بين موميكا وعصا الجندرمة

فريق التحرير24 يوليو 2023آخر تحديث :
بين موميكا وعصا الجندرمة
عالية منصور

لاجئ عراقي معتوه في السويد قرر حرق نسخة من القرآن الكريم، فأشعل العالم الإسلامي غضبا، وتسبب في أزمة دبلوماسية بين السويد وعدد من الدول الإسلامية وحملات تدعو لمقاطعة البضائع السويدية ومظاهرات أمام السفارات في عدد من البلدان، كرر فعلته غير آبه بما أحدثه فعله الأحمق، مزق القرآن وأهان هذه المرة أيضا علم بلده الأم، العراق.

هذه هي المرة الثالثة خلال هذا العام التي تسمح السلطات السويدية فيها بهذا الفعل، حيث قامت مظاهرة كبيرة خطّط منظّموها لإحراق نسخة من القرآن خارج مسجد استكهولم الكبير تزامنا مع عيد الأضحى، وقبلها حادثة مشابهة أمام السفارة التركية، حيث قاموا بحرق القرآن بحماية الشرطة السويدية.

ادعى سلوان موميكا، وهو اسم الرجل الذي أحرق القرآن، أن السلطات السويدية هددته بمراجعة ملف لجوئه إليها، وحمل السلطات السويدية مسؤولية أي أذى يتعرض له، ولكن بطبيعة الحال لم يرحّل إلى العراق ولم يعتقل، بل ما زال حرا طليقا باسم حرية الرأي والتعبير يستفز ملايين المسلمين في العالم غير آبه.

وفي المقلب الآخر، حيث الغضب الساطع من هذا الفعل الأحمق، وتحديدا في تركيا ، يهان اللاجئ وتنتهك كرامته على يد عناصر الجندرمة (الدرك)، وتتعرض حياته للخطر، بحجة تطبيق القانون.

في تركيا، أصدر محمد خير موسى أحد أعضاء رابطة العلماء السوريين التابعة للمجلس الإسلامي “فتوى ممزوجة بالألم”، حسب وصفه، جاء فيها “من خشيَ على نفسه أنّ تتمّ ملاحقته أو إيقافه وترحيله أو انتشار الدوريّات للتفتيش على الكيملك (بطاقة الإقامة في تركيا) والإقامات المنتهية أمام المساجد فإنّ صلاة الجمعة تسقط عنه ويصلّي الظّهر في بيته، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون”.

أكثر من 14 مليون سوري أرغموا على الفرار من ديارهم منذ عام 2011، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، منهم نحو 6.8 مليون نازح سوري في الداخل، حيث يعيش 90 في المئة من السكان تحت خط الفقر، أما الباقون فيتوزعون بين تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر، إضافة إلى من أسعفهم الحظ ووصلوا إلى أوروبا أو الولايات المتحدة.

بينما لم نسمع عن أي انتهاك لحقوق اللاجئين في الأردن ومصر، إلا أننا نسمع يوميا كيف يتم تهجيرهم قسريا من تركيا، وكيف يتم التضييق عليهم في لبنان لدفعهم للعودة إلى سوريا.
خلال الحملات الانتخابية التركية والتي أخذ اللاجئ السوري تحديدا الحيز الأكبر منها، وعد الرئيس رجب طيب أردوغان بإعادة “مليون لاجئ سوري طوعا إلى الشمال السوري”، وقبل أيام صرح للصحافيين على متن الطائرة أثناء عودته بأن “عدد السوريين الذين عادوا إلى سوريا طواعية وصل إلى حوالي مليون شخص”، ووعد أن “العدد سيزيد في المستقبل”، وأن “رغبة اللاجئين في العودة طواعية واضحة كما نرى، ولديهم شوق لأراضيهم”، بحسب تعبيره.
في الصور والفيديوهات والأخبار الآتية من تركيا لا نرى مكانا لهذه “الطوعية”، نرى شبانا خائفين مقيدي الأيدي بعضهم تبدو عليهم آثار الضرب الذي تعرضوا له، محملين في عربات نقل تأخذهم إلى الحدود السورية وترميهم هناك بعد أن يجبروا على توقيع ورقة “العودة الطوعية”، بعضهم يملك إقامات شرعية أو بطاقة حماية مؤقتة.
بين السويد وتركيا، يتجلى نفاق بعض الذين أعماهم هوى الآيديولوجيا، ومن لف لفهم، يغضبون ويتوعدون السويد لأنها سمحت للاجئ أحمق بحرق كتاب الله، ورغم الأذى المعنوي الذي تسبب فيه لملايين المسلمين في العالم لا زالت الحكومة السويدية تحميه كونه “لاجئا”. وتقرأ في الوقت عينه وتسمع لمطولات من المواعظ عن حق الحكومة التركية في تطبيق القوانين التي تراها مناسبة لحماية أمنها واقتصادها، يرون في مشاهد اعتداء رجال الأمن الأتراك على اللاجئين محاولة لتشويه سمعة حزب العدالة والتنمية، ولا يعيرون اهتماما لحياة اللاجئين أنفسهم مع أنهم أيضا مسلمون. هم أنفسهم من بثوا الرعب في قلوب اللاجئين، محذرين مما سيتعرضون له إن خسر أردوغان الانتخابات، ووصل الأمر بالمجلس الإسلامي السوري ومقره تركيا أن أصدر فتوى بضرورة أن ينتخب السوريون المجنسون أردوغان وإلا…

المعارضة السورية الممثلة في الائتلاف، تصدر بيانات عما يتعرض له السوريون في لبنان وتتوعد السلطات اللبنانية بالويل والثبور، بياناتهم توحي بأنهم يعلمون كل شيء عن أحوال السوريين في لبنان، أما يجري بالقرب منهم في إسطنبول حيث يقيمون هم وعائلاتهم، فإنهم صم بكم عمى، وإن تحدث أحدهم بعد إلحاح بعض السوريين، يقول نتواصل ونحترم تطبيق القانون.
يبدو أن الأرض قد ضاقت بالسوريين، ولم تعد تتسع لهم، حتى وإن خاطروا وركبوا البحار التي ابتلعتهم مع أطفالهم.
ويبقى السؤال لأهل العلم والدين: أيهما أشنع وأبشع، أن يحرق شخص أحمق كتاب الله، أم إلقاء ملايين المسلمين الذين يحفظون كتاب الله في صدورهم، في التهلكة.

المصدر المجلة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل