كثُر الحديث والجدل حول موجبات وآليات تقديم المساعدات الإنسانيّة للمتضرّرين من كارثة الزلزال في المناطق المُحرّرة، وفيما يتوجب صدور قرار خاص من مجلس الأمن بذلك أم لا، أو يجب الحصول على موافقة النظام السوري على ذلك؟ ولبيان هذا الأمر نورد ما يلي:
يرتبط مفهوم المساعدات الإنسانية بين المجتمعات الإنسانيّة من إحساس الإنسان بأخيه الإنسان المتوّلد عن مجموعة القيم والمبادئ الدينيّة والأخلاقيّة، وتطوّرت إلى أن أصبحت التزاماً قانونيّا منبثِقاً عن قواعد ونصوص القانون الدولي يتولّى حماية المدنيين المتأثرين بالنزاع المسلح، وإغاثة المتضررين من الكوارث والأزمات.
وتعّرف المساعدات الإنسانية بأنها: أعمال الإغاثة العاجلة والضرورية المواد الأساسية كالغذاء والدواء والكساء اللازمة لبقاء الحياة الإنسانية للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة، ولمن يواجهون ظروفاً عسيرة بسبب الكوارث الطبيعية، من خارج الإقليم الذي يوجه تلك الظروف. وفقاً لتعريف كل من: معهد القانون الدولي والفقرة الثانية من المادة “18” من اتفاقيات جنيف والحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا لعام 1986″.
وهناك فرق بين التدخل الدولي الإنساني والمساعدات الإنسانية، وهو أن المساعدات الإنسانية عمل ذو طابع رضائي، يقتضي الحصول على موافقة الدولة المعنية بالمساعدة قبل البدء في تنفيذها. أمّا التدخل الدولي الإنساني لا يشترط فيه الحصول على موافقة الدول التي ُيتدخل فيها، لأن التدخل يتم أساسا بدعوى حماية حقوق الإنسان في ظل عجز حكومة الإقليم المتدخل فيه، أو لأن تلك الحكومة هي المتسببة في خرق تلك الحقوق بدرجة جسيمة.
وحيث إنّ المساعدات الإنسانيّة تتميّز بميّزتيّن هما ”الاستعجال والاحتياط“:
الاستعجال: يتوقف عليه نجاح عملية الإنقاذ في تخفيف معاناة المحتاجين لتلك المساعدات، وهو ضرورة ملحة لحماية حقوق الإنسان، وممارسة العمل الإنساني، مما يوجب أن يكون تقديم المساعدات الإنسانية الدولية فورياً للحيلولة دون تفاقم الحالة الصحية للضحايا، أو تأزم الحالة بشكل يخرجها عن السيطرة وتعدّ المساعدة الإنسانية السريعة هي واحدة من أهم وظائف الأمم المتحدة عند وقوع الكوارث الطبيعية، مما يوجب عليها فتح ” الصندوق المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ” للبدء بعمليات الإغاثة الطارئة، عبر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لتقديم المساعدة.
والاحتياط: وحيث أنّ مسؤولية حماية السكان تقع على الدولة التي تمارس السيادة على الإقليم، وفي حال فشلها يقوم المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات جماعية انطلاقاً من “مسؤولية الحماية” عبر تقديم المساعدات وغوث المدنيين .وهذا ما أكدته الجمعية العامة بقرارها رقم 43/131 لسنة 1988 الذي جاء في ديباجته على أهمية تقديم المساعدات الإنسانية، ولكنه نص في فقرته الثانية على” سيادة الدولة المتضررة ودورها الأساسي في بدء وتنسيق وتنظيم وتنفيذ خطط المساعدة الإنسانية على أراضيها،” وهو ما يؤكد الطابع الاحتياطي للمساعدات الإنسانية، واعتبار أن الدولة هي المسؤولية الأولى التي تقع على عاتق الدولة صاحبة الإقليم، وهو ما أكدته أيضا ديباجة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 45/100 لسنة 1990.
