فرص ومعوّقات “دبلوماسية الزلازل” في تعويم رأس النظام السوري

فريق التحرير30 مارس 2023آخر تحديث :
عبد الله تركماني
بشار الأسد خلال زيارته إحدى المناطق المنكوبة بالزلزال

كان لكارثة زلزال 6 شباط/ فبراير آثار متعددة، وفي هذا التقدير للموقف سنتوقف عند الآثار السياسية، من حيث تموضع الدول في مساوماتها مع رأس النظام السوري، الذي كان يترقّب إشارات الدول الأكثر تأثيرًا في المسألة السورية: المملكة العربية السعودية ومصر والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، آملًا الخروج من عزلته وشرعنة نظامه الاستبدادي، وإعطاءه قوة دفع سياسية في سورية والمنطقة.

ولكن ثمّة شكوك، لدى أغلب الدول الفاعلة، في مدى رغبة النظام في الحلّ، ومدى قدرته على الانخراط في حلّ سياسي يساعد في فتح آفاق للتعاطي المجدي مع نتائج كارثة الزلزال. ثم إنّ أغلب تلك الدول تدرك أنّ زلزال 6 شباط/ فبراير لم يكن بداية الكارثة السورية، وإنما الأمر يعود إلى اثنتي عشرة سنة، حيث تعرّض الشعب السوري للزلازل التي أحدثتها قوات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين: البراميل المتفجرة، والكيمياوي الذي ضرب غوطتي دمشق، والتهجير القسري، وتدمير المدن والقرى، وتحويل الحياة إلى جحيم.

أولًا. مرتكزات محاولة التطبيع العربي مع النظام السوري

كان لعطالة المجتمع الدولي، في الضغط على النظام وحلفائه لإيجاد حلّ سياسي للكارثة السورية، سببٌ مباشر لسعي بعض الدول العربية للتطبيع مع النظام السوري وتعويم رأسه؛ بعضها تحت وهم إمكانية تراجعه عن خياراته وتحالفاته المهددة للأمن العربي، وبعضها الآخر بحثًا عن مصالحها الضيقة، بعيدًا عن مصالح الشعب السوري المنكوب منذ اثني عشر عامًا، وأغلبها تشبه النظام السوري، في إجهاض نضالات شعوبها من أجل الحرية والكرامة خلال موجتي ربيع الثورات العربية. ولكنهم جميعهم وجدوا في الزلزال مناسبةً لإعادة الحديث عن تنازلاتٍ، على النظام السوري تقديمها، تتعلق بالحلّ السياسي للوضع الداخلي، إلى جانب الحد من نفوذ إيران، مقابل إعادته إلى الحضن العربي.

فهل يكون أحد دوافعها للتطبيع انشغال الدول الغربية، المتحفظة على التطبيع مع النظام، بأولوية الحرب الروسية على أوكرانيا، لتحقيق التوازن مع روسيا التي تعمل، حتى قبل الزلزال، على تعويم نظام الأسد؟ ولذلك قد ترى الدول الساعية للتطبيع أنّ الوقت مناسب للسير بخطوات هادئة وثابتة نحو التطبيع.

وبناء على ذلك، فقد ظهر بين الدول العربية، بشأن التطبيع مع النظام، ثلاث توجهات: أوّلها، يسير بخطى ثابتة نحو التطبيع مع النظام؛ وثانيها يرهن التطبيعَ بتحقيق تقدم في مسار الحل السياسي، ويمثل هذا التيار عربيًا دولة قطر، وغربيًا الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي؛ وثالثها يراقب الوضع في انتظار جلاء الصورة حتى يحدد موقفه، وتمثله السعودية ومصر والكويت والمغرب. ولكنّ الاتفاق السعودي-الإيراني الأخير قد جعل هذا التوجه أقرب إلى التوجه الأول.

