أولًا: مقدمة
فتح الإعلان عن توصّل الجانبين السعودي والإيراني بتاريخ 10 آذار/ مارس 2023، إلى اتفاق برعاية صينية، لإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما خلال شهرين، بعد قطيعة دبلوماسية دامت ست سنوات، فتح الباب أمام سيل من التحليلات والاستنتاجات حول الأسباب التي دفعت الطرفين للتوصل إلى هذا الاتفاق.
لعلّه من البديهي أن يتوسّع البحث في الآثار والتداعيات على الملفات المتشابكة بين الدولتين، بعد التوصل إلى اتفاقٍ لم يكن مفاجئًا، بين بلدين طالما حكم العلاقة بينهما توجّس مزمن، وانعدام للثقة، على خلفية السياسات التوسعية الإيرانية والحروب بالوكالة على النفوذ في أكثر من دولة عربية، في العقدين الأخيرين على الأقل.
لكلّ من الطرفين دوافعه لمثل هذا الاتفاق، فإيران تريده كسبًا للوقت، نتيجة للضغوط الواقعة عليها خارجيًا وداخليًا، ونتيجة الأزمة الاقتصادية والاضطرابات الداخلية التي شهدتها، في حين أن السعودية تبحث عن تهدئة تؤسس لاستقرار في المنطقة تراه ضروريًا بحكم التحديات، التي تواجهها خارجيًا على أكثر من جبهة، وعن نوع من المناورة مع الإدارة الأميركية عبر التقرّب من الصين، وداخليًا للتفرّغ لوضعها الداخلي وضمان استقراره وخطط تنميته الطموحة لوليّ العهد محمد بن سلمان، ويبقى التحدي الأكبر أمام استجلاء ما سيتركه الاتفاق متوقفًا على رغبة إيران وقدرتها على تلبية استحقاقات تهمّ جيرانها وأمنهم، بتلك الدرجة التي سببتها سياساتها من توترات على المستوى العالمي.
ثانيًا: في مضامين الاتفاق
يتبيّن ممّا نشر من بنود تضمنها الاتفاق أنه يكاد يكون أقرب إلى إعلانٍ للنيّات، أكثر منه تعبيرًا عن اتفاق شامل، يتطرّق إلى المشاكل القائمة بين الدولتين، والملفات التي يتشابكان بها على مستوى المنطقة، ولم يكن هذا البيان مفاجئًا، نظرًا لجولات المفاوضات الستة التي سبقته، حيث جرت أربع منها في العراق، واثنتان سريتان في مسقط سهّلتهما الحكومة العمانية، لكن المفاجئ فيه هو توقيته وإعلانه برعاية صينية، فهذه هي المرة الأولى التي تتنطح بها الصين لمثل هذه المهمّات في الشرق الأوسط، على الأقل، منذ انتهاء الحرب الباردة.
جاء في البيان أنّ الطرفين اتفقا على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد شهرين من تاريخ الاتفاق، وأن تلتزم الدولتان باحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل منهما، وتسوية الخلافات بالحوار، والمساهمة في ضمان استقرار المنطقة. وعلى الرغم ممّا قيل من أن الاتفاق تضمّن بنودًا سريّة سرّب السعوديون بعضها، “كأن تعترف إيران بدعمها للحوثيين، وأن تتوقف عن دعمهم، وأن تمتنع عن إمدادهم بالسلاح، ومنع الميليشيات التابعة لها في العراق وغيره، من استهداف الأراضي السعودية، وضمان حرية الملاحة في المياه الدولية، والالتزام ببنود التعاون الأمني، الذي وقع بين الدولتين عام 2001”(1)؛ فإن العودة إلى الاتفاق الذي وقّعه وزير الداخلية السعودي آنذاك الأمير نايف بن عبد العزيز، أثناء زيارته طهران في 13 نيسان/ أبريل 2001، تبيّن أن الاتفاق الأخير أقرب إلى اتفاق ذي بعد جنائي، ولا يرقى إلى مستوى اتفاق سياسي وأمني، يضبط