خلال الأيام العشرة الأولى بعد كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، لم يجد السوري أحمد وعائلته بديلا سوى العيش في شوارع بلدة أديامان جنوب شرق تركيا، لكنه مؤخرا اضطر إلى العودة إلى سوريا بعد سنوات من اللجوء في تركيا حيث كان يأمل في أن يتمكن من تكوين حياة جديدة له ولأسرته. وقال عقب عودته إلى شمال سوريا “لم يبق لي شيء في تركيا. ولكن على الأقل لدي هنا (في شمال سوريا) بعض الأصدقاء والأقارب”. وكان يتحدث أحمد من منزل أحد أصدقائه في إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، لكنه طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل أو مكان تواجده لأن هذا قد يشكل خطرا على حياته.
وقبل سنوات، فر أحمد، الذي كان يعمل عاملا في أحد المصانع، إلى تركيا، لكن الزلازل المدمر قد أتى على منزله البسيط في تركيا وأيضا المصنع الذي كان يعمله فيه. وعقب الزلازل، لم تكن أسرة أحمد سعيدة الحظ حيث لم تحصل على خيمة من الحكومة قد تعينها على تحمل وطأة التشرد فيما يقول أحمد إنه يعتقد أن السبب وراء ذلك يتمثل في أن السلطات كان لديها سياسة تمييزية لصالح سكان البلاد من الأتراك حيث كانت الأولوية لهم عندما يتعلق الأمر بتوزيع المساعدات على المتضررين من الكارثة.
وقال “في اليوم التالي بعد الزلزال، ضاعف أصحاب العقارات التي نجت من الكارثة الإيجارات. المكان الذي كان قيمة إيجاره الشهري لا تتجاوز 4000 ليرة قبل الزلازل [212 دولارا)، أصبح الآن 8000 ليرة شهريا. وهناك تحيز إذ من المستحيل على أي سوري أن يستأجر مكانا الآن.”
“ماذا سيحدث لنا؟”
ولم يكن خيار أحمد بالعودة إلى بلاده بالأمر السهل إذ كان صعبا، لكنه كان مضطرا حتى أنه اقترض بعض الأموال لتسديد نفقات انتقاله من تركيا إلى سوريا. وقال: “لا اعرف ماذا سيحدث لنا؟ إذا حصلنا على خيمة أو مكان يأووينا، ربما ستبقى هنا، لكن حتى الآن لا أعرف ماذا سيحدث لنا؟”.
ليس أحمد الوحيد الذي يساوره القلق حيال عودته إلى سوريا إذ أن هناك الآلاف من السوريين يواجهون المصير ذاته. فقبل أيام قليلة، عاد قرابة 10 آلاف سوري إلى بلادهم عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا فيما يعتقد أن حوالي عشرين 20 ألف سوري قد عادوا بالفعل سواء عبر المعابر الحدودية أو طرق السفر الأخرى. وفي ذلك، قال فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومقرها لندن، إن أكثر المدن التركية المتضررة من الزلازل كانت موطنا لعدد كبير من اللاجئين السوريين، مشيرا إلى أن محافظتي هاتاي وغازي عنتاب الأكثر تضررا من الزلزال كان يقطن كل منهما قرابة نصف مليون سوري.
وقال “يعني هذا سقوط الكثير من السوريين ضحايا ومن نجوا فقد تضرروا كثيرا. سوف يفقد الكثير منهم كل شيء..عائلات وممتلكات ووظائف العمل. السوريون هناك كانوا يعانون قبل الزلازل، لذا من الصعب الآن أن يتمكنوا من إعادة بناء حياتهم مرة أخرى”. وأشار عبد الغني إلى أن بعض السوريين يعتزمون العودة إلى بلادهم للاطمئنان على أسرهم أو حتى مواساة أقاربهم.
السوريون ليسوا “لاجئين” في تركيا
يشار إلى أن الحكومة التركية قد وافقت على اتفاقيات دولية خاصة باللاجئين، لكنها تعترف بأن اللاجئين هم الذين يفرون من “الأحداث التي تقع في أوروبا” مما يعني أنها لا تعترف بحوالي أربعة ملايين سوري في البلاد كلاجئين، لذا تمنحهم السلطات التركية ما تطلق عليه “وضع الحماية المؤقتة” الذي يشمل تصريح إقامة والحصول على بعض الرعاية الاجتماعية والخدمات العامة وبطاقة هوية.
قبل الزلزال، سُمح للسوريين ممن يمتلكون تصاريح إقامة بالسفر إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال سوريا بهدف “زيارة” ذويهم خاصة في الأعياد. لكن هذا الأمر قد طرأ عليه التغيير مؤخرا حيث أعلنت الحكومة في أبريل / نيسان الماضي أنها لن تسمح بذهاب اللاجئين السوريين إلى مناطق المعارضة خلال الأعياد وهو الأمر الذي كان مسموحا به منذ 2014.
