الكتابة باتجاهات متعددة، تلك هي الخلاصة التي يخرج بها مقدّمو الكاتبة الأميركية إليزابيث جيلبيرت في الندوات الصحافية والمقابلات التلفزيونية، لكنها لا تعلّق كثيرا على التعريف بها على أنها مؤلفة وكاتبة قصة قصيرة وسيرة ذاتية ومذكرات وروائية، بل تتوقف كثيرا عند العلامات الفارقة في مسارها ومنها مثلا إصدارها في العام 2006 كتاب المذكرات الذي حمل عنوان “كُلْ، صلِّ وأحِبّ”.
وبهذا الكتاب عرفت على نطاق واسع وقد احتل صدارة قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا طيلة 199 أسبوعا، ثم تحول إلى فيلم حمل العنوان نفسه في العام 2010 من إخراج رايان ميرفي.
إعادة الاكتشاف
تميزت كتابات جيلبيرت بالتنوع حيث لم تركن إلى جنس أدبي بعينه على مدى تجربتها الممتدة لأكثر من عشرين عاما. وفي إطار ذلك التنوع الذي درجت عليه، أصدرت الكاتبة في العام 2015 كتابها “سحر كبير: الحياة الخلاقة خلف الخوف” وهو كتاب تضمن وصايا تحدد كيفية أن يحيا الإنسان حياة خلاقة، قسّمته إلى أقسام هي: الشجاعة، السحر، الثبات، الثقة، اللاهوت.
لم يستقبل الكتاب استقبالا جيدا بل إنه عُدّ نوعا من الوصايا الهابطة، لكنّ إليزابيث جيلبيرت ردت بأنه لا يمكن أن نحكم على الإبداع إلا من خلال قوته الوجدانية والإنسانية، وهي التي اشتغلت في كتابها على كلا المحورين، وقدمت، كما تقول، نوعا كتابيا مختلفا فعلا، وسرعان ما اجتذب الكتاب قراء، وقد علّقت المؤلفة على ذلك بأن كل كتاب يستمد قوته من القدرة الإبداعية التي هي أصلا متصلة بالحياة الخصبة، الحياة التي يجب إدراك أنها تبدأ ساعة ينتهي إحساسنا باللاجدوى، وأنها حياة جديرة بمتعة الاكتشاف.
من القراءات الأخيرة لمنجزها وتجربتها تلك القراءة المعمقة “كيف تكون إليزابيث جيلبرت” بقلم جيسا كريسبين. وخلاصتها أنك لكي تقرأ إليزابيث جيلبرت عليك أن تدرك أولا طريقة تفكيرها، فهي تحط بقرائها فجأة في وسط الحياة كما هي في شكلها الواقعي، الحياة النابضة في الهند كما في جزيرة بالي بإندونيسيا، سنتساءل لماذا هذان المكانان تحديدا، لكنها تعلنها صراحة أن بوصلة عملها اتجهت نحو تلك البراءة والحياة الأولى التي تريد إعادة اكتشافها والكامنة في تلك الأماكن المنسية.
يمكن اعتبار ما أنجزته الكاتبة في تلك التجربة على أنه نوع من أدب الرحلات، وربما تصدق وجهة النظر القائلة أنها هي التي ألهمت العديد من الكاتبات لكي يكتبن في ذات الاتجاه، منهن شيريل ستريد وإليزابيث إيفس كرستين نيومان، في تلك الكتابات كان التركيز منصبا على الذات ولهذا تركز جهد هؤلاء الكاتبات على الابتعاد عن الكتابة النمطية لأدب الرحلات الذي سبق وأسسه كتاب من الرجال من أمثال ريتشارد فرانسيس بورتون وبروس تشاتوين وبول ثيروكس وكأن أدب الرحلات هو نوع من القوة الذكورية التي لا تقدر عليها النساء ولا يتميزن بها.
فهؤلاء الكتّاب يذهبون ليس فقط لمشاهدة ما يمكن مشاهدته بل إنهم يصبحون بمثابة شهود وخبراء مع أنهم لا يتكلمون لغة البلد الذي يذهبون إليه أصلا، فقط ينفقون بضعة أسابيع في المكان الذي اختاروه ثم يعودون بحزمة من النظرة الاستعمارية التقليدية المليئة بالأفكار الافتراضية، هذه الاعتبارات قلبتها إليزابيث جيلبيرت رأسا على عقب، لتنتج إبداعا جديدا علامته ذلك التنوع الخصب الذي يبعث على الدهشة.
في موازاة عوالم إليزابيث جيلبيرت الأدبية يتكرر سؤال يتعلق بنشأتها وطفولتها وكيف أثرت تلك النشأة فيها، فهي أولا شقيقة للكاتبة كاثرين جيلبرت، وهي روائية أيضا، وقد نشأتا على عشق الكتاب. نشأت الأختان في عائلة صغيرة بولاية كنتاكي من دون جيران ولا جهاز تلفزيون ولا جهاز تسجيل، وهذا ما دفعها وشقيقتها إلى قراءة كم هائل من الكتب، فبرزت عندها الميول المبكرة للكتابة، تخرجت من جامعة نيويورك حاصلة على شهادة الباكالوريوس في العلوم السياسية عام 1991، لتنقل بعدها بين مهن عدة منها طباخة، نادلة، ساعية بريد، وموظفة في إحدى المجلات، أي أن الرحلة كانت طويلة قبل التفرغ للكتابة.
من تجربتها كطباخة نشرت جيلبرت مجموعة قصص قصيرة بعنوان “صاحب المزرعة” عام 1993، ثم نشرت مجلة دار النشر إيسكواير كتابها القصصي “الحجّاج” وأردفته بتعليق خلاصته “إنها ولادة كاتبة استثنائية، حيث أنها الأولى بعد الكاتب الكبير نورمان ميللر، تبلغ مرتبة الشهرة، وهي لمّا تزل لم تصدر كتابا بعد”. كتابها الأول “الحجاج” نال جائزة بوشكارت الأدبية ووصل إلى القائمة النهائية القصيرة لجائزة همنغواي.
ثم جاءت روايتها “رجال شتيرن” عام 2000 واختيرت ضمن قائمة نيويورك تايمز لأفضل الكتب، وفي العام 2002 نشرت كتابها غير الروائي “الأميركي الأخير” والذي كان قد رشح للجائزة الوطنية للكتاب. في العام 2006 نشرت جيلبيرت كتابها الأشهر “كُل، صلِّ وأحِبّ” وهو خلاصة ما اكتشفته من رحلاتها عبر إيطاليا والهند وإندونيسيا، واحتل الكتاب قائمة الكتب الأكثر مبيعا خلال السنوات 2006 و2008، وقد عدتها مجلة تايم من بين الـ100 شخصية الأكثر تأثيرا من حول العالم.
* نقلاً عن: “العرب”
عذراً التعليقات مغلقة