وفي الواقع، فإنّ التوجّه الأول برز منذ عام 2018 (الإمارات والأردن)، إضافة إلى الدول التي لم تقطع علاقتها الدبلوماسية مع النظام منذ 2012 (الجزائر والعراق ولبنان)، واستغل هذا التوجه “دبلوماسية الكوارث”، للدعوة إلى عودة سورية إلى الجامعة العربية، ومن ثمّ دعوتها إلى مؤتمر القمة العربية المزمع عقده في السعودية، بعد عيد الفطر في أيار/ مايو القادم، فهل سيشهد انعقادها دعوة بشار الأسد، أم تستمر الصعوبات والموانع إزاء ذلك؟

بالنسبة إلى الإمارات، فإنها تسعى لطيّ صفحة ربيع الثورات العربية نهائيًا، وإذا كان من مصلحة النظام الانفتاح على الإمارات، كإحدى قنوات تمرير الرسائل للجانبين الإسرائيلي والأميركي، فإنه ليس مستبعدًا اعتماده كأحد قنوات الرسائل في اتجاه إيران.

أما التوجه الثاني، فقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أنّ موقف بلاده من النظام السوري لم يتغيّر. وأوضح أنّ “الأسباب التي دعت لتجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية لا تزال قائمة”، مضيفًا: “إذا لم يكن هناك حل سياسي حقيقي، فلن يكون هناك تغيير في الموقف القطري من هذه المسألة”[1]. وربما تربط قطر تغيير موقفها بتغيير السعودية موقفها، ويمكن أن تتحفظ، إذا اتُخذ قرار جماعي بعودته إلى جامعة الدول العربية.

من جانب آخر، حذّرت الولايات المتحدة الأميركية من التطبيع مع النظام، وأبدت اقتناعها بعدم جديته بتطبيق أية مبادرة عربية، لكنها في الوقت نفسه لم تمانع من الاستمرار فيها، وربما تكون لديها شروط لإعادة تطبيع العلاقات العربية والدولية مع النظام، مع التشديد على أنه لا ينبغي أن يكون هناك تطبيع مجاني.

أما التوجه الثالث، فقد مثّلت كارثة الزلزال فرصةً له من أجل المبادرة في الانفتاح على النظام، وإذا كانت مصر أكثر حماسًا للمبادرة، فإنّ السعودية فضّلت التدرج في إعلان موقفها، واعتبرت، في البداية، أنّ العودة إلى دمشق عبر بوابة المساعدات الإنسانية مناسبة معقولة جدًا. ولا شك في أنّ المملكة هي الرقم الأهم في ميزان الدول العربية، فقد كانت مصر متشددة تجاه عودة النظام إلى الجامعة العربية، خلال قمة الجزائر الأخيرة، تماشيًا مع موقف الرياض.

أما الانفتاح الأردني على الأسد، فقد تلازم مع المبادرة للتوصل إلى حلول للأزمة السورية، وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”. وفي الواقع، منذ انطلاق الحراك الشعبي السوري في عام 2011، حرص الأردن على التظاهر بالتزام موقف الحياد ما أمكن، بحكم الترابط الجغرافي والديموغرافي مع سورية. ولكنّ العلاقات شهدت تطبيعًا ملحوظًا، بعد التدخل الروسي في عام 2015.

أما بالنسبة إلى السعودية، فقد كشف وزير الخارجية، في مؤتمر ميونيخ للأمن، أنّ إجماعًا بدأ يتشكل في العالم العربي حول “لا جدوى من عزل سورية”، وأنّ الحوار مع دمشق مطلوبٌ “في وقتٍ ما”، وأنه في ظل غياب سبل تحقيق الأهداف القصوى من أجل حلّ سياسي، فقد “بدأ يتشكل نهج آخر لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين”، بخاصة بعد الزلزال المدمّر. وبدا للوهلة الأولى أنّ النهج السعودي الجديد، إزاءَ التدرج في التطبيع مع النظام، يقوم على أولويات البعد الإنساني بعد كارثة الزلزال، على اعتبار صعوبة تحقيق الحل الدائم بسبب تداخل عوامل عديدة، من أهمّها تعدد القوى الفاعلة في تطورات المسألة السورية، ولكنّ الموقف قد اتجه نحو التطبيع مع النظام، بعد إعلان الاتفاق السعودي-الإيراني في بكين.