وتزامن مع تصاعد التوتر السياسي حيال الوجود السوري في تركيا حيث أصبحت قضية اللاجئين السوريين سياسية مثيرة للجدل خاصة مع قرب إجراء الانتخابات. وكانت وسائل إعلام تركية قد نقلت عن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو قوله إنه بإمكان السوريين “الذهاب إلى المناطق الآمنة والبقاء فيها”.
يشار إلى أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية قد أفادت في أكتوبر / تشرين الأول الماضي بأن السلطات التركية شنت حملات اعتقال تعسفية وأعمال ترحيل القسرية طالت مئات السوريين خلال العام الماضي.
وعقب الزلازل، قالت الحكومة التركية في 15 فبراير/ شباط الجاري إن السوريين ممن لديهم تصاريح إقامة ويعيشون في 10 محافظات هي الأكثر تضررا من الكارثة، يمكنهم العودة إلى بلادهم والبقاء فيها لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر. وحذرت السلطات التركية أنه في حالة عدم الالتزام بذلك، فإن تداعيات هذا سيكون إلغاء تصاريح الإقامة.
ماذا بعد العودة؟
ويقول مراقبون إن أغلب السوريين يعودون إلى مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب البلاد وهي مناطق تتقاسم إدارتها أطياف عديدة من الميليشيات سواء تلك التي تدعمها تركيا والولايات المتحدة وأيضا ميليشيات متطرفة مثل “هيئة تحرير الشام”.
وتعاني هذه المناطق من بنية تحتية متردية بعد سنوات من الحرب والقتال وأعمال القصف السوري والروسي فيما تشير تقديرات مختلفة إلى أن عدد سكان إدلب يبلغ قرابة أربعة ملايين شخص، بينهم أكثر من 1,7 مليون شخص يعيشون في مخيمات النازحين. فيما يعتمد معظم السكان على المساعدات الإنسانية التي يأتي جُلها عبر معبر “باب الهوى” على الحدود مع تركيا. بيد أن الزلزال من شأنه أن يفاقم الأوضاع المعيشية لسكان إدلب في ظل النقص الحاد في المساعدات الإنسانية قبل وقوع الكارثة.
وفي مقابلة مع DW، قالت رنيم أحمد، مسؤولة الاتصالات لدى “الحملة السورية”، “لقد سمعنا من السكان والصحافيين في هذه المنطقة أن الكثيرين ممن عادوا يقيمون مع أقاربهم أو يعيشون في مخيمات مؤقتة”.
من جانبه، قال محسن المصطفى، باحث مساعد في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ومقره اسنطبول، أن معظم العائدين يتوجهون إلى المناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة، لذا فهم “لا يخشون من تعرضهم للملاحقة أو الاعتقال من قبل قوات الأمن السورية”.
وأضاف “مازال بشار الأسد يمثل التهديد الأكبر لأنه يمنعهم من الوصول إلى مناطق إقامتهم الأصلية في سوريا إما بسبب تعرضها للتدمير أو بسبب ما تمارسه الحكومة من أعمال قمع واضطهاد. وفي مناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، فإن الخطر الأكبر من المرجح أن يتمثل في القصف الذي تشنه قوات الأسد بين الحين والآخر”.
العودة مجددا إلى تركيا.. المزيد من الغموض
من جانبه، يقول فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومقرها لندن، إنه يتفهم قرار بعض السوريين في العودة إلى بلادهم بعد كارثة الزلزال، لكنه يساوره القلق حيال وعود الحكومة التركية بالسماح لهم بالعودة مجددا إلى تركيا. وأضاف “معظم هؤلاء يمتلكون تصاريح (إقامة) والبعض منهم يحمل الجنسية (التركية)، لكنني أخشى أن ترى السلطات التركية في عودتهم فرصة وألا تسمح لهم بالعودة مرة أخرى بسهولة”.
وتساور رنيم أحمد، مسؤولة الاتصالات لدى “الحملة السورية”، نفس القلق، مضيفة “في ضوء العداء المتزايد ضد اللاجئين السوريين (في تركيا) الذي شهدناه خلال الأشهر الأخيرة، فإن هناك مخاوف حقيقية من أن السلطات التركية قد لا تسمح لهم بالعودة. لكن لم يمكننا حسم ذلك إلا مع بدء عودتهم مجددا إلى تركيا بعد مرور عدة أشهر، لكن الغموض يكتنف كل شيء”.
وعلى وقع ذلك، دعت رنيم المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى “ضمان حصول الجميع على مساعدات إنسانية منقذة للحياة وضمان حماية المدنيين في شمال سوريا فضلا عن ضمان حماية اللاجئين السوريين في تركيا من تعرضهم لأعمال عنصرية أو أعمال ترحيل قسرية”.
عذراً التعليقات مغلقة