إيقاع منطقة الخليج، ويسدّ جزءًا من الفراغ الأمني الذي تعانيه، وقد نص على “التعاون في مكافحة الإجرام والإرهاب وتبييض الأموال، كما يقضي بالتعاون في مراقبة الحدود والمياه الإقليمية لمنع التهريب”(2)، من دون أن يتضمن الاتفاق أية ترتيبات عسكرية، ولا تسليم المطلوبين من طرف لدى الطرف الآخر. وهذا يدلّ على أن السعودية ما زالت تعاني حالة شك وعدم ثقة كبيرين، ولذلك تريد وقتًا يتيح لها اختبار نيّات إيران، ومعرفة مدى استعدادها للدخول في علاقات جادة مبنيّة على سياسات جديدة، طالما سارت عليها إيران منذ عام 1979، وتصديرها لثورتها نحو جيرانها العرب بالدرجة الأولى، ويمكن ملاحظة ذلك من وضع مهلة شهرين لاجتماع وزيري خارجية البلدين، لوضع ترتيبات إعادة العلاقات بينهما، كما يدلّ على أن السعودية ما زالت تعدّ الاتفاق، في مرحلة الاختبار، أقربَ إلى اتفاق فكّ اشتباك وتهدئة يحتاجها الطرفان، وإنْ لم تلتزم إيران بما وعدت به، على ما يُعلن المسؤولون السعوديون، ويزيد من هذا الاستنتاج الاحتفاء السعودي بالاتفاق، والوعود باستثمارات في إيران وغير ذلك.
ثالثًا: حول البادرة الصينية
كان لافتًا حجم ردود الأفعال والتحليلات، التي حاولت إلقاء الضوء على المبادرة الصينية، وانعكاساتها الجيوسياسية في المنطقة، ذلك أنها المرة الأولى التي تنخرط فيها الصين في مهمات دبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط[1]، وقد ساعدها في ذلك أنها على علاقات طيبة وواسعة اقتصاديًا مع الطرفين، حيث تشير الأرقام إلى أنّ حجم المبادلات التجارية بين المملكة والصين يفوق حجم التبادل التجاري بين المملكة ودول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، آخذين بعين الاعتبار فاتورة الطاقة الصينية الهائلة، حيث تستورد من المملكة 14% من احتياجاتها النفطية، وقريبًا من ذلك البعد التجاري مع طهران، فضلًا عن أن الصين تساعد طهران في الالتفاف على العقوبات الغربية، وقبل هذا وذاك، جاء التدخل الصيني ضمن سياقين، أولهما أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في أثناء زيارته الأخيرة إلى بيجين، طلب من الرئيس الصيني التدخلَ وتسريع مسار المفاوضات الجارية بين إيران والسعودية في بغداد ومسقط، وقام الرئيس الصيني بدوره، أثناء حضوره مؤتمرًا في الرياض كانون الأول/ ديسمبر 2022، بعرض وساطته بالقول لوليّ العهد السعودي إن الصين ترغب في أن تكون جسرًا بين المملكة وطهران، وقد رحّب ولي العهد السعودي بالطلب الصيني، وثانيهما رغبة الصين، التي طالما كانت حذرة، في الانخراط في مشاكل العالم، سواء على مستوى المهمات الأممية عسكريًا، أو على المسار الدبلوماسي، ويتركز جهدها الرئيس في فتح مزيد من أسواق العالم، أمام تجارتها القادرة على تغطية أسواق العالم بالصناعات التصديرية. ويأتي هذا في الوقت التي تبدو فيه الصين المستفيد الأكبر منه، فقد عمدت إلى ما أسمته مبادرة الأمن العالمي الجديدة، “حيث تسعى إلى تصوير نفسها كطرف مساهم في إرساء الاستقراء العالمي”(3)، وقد كانت قد قدّمت مبادرتها الأولى لوقف الحرب الأوكرانية، بمناسبة الذكرى الأولى للحرب، وقد قبلتها روسيا في حين رفضتها أوكرانيا.