وحيث إنّ ما تشهده المناطق المحرّرة من أوضاع إنسانيّة كارثيّة بسبب اجتماع سببين رئيسيّين وهما:
الأول: الحرب على الشعب السوري التي يقودها النظام السوري وحلفائه.
والثاني: هو الكارثة الطبيعيّة ”الزلزال”.
مما يجعل الوضع الإنساني مُركّب وهو ما يُعرف بـ ”الطوارئ المعقّدة” الناجمة عن تزامن الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة، التي تشكِّل تهديد بالغ الخطورة على حياة السكان المدنيين.
وحيث إنّ سيادة الدولة ليست غاية ٌ في ذاتها بل هي وسيلة لغاية، والغاية هي خير شعب الدولة، واحترام كرامة الإنسان، وحقوقه الأساسية في الداخل، وفكرة التزام الحماية أول أهداف الدولة، ومبرر لوجودها، وحيث أنّ النظام السوريّ لم يؤتمن على حياة الناس حتى يؤتمن على المساعدات الدوليّة المقدّمة لضحاياه قبل ضحايا الزلزال، وهو الذي حوّل سوريّة إلى دولة فاشلة، بسبب الفساد المستشري، وغياب القانون، والقتل والتهجير القسري والتدمير والتشريد.
وحيث إنّ أحد أهم مقاصد الأمم المتحدة التي نص عليها ميثاقها، هو تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، ويعتمد المجتمع الدولي الآن على المنظمة الدوليّة في تنسيق عمليات المساعدات الإنسانية الدولية نظرا لطبيعة الكوارث الطبيعية، وتلك التي من صنع الإنسان، مما يتطلب جهداً كبيًر خارج قدرة السلطات الوطنية، وخارج الجغرافيا الوطنية كذلك.
وحيث إنّ ترك ضحايا الكوارث الطبيعية وضحايا الطوارئ الأخرى المماثلة بلا مساعدة إنسانية يمثل خطراً على الحياة الإنسانية وإهانة لكرامة الإنسان، وفقاً لما ورد في ديباجة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ”43/131″ لسنة 1988.
ووفقاً لما ورد في ديباجة العهد الدوليّ لسنة 1966 من أنّ ” حقوق الإنسان تنبثق من الكرامة الكامنة في شخص الإنسان”، فالإنسان ليس مجرد شيء أو موضوع ولكنه شخص ذو إرادة حرة تجعل منه ذا قيمة دائمة بذاته ولذاته، والكرامة الإنسانية بهذا المفهوم تبرر وجود المبدأ الأخلاقي الذي يقضي بضرورة مساعدة الضحية من عواقب النزاعات، والكوارث الطبيعية والإنسانية، وعلى ذلك فالأسس الأخلاقية والأدبية، لا يمكنها الانفصال عن الأسس القانونية في ميدان المساعدة الإنسانية، على اعتبار أن القاعدة الأخلاقية والقانونية تنبع من ذات المصدر، وهو الإنسان والكرامة الإنسانية.
وبناء على ما سبق:
يتوجّب على المجتمع الدولي تُقدم المساعدات الإنسانية، التزاماً باتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة، وهو ما يوفِّره قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بتمديد عمليات تقديم المساعدات عبر الحدود الخاص بسوريّة رقم ”2672″ لسنة 2023.
كما يُمكن للدول فرادى ومجتمعة تقديم المساعدات الإنسانيّة إلى المناطق المنكوبة دون اشتراط الحصول على موافقة ” النظام ” استناداُ لقرار مجلس الأمن الدولي رقم “770” لسنة 1992م الذي يطلب من جميع الدول أن” تتخذ فرادى أو من خلال الوكالات والترتيبات الإقليمية جميع التدابير التي تكفل بالتنسيق مع الأمم المتحدة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية”، وهو القرار الذي استند إليه حلف الأطلسي في استخدامه للقوة العسكرية سنة 1995في البوسنة والهرسك.
عذراً التعليقات مغلقة