وبالرغم من ذلك، فإنّ خلفيّة الموقف السعودي من نظام الأسد تتخطّى جرائمه الموصوفة ضد الشعب السوري، إلى الموقف من علاقته بإيران وأذرعها في لبنان والعراق واليمن على وجه الخصوص، لذا من المستبعد أن ينقلب الموقف السعودي دفعة واحدة، وإنما بالتدريج، وهنا من المفيد متابعة التجاذبات التي سنشهدها خلال الفترة القادمة، قبيل مؤتمر القمة العربية في السعودية. إذ إنّ العرب يدركون ضعف حضورهم في سورية، التي تتقاسمها مناطق نفوذ متعددة: النظام السوري موجود بفعل الحماية الروسية والنفوذ الإيراني، وهناك نفوذ للولايات المتحدة الأميركية، ولتركيا، ولهيئة تحرير الشام.

وبالتزامن مع الاتفاق السعودي-الإيراني، برزت مؤشرات سعودية تنطوي على بداية تحوّل تجاه النظام السوري، حيث قال وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، في تصريحات لقناة العربية: “لا بدَّ أن نجد سبيلنا لتخطّي التحديات التي يفرضها الوضع القائم، في ما يتعلق باللاجئين والوضع الإنساني داخل سورية، ولذلك لا بدَّ أن نجد مقاربة جديدة، وهذا سيتطلب لا محالة حوارًا مع الحكومة في دمشق.. ونحن والدول العربية نعمل على الصياغات المناسبة، بالتشاور مع شركائنا في المجتمع الدولي”[2].

وكان أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، قد أكد أنّ عودة سورية إلى الجامعة لم تُحسم بعد، إذ قال: “بالرغم من مناقشة عودة مقعد سورية إلى الجامعة العربية، خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في 9 آذار/ مارس، لم يكن هناك توافق أو معارضة، ولم تُحسم عودة سورية، بسبب مواقف بعض الدول”[3].

ثانيًا. دخول مجموعة آستانة على خط محاولة تعويم النظام

تسارعت اللقاءات الثلاثية (تركيا، النظام، روسيا) بوتيرة سريعة بعد الزلزال، قبل أن تنضم إليها إيران، حيث كانت زيارة إسماعيل قآني (قائد فيلق القدس) إلى حلب، قبل وصول بشار الأسد، رسالة للمجتمعين أنّ التفاهمات المنبثقة لا يمكن أن تمرّ دون موافقة إيران. وقد أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، في 8 آذار/ مارس، انضمام إيران رسميًا إلى اجتماعات اللجنة الفنية الثلاثية، لاستكمال خطوات التطبيع بين أنقرة ودمشق.

وقد بدا أنّ تركيا تمضي قدمًا في التطبيع مع النظام السوري، للمساعدة في تثبيت الوضع القائم في الشمال لتسريع عودة اللاجئين، ولكنّ العودة “الطوعية” للاجئين يمكن أن تحقق المطلوب جزئيًا، خاصة أنّ النظام لا يرغب في عودتهم، ولا يرغب في تقديم خدمة مجانية لأردوغان قبل الانتخابات التركية. ولكن، بالرغم مما حققته تركيا من مكاسب، من خلال فتح المعابر ومرور الآلاف من اللاجئين، فإنّ المسألة الأمنية، أي وجود منطقة الإدارة الذاتية لـ “قسد”، قد تدفع تركيا إلى التطبيع مع الأسد، بعد الانتخابات التركية، وربما قبلها إذا تم التوافق في الاجتماعات الرباعية القادمة في موسكو.

أما إيران، فقد رحّبت بالتوجه العربي للتطبيع مع النظام، حيث قال وزير الخارجية عبد اللهيان، في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره في حكومة النظام السوري فيصل المقداد، في 9 آذار/ مارس: “نشعر بالارتياح، لأنّ الدول الإقليمية أصبحت تتمتع بالواقعية، واتخذت مواقف واقعية بالنسبة للدور الهام للنظام السوري وموقعه الحقيقي”، مضيفًا أنّ إيران “ترحب بالاجتماعات الرباعية أو الصيغة الرباعية موسكو طهران دمشق وأنقرة، بهدف الوصول إلى تعاون متزايد والخروج من الأزمات”[4].

