مجازر طائفية، يقول اللبواني: “لم يتدخل أبو عمشة والعبيس الموجودين في حي النازحين، لإنقاذ المدنيين، يقولوا: مافي سلاح مافي ذخيرة الخ”، وادَّعى أنَّهم “في اليوم التالي ارتكبوا مجازر بحقّ العلويين، بنهج يُماثل نهج الأسد”. واعتبر في الدقيقة 06:30 من الفيديو أنَّ هذا الحدث: بداية الحرب الأهلية في سوريا، “حواجز النظام تخطف مقابل الفدية، والثوار تخطف مدنيين وتطلب فدية، وهذا كلّه بإمرة أبو عمشة والعبيس وموسى الجن”. وفق الادعاء.
دحض الادعاء:
حي كرم الزيتون ينقسم قسمين: كرم الزيتون والنازحين الذي سُمّي نسبةً لنازحي منطقة الجولان من الطائفة العلوية في سبعينيات القرن الماضي، وفي بداية الثورة شبان حي النازحين تسلّحوا لقمع المظاهرات، إذاً هذا ما يدحض وجود الثوار في حي النازحين الذي يضم “الشبيحة” ومعروف بأنَّه من الأحياء الموالية للنظام.
ويشرح أحد الناشطين الإعلاميين الذين غطّوا المجزرة من تنسيقية كرم الزيتون، تيسير أبو معاذ، جغرافية المنطقة التي وقعت بها ثلاث مجازر في آنٍ واحدٍ (11و12 آذار 2012)، فبالتزامن مع مجزرة بحقّ نحو 75 ضحية في حي العدوية (الملاصق لحي باب السباع ويفصله شارع واحد عن حي كرم الزيتون جنوبه، وتقع أحياء عكرمة والنزهة الموالية شماله)، وقعت مجزرة مماثلة في حي الرفاعي (كرم الزيتون) المجاور.
يقول أبو معاذ: “إنَّ حي كرم الزيتون يقطنه سبعون ألف نسمة، انقسم شطرين منذ بداية الثورة خلال المظاهرات، حيث سُمّي القسم الثائر نسبةً لمسجد الرفاعي الذي كان يتجمهر أمامه المتظاهرون، وفي هذا الحي بلغ عدد القتلى نحو450 شخصاً، دون وجود إحصائية دقيقة، والرقم المذكور استناداً إلى أبناء الحي الذين كانوا خارجه حيث قال جميعهم إنَّهم: “فقدوا عائلاتهم” ثم تصوير الجثث عبر إعلام النظام (قناة الدنيا) لاتهام الثوار وتشويه صورتهم.
وفي تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، قالت إنّ فريقها وعبر العمل الدقيق والزيارات الميدانية لعدد كبير من العائلات، تمكّنت من توثيق 224 قتيلاً بمجزرة كرم الزيتون، بينهم 44 طفلاً و48 امرأة.
بينما المجزرة الثالثة في ذات التوقيت، يذكر أبو معاذ أنَّه قبل وقوع مجزرة الرفاعي، كان هناك مفاوضات بين ثوار الحي الذين يُقدر عددهم بـ105 شباب وبين النظام، حيث أرسل النظام إلى مختار الحي بأنَّهم سيدخلون بهدف التفتيش فقط، لكن يجب على الثوار الخروج لتجنَّب القتال، فتشاوروا وارتأوا للخروج كونهم يفتقدون الذخيرة ويقاتلون فقط بالبندقية، وتم الاتفاق على الخروج عند غروب الشمس وكان النظام قد نصب لهم كميناً في شارع الستين أثناء عبورهم إلى حي عشيرة الذي أطلق عليه اسم “حي الشهداء” فلم ينجُ منهم سوى 30 شاباً. وفق الإعلامي أبو معاذ.
الادعاء الثالث:
زعم “اللبواني” في الدقيقة 07:30 من تسجيله، أنَّ المخابرات رتبّت عمليات تفجير مقرّات الثوار بالاتفاق مع القادة الثلاثة (أبو عمشة والعبيس والجن) والمخبر محمود بلاسم، بهدف قتل المخالفين لأوامر الإخوان، واتهم هؤلاء الثلاثة بقتل مدنيين علويين وإرسال الفيديو لقناة الدنيا التي نشرته، فصار العلويون ينتقمون بخطف السنة وذبحهم في أحياء العلوية، وذلك حسب قوله بالاتفاق مع الداعمين للثوار الإخوان المسلمين.
واستمرت حالات الخطف والذبح المتبادلة (سنة وعلوية) لغاية حصار حمص (08 حزيران 2012)، إذ بدأت الحرب الأهلية بأوامر من الإخوان بإطلاق اللحى وحف الشارب والشعارات الإسلامية وتصوير قتل العلويين (مجازر طائفية) مقابل الدعم المالي، وتحوّلت الثورة إلى منظمات إرهابية لمنع الدول من دعم الشعب الثائر، وقتل الثوار لكلّ من لم يربِّ لحيته ويرفض الانصياع لهم، وذكر اسم الثائر “صلاح مرجان” الذي خرج بمظاهرة نسائية في حي باب السباع رفضاً لأوامر الإخوان، وتم إجبارهن على اللباس الأسود الداعشي. وفق رواية “اللبواني” الذي أسقط هذه الآلية في حمص على مناطق دوما ودرعا والشمال السوري.
دحض الادعاء:
حسب ثوار باب السباع، فالحرية الشخصية كانت في اللباس والشعر والذقن متاحة للجميع، بل إنَّ معظمهم غير ملتحيين، ولم يتعرَّض لهم أحد بإيذاء لدرجة القتل كما يدّعي “اللبواني”. أمّا بالنسبة للمظاهرات فحي باب السباع شهد أول مجزرة خلال المظاهرة في 17 نيسان 2011 واستمرت المظاهرات حتى انسحاب الثوار منه في أيار 2012، كما لم تخرج مظاهرة نسائية فيه تحدياً للإخوان، بل كانت مشتركة نساء ورجال، فضلاً عن كون الشخصيات الثلاثة المذكورة لم تكن موجودة في حي باب السباع وما حوله. (تأكيد الإعلامي من مكتب حي باب السباع جلال التلاوي).
أمَّا “صلاح مرجان” فقد قُتل أثناء إسعاف جريح في حي باب السباع وتربطه قربة مع عبد الله العباس. حسب تيسير أبو معاذ، مؤكداً أنَّ المخبر محمود نجيب بلاسم أرسلته المخابرات لقتل القيادي عبد الله العباس، حيث أدخل لغماً داخل طرد محارم وتم تفجير المقرّ لكن العباس لم يكن موجوداً، بعدها المخابرات قتلت المخبر بلاسم ورمته على الطريق في حي وادي العرب بالبياضة وذلك في 26/ 01 / 2012، وهو تاريخ ارتكاب أول مجزرة في كرم الزيتون، أيّ “بلاسم” قُتل قبل وقوع المجزرة الكبرى في 12 آذار 2012.
ويشير أبو معاذ إلى أنَّ أول شرخ بين الثوار هو تدخل “هيئة حماية المدنيين” التابعة للإخوان، وعندما التقت الهيئة مع “العباس” وجلبت معها مبلغاً مادياً، طلبوا منه أن يقرأ بياناً وهو كان أمّيّاً لا يقرأ فرفض طلبهم وقال للناس: “أنا مع كتائب الفاروق أموت وأعيش معهم”. وهذا ما يدحض رواية اتفاقه مع المخابرات أو دعمه من قبل الإخوان.
لمحة عن اللبواني وأهمية الرد على افتراءاته
في 26 آب/أغسطس 2023 أي بعد أيام من تسجيله عن “مجازر حمص”، طرح المعارض السوري-الأمريكي د. حسين مرهج العماش، اسم كمال اللبواني لقيادة المعارضة السورية بدلاً من المعارضة الحالية قائلاً في موقع كلنا شركاء: إنَّ “البديل المؤقت، عن فشل الائتلاف ومؤسساته في الثورة، سيكون د. كمال اللبواني ومجموعته الثورية بسبب قوة حجتهم في إدارة المعركة. وهذه علامة نضوج ثوري”.
كذلك، يعمل اللبواني كباحث في المركز الأمريكي لدراسات المشرق (ACLS) لصاحبه المبعوث الأمريكي السابق لسوريا جويل رايبورن، حيث ورد اسمه في قائمة الخبراء بالمركز ولديه مقالات في الموقع، هذا المركز أحد مشاريعه “مشروع تاريخ الثورة السورية” سيكون كتاباً عن تاريخ الثورة السورية من عام 2011 إلى عام 2021، والسؤال هنا كيف يكون تاريخ الثورة لأمثال اللبواني؟ وهل انتهت شخوص المعارضة ليمثلها هو!
والجدير بالذكر، أنَّ “اللبواني” حذف التعليقات التي كتبها الحماصنة على الفيديو في قناته على اليوتيوب، وأبقى فقط على التعليقات المادحة له والداعية إلى متابعته لمعرفة “الحقائق”.
وسبق أن ردّ المعارض فايز سارة في تقرير على موقع “المدن” على اتهام “اللبواني” المعارضة السورية بالفساد وقيادات إعلان دمشق بالاستيلاء على أموال وردت دعماً للمعارضة. وتتكرر رواياته التي طالما تم نفيها، لدرجة جعلت البعض ينأون عن الرد عليه.
يذكر أنَّ “اللبواني” اعتقله نظام الأسد مرّتين الأولى من 2001 إلى 2004 على خلفية نشاطه في “منتديات ربيع دمشق”، والثانية من 2005 إلى 2011 لدى وصوله إلى مطار دمشق الدولي قادماً من الولايات المتحدة، بتهمة “الانتماء إلى منظمة محظورة”. وشارك في مؤتمر لمكافحة الإرهاب في إسرائيل في أيلول 2014، وعلى إثرها تبرأ الائتلاف الوطني منه كونه كان أحد أعضائه المستقلين.
عذراً التعليقات مغلقة