المبادرة الصينية لاقت ترحيبًا إقليميًا ودوليًا واسعًا، جاء أوله من الولايات المتحدة التي أملت بأن يسمح الاتفاق بتطوير الهدنة التي ترعاها في اليمن، منذ نيسان/ إبريل 2022 إلى حلّ سلمي دائم[2]، يُنهي الحرب اليمنية، وقد زار المندوب الأميركي المكلف في الملف اليمني العاصمة مسقط لهذه الغاية، من جانب آخر أنبأ الأميركيون السعوديين بتشككهم بالتزام إيران بالاتفاق(4)، في حين عدّها سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي امتدادًا للجهود التي بذلتها بلاده مع أصدقائهم في المنطقة، من أجل ضمان الأمن الجماعي في منطقة الخليج والمنطقة الأوسع المتاخمة لها، إذ قال: “الاتفاقات التي تم التوصل لها بشأن تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية، بدعم من أصدقائنا الصينيين، حدث مهم في سياق هذه القضية”(5).
يدلّل الترحيب الواسع من قبل دول المنطقة بالدرجة الأولى، إلى حاجة الأطراف الملحّة لتهدئة المنطقة، بعد أن تعبت كلّ الأطراف من العبث والتوتر الذي ساهمت إيران في خلقه إلى حدٍ كبير، لكن القول بأن الخطوة الصينية جاءت تعبيرًا عن تغيّر جيواستراتيجي كبير في المنطقة، سوف يُغيّر من خارطة التحالفات فيها، هو استنتاجات متسرعة، وقراءة غير موضوعية لحدث فيه مصلحة لكل الأطراف، التي انخرطت فيه، وتغافل عما تبنى عليه سياسات الدول الكبرى؛ فالصين صاحبة السياسة المترددة، التي تعتمد القوة الناعمة (التجارة والمساعدات) كاستراتيجية ثابتة حتى الآن، ولا تملك أوراقًا وازنة في المنطقة، وليست في وارد مزاحمة مباشرة على النفوذ مع الولايات المتحدة في هذه المنطقة، التي تضمن فيها الأساطيل الأميركية أمن الممرات المائية التي تعبرها واردات الطاقة الصينية.
وبقدر ما كانت المبادرة الصينية مهمة، يبدو التساؤل مشروعًا حول المدى الذي سوف تذهب إليه الصين في الدخول في تفاصيل الاتفاق ومتابعتها، وما هي الضمانات التي يمكن أن تقدّمها الصين لضمان ما يمكن التوصل إليه من تسويات؟ الأرجح أن الصين ستكتفي بحثّ الأطراف على الجدية والتعامل مع الاتفاق بنيّات حسنة، وإبداء الأسف في حال تراجع أحد الأطراف عما وعد به.
رابعًا: دوافع الطرفين الإيراني والسعودي
1-الجانب السعودي
عندما وصل الملك سلمان إلى الحكم عام 2015، كانت المملكة قد وجدت نفسها في واقع جيوسياسي جديد وخطير على أمنها، وكان لزامًا عليها أن تتعامل معه بمقاربة استراتيجية مختلفة، حيث بات التوسع الإيراني في المنطقة يحاصرها في أكثر من نقطة، أخطرها اليمن، وقد شكّل ذلك لها تهديدًا وجوديًا، وبات دورها الإقليمي تتناهبه كلّ من إيران وتركيا، وهذا شكّل دافعًا كبيرًا لإطلاقها عاصفة الحزم في اليمن[3]، التي لم تتمكن من حسمها حتى الآن، واضطرت إلى الانكفاء في الملفّ السوري، وتدخلت عسكريًا في البحرين لمواجهة التدخل الإيراني، وخسرت نفوذها في لبنان والعراق لصالح إيران. وعندما تكون المملكة أمام مرحلة انتقالية في السلطة، من جيل الأبناء إلى جيل الأحفاد، بطريقة تجاوزت العرف المعتاد في نقلها، ثم المشاريع الطموحة لولي العهد محمد بن سلمان في رؤيته التنموية لمشروع 20-30 الضخم، وحجم التغيرات[4] التي أحدثها على المستويين الاجتماعي والثقافي، بدرجة يصعب على الواقع المحافظ للمملكة استيعابه بهذه الوتيرة، وموقف الولايات المتحدة الملتبس في موقفها من شخص محمد بن سلمان، كلها عوامل تجعل المملكة بحاجة إلى تهدئة، تتيح لها إعادة ترتيب وضعها الداخلي وأولوياتها، ومن هنا، يمكن تفسير حجم الاحتفاء السعودي بالاتفاق، لكن يبقى السؤال قائمًا: هل ستقبل السعودية بتطبيع علاقاتها مع إيران، من دون أن تقدّم إيران ما تبتغيه السعودية، ولو عبر خارطة طريق قد تستغرق زمنًا، في جوّ من الثقة المتبادلة؟ إن تاريخ الهواجس السعودية تجاه إيران يقول لا، لكن لا بد من الانتظار، عسى أن يجتاز الاتفاق اختباراته المطلوبة من الطرفين. أما ما يقال من أن السعودية أرادت من الاتفاق تحييد نفسها في حرب قادمة بين إسرائيل وإيران، فهو يأتي من باب التخمين ليس إلا، فليس في الأفق بوادر حرب إسرائيلية إيرانية، لأن قرار الحرب هنا تحدده الولايات المتحدة، وهذا مستبعَد حتى الآن، وفي كل الأحوال، لا تستطيع السعودية أن تكون رأس حربة في المواجهة ما بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى. وهناك تحليلات أخرى في المقلب المعاكس، ترى أن الاتفاق قد قطع الطريق على تطبيع سعودي إسرائيلي، لأن المملكة لا تخفي شروطها للانخراط في هذا التطبيع، وهو محدد في مبادرة السلام العربية التي تقدّم بها الأمير عبد الله بن عبد العزيز، وتبناها مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002.
2- إيران
باتت إيران واقعة تحت ضغوط هائلة وعقوبات قاصمة على خلفية ملفّها النووي وتدخلاتها في المنطقة، وآخرها اصطفافها إلى جانب روسيا في حربها على أوكرانيا، وإمدادها الروس بالمسيرات والصواريخ والخبراء، كما أن مشروعها التوسّعي المبني على تصدير ثورتها، وتمويل أذرعها من الميليشيات التي بنتها وسلّحتها ودربتها وتتكفل بأعبائها المادية في العراق ولبنان وسورية، قد أرهق وضعها الاقتصادي، ويدفعه سريعًا نحو الانهيار، هذا المشروع ربّما بات قريبًا من نهاياته بعد أن أنهكه التعثر، وثارت عليها البيئة الشيعية في العراق، التي كان يرتكز عليها وتتبعها البيئة الشيعية رويدًا رويدًا في لبنان، على خلفية تدهور الوضع الاقتصادي، ثم جاءت الثورة المستمرة منذ خمسة أشهر على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني، على الرغم من كم القمع الهائل الذي مارسته سلطة الملالي، كل هذه العوامل تدفع إيران إلى البحث عن تهدئة تكسر عزلتها، وتخفف عنها بعضًا من الضغوط، وبناءً على ذلك، يكون توقيت الاتفاق في خدمة إيران.
المقاربات الإيرانية الجديدة تثير العديد من التساؤلات، في مقدمتها: هل إيران مُقدِمة على تغيير حقيقي في استراتيجيتها التوسعية، والتراجع بعد الاستثمار الهائل فيه، ماديًا وبشريًا وسياسيًا؟ ثم ما هو موقف الحرس الثوري الذي يعمل عادة باستقلالية كبيرة عن الحكومة، وهو صاحب تأثير في السياسة الإيرانية؟ هي تساؤلات يصعب التكهّن بأجوبة لها، وبحاجة إلى بعض الوقت كي تنجلي أبعاد الخطوة الإيرانية.
خامسًا: ردود أفعال الأطراف المعنية مباشرة بالاتفاق
1-النظام السوري
النظام السوري الذي انتشى بالاندفاع العربي حياله، على خلفية الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سورية، ليلة السادس من شباط الماضي، في سياق ما يسمى “دبلوماسية الزلزال”، وبالمساعدات الهائلة التي تدفقت عليه، كان أوّل المرحّبين بالاتفاق، ففي مقابلة للرئيس السوري مع محطة RT الروسية قال: “إن الاتفاق خطوة إيجابية، وأنه بعد اليوم لن تطالب الدول العربية نظامه بتحديد علاقته بإيران، كما لن تكون سورية بعد اليوم ساحة صراع بين إيران والسعودية”(6).