  ثالثًا. أهم المعوّقات التي تواجه التطبيع مع النظام السوري

إنّ محاولة التطبيع مع النظام السوري كانت مطروحة في قمّة الجزائر، ولكنها فشلت. واليوم، بعد زيارات بشار الأسد لعُمان والإمارات العربية المتحدة ومستجدات الموقف السعودي، لنا أن نتساءل عن مدى مصداقية الموقف الأميركي المعلن من التطبيع مع النظام، وإلى أيّ مدى يمكن أن يلجم الاندفاعة العربية نحوه؟!

ثمة شكوك حول إمكانية نجاح التطبيع، بسبب صعوبة تجاوب النظام مع مطالب الدول العربية، سواء بالنسبة إلى علاقته بإيران، أو بالنسبة لانخراطه في عملية الانتقال السياسي تجاوبًا مع قرارات مجلس الأمن الدولي. ويبدو ذلك واضحًا في إعلامه الذي يتعاطى مع التطورات من زاوية رضوخ العرب له، والإقرار بانتصار النظام على شعبه.

وفي الواقع، تصطدم استعادة سورية من بوابة النظام بعقبات عديدة: فهل يمكنه الكشف عن مصير 132 ألف شخص من المفقودين والمغيّبين قسرًا، وضمان عودة المهجّرين والنازحين إلى مناطقهم، وإعادة الممتلكات المسروقة للغائبين؟ فضلًا عن سيطرته على شبكات صناعة مخدرات كبتاغون وتهريبها، وعجزه عن إخراج إيران وحزب الله من سورية. بل إنه يعمل على التماهي المطلق مع إيران، لابتزاز دول الخليج وإجبارها على الاستمرار في الشعور بالحاجة إليه، وهي ذاتها الإستراتيجية التي ورثها عن أبيه خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980 – 1988).

وبعيدًا عن المحاولات العربية للتطبيع، يبدو أنّ النظام يبذل جهودًا لفكِّ عزلته على الساحة الدولية، مستغلًا كارثة الزلزال، وذلك بعد إبداء دول عديدة استعدادها لتقديم المساعدة، رغم تصنيفها للأسد كمجرم حرب، وكزعيم عصابة لتهريب المخدرات، فالكارثة أكبر بكثير، والوقت أضيق من التفكير في كل ذلك.

ولكنّ المواقف الغربية، وإن كانت بدافع إنساني، قد تمهّد إلى كسر عزلة الرئيس السوري، وتخفف العقوبات الدولية المفروضة على نظامه، بما يؤشر إلى بعض التحوّل في هذه المواقف، وإن كان لا يزال من المبكّر الحكم على المدى الذي يمكن أن تبلغه، خاصة في ضوء الموقف الأميركي المعلن حول معارضته التطبيع مع النظام. ففي 23 آذار/ مارس، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، أنّ الولايات المتحدة “تدعم البلدان في جميع أنحاء العالم، لبذل كل ما في وسعها لإيصال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى سورية بأسرع ما يمكننا بشكل جماعي، ولكن ما لا تدعمه هو تطبيع العلاقات مع نظام الأسد”[5]. وذلك انطلاقًا من قناعة الإدارة الأميركية بأنّ إعادة تعويم الأسد تصبّ في مصلحة الرئيس الروسي بوتين الغارق في المستنقع الأوكراني، وأنها لن تعطيه ورقة رابحة بشكل مجاني، لتعزيز الوجود الروسي في شرق البحر المتوسط، حيث الصراع على موارد الغاز.

وممّا يؤكد الموقف الأميركي أنّ وزارة الخارجية الأميركية نظمّت في 3 آذار/ مارس حملةً، بالتنسيق مع الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حملت اسم “دون وجه حق”، تهدف إلى زيادة الوعي الدولي بمحنة جميع المعتقلين السياسيين وتأمين الإفراج عنهم. كما أطلقت الولايات المتحدة حملتها “شهر المحاسبة”، التي تتجدد مع كل بداية آذار/ مارس، للتذكير بجهودها في محاسبة نظام الأسد على الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري. وجاء في بيان السفارة الأميركية في دمشق: “يصادف شهر آذار/ مارس السنة الثانية عشرة التي يواجه فيها السوريون مأساة على نطاق لا يمكن تصوّره.. لم ننسَ معاناة السوريين على أيدي نظام الأسد وداعميه (..) نبقى واضحين في سياستنا أنه من غير المقبول أن يستغل النظام هذه الكارثة الطبيعية لمصلحته، بينما لم يُحاسب على فظائعه”.

