تعيش السويداء حالة غير مسبوقة من الاحتجاجات الشعبية والإضراب العام، إذ يعبّر الشارع بكلّ الوسائل السلمية والمشروعة عن مطالبه في التّغيير السياسي بإسقاط الأسد والتضامن مع إدلب، وليس فقط في تحسين الخدمات كما يروّج موالو أسد.
ومع ترديد هتافات الثورة السورية وأهازيجها في مظاهرات بدأت في 17 الشهر الجاري احتجاجاً على قرار رفع أسعار الوقود، وأعقبها الأحد الماضي الإضراب العام، تتجاهل ميليشيا أسد المظاهرات التي شهدت الدعس على صور بشار الأسد، وإغلاق مقر “حزب البعث”.
أسباب عديدة يمكن سوقها لتجنّب ميليشيا أسد التصعيد والتعويل عوضاً عن ذلك على ملل المتظاهرين، من بينها شماعة “حماية الأقليات الدينية” التي لا يريد بشار الأسد خسارتها، فضلاً عن كون معظم أبناء المحافظة مسلّحين ومن بينهم متخلّفون عن الخدمة العسكرية يدافعون عن أنفسهم حال أيّ هجوم من ميليشيا أسد.
3 سيناريوهات متوقعة لمصير المظاهرات
وعن التوقعات لمصير المظاهرات، قال الصحفي نورس عزيز في تصريح لـ”أورينت”: إنَّ المتوقع من ميليشيا أسد ثلاثة سيناريوهات هي: إمّا صمت مريب والانتظار حتى تملّ الناس، أو منح السويداء ودرعا شكل اللامركزية، وإمّا خيار عسكري بالهجوم، ولكنّه خيار مستبعد.
أما المحامي أيمن شيب الدين، الموجود مع المتظاهرين في مدينة السويداء، فقد أكد لـ”أورينت” أنَّ خطاب بشار الأسد لـ “سكاي نيوز” وما توضّح منه من عدم اهتمامه بالمبادرة العربية، وسط الواقع البائس سياسياً واقتصادياً وأمنياً بلغ المنتهى في بؤسه، أدى إلى انفجار عموم أهالي السويداء التي أدركت بحكم التّجربة أنَّه لم يعد هُناك مجال لأيّ إصلاح ببقاء هذا النظام، وعليه فقد رفعت الناس مباشرة شعار إسقاط النظام، والدفع باتجاه حصول حلّ سياسي ينقذ ما تبقى من سوريا.
ونوّه المحامي، إلى أنَّ المظاهرات سلمية منضبطة ولم يُسجّل أيّ حالة فوضى وهي مستمرة، موضحاً أنَّ كافة شرائح المجتمع تجتمع في ساحات التظاهر، في مركز المدينة وجميع المدن والقرى في ريف المحافظة، يترافق ذلك مع إقفال جميع المؤسسات والدوائر، وإضراب عموم الموظفين عن العمل باعتبار رواتبهم لا تكاد تكفي أجرة المواصلات.
بدوره، الناشط الإعلامي في السويداء، شادي الدبيسي، اعتبر في حديث لأورينت، أنَّ الحراك الشعبي الحالي ما هو إلا “امتداد لحراك 2011″، وأنَّ أهم أسباب قوّة المظاهرات هي المشاركة الواسعة للحراك الموازي في الريف لمركز المدينة، بالإضافة للخطاب السائد بتأييد الحراك، فالقوى الوطنية والسياسية والدينية لبّت دعوة المتظاهرين، بينما يقف الشبيحة من إعلاميين ومسؤولين عاجزين عن الردّ على المتظاهرين بسبب التأييد الشعبي الكبير.
عوامل توسع رقعة الحراك
في المجمل تتلخص أسباب انفجار الشارع بوجه ميليشيا أسد كما أوردها ضيوفنا من أبناء السويداء، بما يلي:
1. تصريحات بشار الأسد المستفزة على قناة “سكاي نيوز”.
2. انضمام المؤسسة الدينية للحراك الشعبي وتأييده.
3. وجود فصائل محلية حامية للحراك على رأسها “حركة رجال الكرامة”.
4. توحّد الشعارات المطالبة بإسقاط النظام وانتقال هذه الشعارات للشريحة الرمادية.
5. ازدياد الاحتقان الشعبي بعد قرار زيادة الرواتب المُهينة 100% والمُتزامنة مع رفع أسعار المحروقات.
6. إمعان ميليشيا أسد في جعل السويداء ممرّاً للمخدرات في تهريبها لدول الجوار.
7. الفلتان الأمني وانتشار الخطف والسرقة من قبل العصابات الأمنية.
موقف مشايخ الطائفة الدرزية وأهمية دورهم في الاحتجاجات
يعدّ موقف مشايخ الطائفة الدرزية داعماً بشكل كامل للحراك الشعبي في السويداء، مع التأكيد على سلمتيه، وحسب نورس عزيز، فإنَّ أهمية دور المشايخ هو “رمزية مكانتهم الدينية التي تستطيع توجيه الشارع في السويداء”.
ويمثّل الطائفة الدرزية (مشيخة عقل) ثلاثة مشايخ (رجال دين)، ويعدّ الثقل الأكبر دينياً واجتماعياً لدى عموم الدروز في السويداء هو الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي للطائفة، والذي أيّد الحراك بشكل كامل، داعياً إلى التظاهر والدفاع عن النفس.
وفي السياق، أكدت شبكة “الراصد” المحلية قبل أيام، أنَّ الشيخ “الهجري” رفض عرضاً لمحافظ أسد في السويداء “بسام بارسيك” يطلب فيه التهدئة مع عرض مجموعة من الحلول، مؤكداً أنَّ مطالب الشارع معروفة، ولن يكون هناك أي تواصل مع حكومة أسد قبل تحقيق تلك المطالب.
والشيخ الثاني هو حمود الحناوي، الذي أصدر الأربعاء بياناً جاء فيه: “على المسؤولين أن يعلموا أنَّ البطالة والجوع هما أكبر محرك للانهيار، والفساد أصل المشكلة”، كما نوّه إلى خطورة قضية المخدرات، في حين طالب المتظاهرون بإسقاط الأسد وحزب البعث في مضافة سلطان الأطرش الأثرية بحضور “الحناوي” يوم الثلاثاء الماضي.
أمّا الشيخ الثالث يوسف جربوع، فقد أيّد خلال كلمة له أمس في صالة عين الزمان، الحراك الشعبي متجنباً مطلب الإطاحة ببشار الأسد، لكنه أكد أنَّ فساد الحكومات المتعاقبة أوصل المواطنين إلى هذه المرحلة.
تأثير استمرار الاحتجاجات وتوسُّعها على ميليشيا أسد
فيما يخصّ تأثير استمرار الاحتجاجات وتوسُّعها في السويداء على ميليشيا أسد، أورد الباحث، النقيب رشيد حوراني، لـ”أورينت” أربع نقاط تتمثل بما يلي:
1. تشجيع العديد من السكّان في مناطق أسد على الالتحاق بموجة الاحتجاجات، أو توسيع الاستياء الشعبي للطائفة العلوية في الساحل وتحويله إلى مظاهر احتجاج.
2. استمرار تآكُل دعاية أسد في حماية الأقلّيات وحرمانه من استخدامها في سياقات داخلية وخارجية، وهو ما يزال يتمسّك بها للحفاظ على كرسيه.
3. احتجاجات السويداء قد تُدخل المسألة السورية مرحلة جديدة لا يمكن لأسد التغافل عنها، وسيعمل إمّا على مواجهتها عبر الاختراق والتشويه والاستهداف، أو احتوائها عبر استمالة بعض الأطراف فيها وتقديم الوعود التي تضمن منح المحافظة مزيداً من الامتيازات.
4. إعادة الدول العربية التي بدأت التطبيع مع أسد إلى المربع الأول قبل بدء المسار، فضلاً عن تردد الساعين للتطبيع معه، حيث تُظهر الاحتجاجات في السويداء أنَّ الاستقرار بمناطق أسد “وهمي ومبني على استخدام القوّة”، إضافة إلى فشل التعويل العربي -خاصة الأردن- على أسد بما يتعلق بتحقيق أي نتائج من الاجتماعات معه.
غياب علم الثورة عن مظاهرات السويداء
تساءل العديد من السوريين عن سبب غياب علم الثورة السورية عن مظاهرات السويداء المطالبة بإسقاط الأسد، وعن ذلك يجيب المحامي أيمن شيب الدين قائلاً: “بقرار منّا نحن ثوار الـ 2011 الذين عانينا الأمرّين بالماضي بالانقسام في السويداء كلّما رفعنا علم الثورة، لذلك اليوم نريد أن يتجذّر الحراك أكثر وأكثر، ونبحث عن نقاط الالتقاء لا الافتراق”.
فيما يرى الصحفي نورس عزيز، أنَّ الثورة لإسقاط الأسد “لا تحتاج رايات”، فالراية شيء لاحق يتفق عليه السوريين، وهناك اتفاق في السويداء يقضي بعدم خروج أيّ علم باستثناء أعلام البيارق التي تدل على العادات الحربية.
عذراً التعليقات مغلقة