ويبدو من كلام الأسد أنه على قناعةٍ بأن الاتفاق سيريحه من الضغوط العربية، باعتبار أن السعودية كانت وما زالت من أشد المعارضين، لإعادته إلى الجامعة والتطبيع العربي مع نظامه، مما يعطيه فرصًا لإعادة ترتيب وضعه الداخلي، أو ربما أنه استنتج أن السعودية سلمت بالأمر الواقع، الذي فرضته إيران، وأن الاتفاق بات بحكم المنجز، فعلامَ بنى استنتاجه هذا؟! وهو الذي استُقبل في عُمان قبل أيام، واجتمع بعدد من مسؤولي الدول العربية المعنية، الذين عرضوا عليه -وفقًا للتسريبات- مشروعًا لإنقاذ وضعه الاقتصادي المتهالك، وتكفلوا بإعادة الإعمار، والتوسط لدى الولايات المتحدة والغرب لرفع العقوبات، ونشر قوات عربية لضمان عودة آمنة للاجئين السوريين، مقابل تحديد علاقته بإيران، والانفتاح على المعارضة السورية، لتسهيل الحل السياسي وفق القرار 2254، وقد رفض ذلك العرض(6)، مع ذلك تستقبله دولة الإمارات بزيارة دولة، بتاريخ 19 آذار/ مارس 2023، وإن الاندفاع الإماراتي الملحّ للتطبيع مع النظام، وموقف الإمارات بعد زيارة الأسد عُمان ورفضه المبادرة العربية، يطرح كثيرًا من الأسئلة، وعندما يصرّح وزير الخارجية السعودي بن فرحان، بأن “الوضع في سورية بات يتطلب تدخلًا عربيًا، وهذا يتطلب بدوره التواصل مع النظام”، دون أن يكفي القول إن زيارة بن فرحان ربما تأتي في سياق التحضير لمؤتمر القمة العربية الذي سيعقد في الرياض أيار/ مايو القادم، نكون أمام كثير من التساؤلات، التي لا يتوفر لها جواب مقنع حاليًا. أما المعارضة السورية، فقد انتابتها المخاوف، من أن يكون الاتفاق الإيراني السعودي على حساب الشعب السوري.
2- في لبنان
تأمل الأطراف اللبنانية أن يفتح الاتفاق السعودي الإيراني المجال أمام انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية 7، المنصب الشاغر منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وذلك بحكم العلاقة السعودية التاريخية مع لبنان، وباعتبار السعودية واحدة من مجموعة دول لها دور في الوضع السياسي اللبناني، من ضمنه تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، ويمكن التعويل على دور سعودي في هذا الاتجاه، في حال حصل تفاهم سعودي إيراني، ومن هنا يفهم تعويل الأطراف اللبنانية على انفراج في قضية انتخاب رئيس[5]، وغيرها من القضايا، ما عدا “حزب الله” الذي يخشى أن يكون الاتفاق على حسابه، وقد دعا نعيم قاسم (نائب حسن نصر الله في رئاسة الحزب) النواب اللبنانيين إلى الإسراع في التوافق على انتخاب رئيس لمواجهة التطورات القادمة، وهذا يشير إلى قلق “حزب الله”.
3- العراق
رحّب العراق بالاتفاق، كما هو متوقّع، فقد ساهم العراق في التوسط في عقد أربع جلسات تفاوض بين الطرفين، على مدى عامين، واعتبر أن الاتفاق سوف يفتح للعراق مجالًا أوسع من حرية الخيارات في سياسته الخارجية، وعليه فقد يكون العراق أكثر المستفيدين من الاتفاق في حال نجاحه، وربما تكون زيارة علي شمخاني (مسؤول مجلس الأمن القومي الإيراني)، إلى بغداد بعد زيارته الإمارات، وعقده اتفاقية أمن الحدود مع العراق، قد جاءت لتطمين ميليشيات الحشد الموالية لطهران، بأن الاتفاق لن يؤدي إلى التضحية بها، وفقًا لما أثير من تكهنات.
4-اليمن
من البديهي أن يكون اليمن مجال الاختبار الأساسي لمدى جدية التوجهات الإيرانية الجديدة، والوعود التي قطعتها للإيفاء باستحقاقات الاتفاق، ولمدى إسهامها في تسهيل حلّ سلمي في اليمن؛ فالهمّ السعودي يتركز في اليمن. علمًا أن الوعد بوقف إمدادات السلاح للحوثيين، ليس بالشيء المهم بذاته، لأن لدى الحوثيين كمّية كبيرة من السلاح، فقد مكّنهم علي عبد الله صالح من الاستيلاء على سلاح الجيش اليمني والحرس الجمهوري كاملًا، وربما يكون مخزونهم من المسيرات ليس بالقليل، هذا إذا لم تكن إيران قد مكنتهم من صناعتها.
سادسًا: خلاصات واستنتاجات
1-لا شكّ أنّ الحدث مهمّ، وفي حال نجاحه، فسوف تكون له تداعيات على كلّ الملفات في المنطقة التي تدخل إيران طرفًا فيها، وهذا سوف يحتاج إلى وقت لبيان الوجهة ووتيرة التنفيذ، فالتوجهات الإيرانية المستجدة يمكن أن تسير وفق احتمالين: أولهما مرجّح، ويُبنى على أن إيران ستمضي في مشروعها التوسعي الذي استثمرت فيه كثيرًا، وليست في وارد التخلي عنه بهذه البساطة؛ وثانيهما، وهو أقل احتمالًا، يقوم على أن إيران تعبت وأجيالها الشابة لم تعد منفعلة بسياساتها الخارجية التي أعاقت تنمية الداخل، والأهم يتوقف على الاصطفافات الداخلية المتوقعة في المرحلة الانتقالية التي ستعقب رحيل المرشد علي خامنئي.
2-على الرغم من الإنجاز الذي حققته الصين، فلن يغير الاتفاق من التحالفات القائمة في المنطقة، فالخطوة محدودة بهذا الحدث، ولا يساور الولايات المتحدة قلقٌ بهذا الخصوص، لأنها ليست في وارد ترك المنطقة ذات أكبر مخزون نفطي في العالم، للصين.
3- الاحتفاء السعودي والإيراني بالاتفاق المبالغ فيه، مع الأخذ بعين الاعتبار احتمال أن يكون كل طرف يحاول إبقاء الكرة في ملعب الطرف الآخر وتحميله المسؤولية في حال فشل الاتفاق، إنما يُدلل على أن الطرفين وبقية الأطراف المعنية في المنطقة منهكة، وتعي أن دول العالم الفاعلة منشغلة بالحرب الروسية الأوكرانية، وأن الحلول في المنطقة مؤجلة، لذلك فلا بأس من هدنة تمكّن من التقاط الأنفاس.
4- نظرًا لترابط الملفّات في المنطقة، بحكم أن إيران طرفٌ في كلٍّ منها، وبما أن النظام السوري ماض في خياره الإيراني، وغير قادر على تلبية مطالب الأطراف العربية والدولية بخصوص هذه العلاقة، فلا يرجح أن ينعكس الاتفاق إيجابًا على الوضع السوري، حتى لو نجح الاتفاق.
5- يأمل رئيس النظام السوري أن يريحه الاتفاق من مطالبات الدول العربية بتحديد علاقته بإيران، لكنه يتجاهل القرار الإسرائيلي، بمنع تمركز إيران عسكريًا في سورية، وبناءً على ذلك، ستبقى إيران مصدرًا لإثارة حالة من عدم الاستقرار في سورية وجوارها، مما يجعل أي نيّة بإعادة الإعمار والاستثمارات من دول الخليج أمرًا بعيد المنال.
5-بالنظر إلى البراغماتية والنفَس الطويل الذي يسم السياسة الإيرانية عادة (حياكة السجادة)، فإنّ الاتفاق وإن تجاوز اختباراته الأولى، فلا يستبعد أن تستغرق المفاوضات على تفاصيله زمنًا طويلًا، وهذا قد لا يضير السعودية على المدى القصير.
- المراجع
- 1- صحيفة عكاظ السعودية-جميل الذيباني- مقال بعنوان مالم يقله الاتفاق، تاريخ26/2/2023
- 2- الجزيرة نت 2001، https;//www.aljazeera.net
- 3-مركز كارنيغي نقلا عن موقع https;whia.us//9770
- 4-صحيفة الخليج الجديد تاريخ 21/3/2023
- 5- موقع روسيا اليوم RT-Breking News, Russia News, World
عذراً التعليقات مغلقة