وخُتم البيان معتبرًا أنّ إفلات النظام السوري من العقاب هو “أمر غير مقبول. بينما ندعم ضحايا الزلزال في تعافيهم من هذه الكارثة الطبيعية، سنواصل الضغط من أجل المساءلة في كل مكان في سورية”[6]. وكان مجلس النواب الأميركي قد وافق، في 27 شباط/ فبراير، على قرار نعي ضحايا سلسلة الزلازل التي ضربت تركيا وسورية، وأدان بشدة نظام بشار الأسد، بسبب جهوده لاستغلال الكارثة، للتهرب من الضغط والمساءلة الدوليين. وتمت الموافقة بأغلبية 412 صوتًا مقابل 2 من الحزبين.

أما المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، بيتر ستانو، فقد أكد أنّ موقف الاتحاد من النظام “لا يزال كما هو، هذا النظام ليس له شرعية، وهذا ليس الوقت المناسب لتطبيع العلاقات”، وتابع أنّ “استعداد الاتحاد الأوروبي لمساعدة ضحايا الزلزال في سورية لا يعني فتح الأبواب للتطبيع مع النظام، إنما يُثبت ما كنا نفعله طوال الوقت، نحن نقف إلى جانب الشعب السوري، ونواصل دعمه، وحتى قبل الزلزال المأساوي كان الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للشعب السوري”[7].

وبالرغم من كل المواقف الأميركية المعلنة، يبدو أنّ الإدارة ما زالت تتبع طريق “إدارة الأزمة”، لتحقيق أفضل ما يمكن من المصالح الأميركية، فهل تلجم الإدارة التوجّه العربي للتطبيع مع الأسد؟ أم أنّ مصالحها تقتضي عدم إزعاج حلفائها في المنطقة، ومراقبة النتائج على ضوء دعوتها إلى “تغيير سلوك النظام”؟ وفي هذا السياق، ليس مستبعدًا أن تسعى إلى توظيف الميل العربي للتطبيع مع الأسد، لعلّه يفتح في المجال لإيجاد بدائل للنفوذين الروسي والإيراني، إضافة إلى اتخاذه إجراءات إيجابية لسلوكه تجاه إسرائيل والأردن.

رابعًا. خاتمة

لقد انتظر السوريون المجتمع الدولي اثني عشر عامًا، ليساعدهم في تفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي التي تنطوي على عملية انتقال سياسي، ولكنّ هذا الانتظار لم يكن في مكانه، إذ إنّ الكارثة السورية لم تعد أولوية لدى القوى الرئيسة المؤثرة في سورية، بل باتت تلك الدول، بعد أن حصلت كل واحدة منها على ما تريده في الأرض السورية، تستخدم المسألة السورية صندوق بريد لتبادل الرسائل، وورقة ضغط تستخدمها وقت اللزوم في المفاوضات في ملفات أخرى. وبناء على ذلك، لا يمكن التكهّن بالمستقبل بعد “دبلوماسية الزلزال”، أي لا يمكن ضمان عدم ارتفاع أصوات غربية تنادي بالحوار مع الأسد، على أمل “تغيير سلوكه”.

أما نظام الأسد، فهو يعيش في عالمه الخاص، مفصولًا عن الواقع الدولي، وما زال يَعتقد أنّه ممكن توظيفه غربيًا للنيل من إيران وروسيا، وأنّه ماهر باللعب على الاستقطابات الدولية والإقليمية، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ويبدو أنه لم يدرك أنّ مصيره بات مرتبطًا بمصير بوتين في حربه على أوكرانيا، وبمصير النظام الإيراني.

أما المحاولات العربية لتعويم الأسد، دون شرط تفعيل عملية الانتقال السياسي، فستشكل مغامرة عربية تنطوي على كثير من المخاطر على الأمن العربي، إذ إنّ الدول العربية ليس من مصلحتها الانتظار أكثر قبل أن تقدِم على انتهاج مقاربة جديدة حيال الكارثة السورية، تُنصف الشعب السوري، وتستجيب لمطالبه في الحرية والكرامة.

ومن المؤكد أنّ حراك بعض الدول العربية من أجل تعويم الأسد مرهونٌ بمساومات السعودية ومصر مع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في سورية، ولعلَّ هذا ما يفسر تلكؤهما في إعلان موقف واضح من مسار التطبيع مع النظام. فإذا بقيت الإدارة الأميركية عند مواقفها المعلنة من النظام، ولم تهرول أوروبا، خاصة ألمانيا وفرنسا، إلى التطبيع معه، فسيصعب على العرب أن يعيدوا نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية، وبالتالي إلى القمة العربية في السعودية.

ولكنّ المستجد أخيرًا، وهو الاتفاق السعودي-الإيراني، قد فتح المجال لمرونة سعودية، بشأن التطبيع مع النظام، إذ نقلت قناة الإخبارية السعودية الرسمية، في 23 آذار/ مارس، عن مصدر في وزارة الخارجية السعودية أنه “في إطار حرص المملكة على تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين، فإن البحث جارٍ بين المسؤولين في المملكة ونظرائهم في سورية، حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية”. وكانت وكالة “تسنيم” الإيرانية قد استبقت الإعلان السعودي، إذ نقلت عن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في 22 آذار/ مارس، قوله إن “هناك اتفاقات بناءة تجري في المنطقة، ونرحّب بالاتفاق بين السعودية وسورية لتطبيع العلاقات وإعادة فتح القنصليات”[8].


[1] عبد الله سليمان علي، موقف قطر من دمشق: مؤشرات تنبئ بمقاربة جديدة للملف السوري، النهار العربي، آذار/ مارس 2023، الرابط https://2u.pw/pYAO43، شوهد بتاريخ 3 آذار/ مارس 2023.

[2] وزير الخارجية السعودي: لا بد من مقاربة جديدة في سورية وهذا سيتطلب حوارًا مع دمشق، موقع تلفزيون سوريا، 11 آذار/ مارس، الرابط https://2u.pw/es3MJA، شوهد بتاريخ 11 آذار/ مارس 2023.

[3] أحمد أبو الغيط: لا رؤية واضحة للتعامل مع الملف السوري في إطار الجامعة العربية، “تلفزيون سوريا”، في 9 آذار/ مارس، الرابط https://2u.pw/KGPmv0، شوهد بتاريخ 9 آذار/ مارس.

[4] بشار الأسد: المحادثات مع تركيا يجب أن يكون لها أجندة محددة وواضحة، موقع تلفزيون سوريا، 10 آذار/ مارس، الرابط https://2u.pw/md5rXY، شوهد بتاريخ 10 آذار/ مارس 2023.

[5] الخارجية الأميركية لـ “العربي الجديد”: نعارض التطبيع مع الأسد، العربي الجديد، في 23 آذار/ مارس. الرابط https://2u.pw/8TUzlk، شوهد في 23 آذار/ مارس.

[6] “شهر المحاسبة”.. حملة أميركية للضغط باتجاه مساءلة النظام السوري وداعميه، موقع تلفزيون سوريا، 5 آذار/ مارس، الرابط https://2u.pw/9LNiqk، شوهد بتاريخ 5 آذار/ مارس 2023.

[7] ديانا رحيمة، مساعدة الاتحاد الأوروبي ضحايا الزلزال لا تعني التطبيع مع الأسد، صحيفة “العربي الجديد”، 3 آذار/ مارس، الرابط https://2u.pw/UZTfeF، شوهد بتاريخ 3 آذار/ مارس 2023.

[8] مباحثات بين السعودية والنظام السوري لاستئناف الخدمات القنصلية، صحيفة “المدن” الإلكترونية، 23 آذار/ مارس. الرابط https://2u.pw/BvFYLa، شوهد بتاريخ 23 آذار/ مارس.

المصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل