يعود الصدام بين حزب البعث السوري الذي كان ينتهج فكر القومية العربية والاشتراكية مع جماعة الإخوان المسلمين والتي كانت تنتهج الإيديولوجيا الإسلامية إلى عام 1940 فلكل منهم رؤية مختلفة تماماً عن الآخر فيما يتعلق بإدارة الدولة والسياسة العامة لها والاقتصاد.
وكانت مدينة حماة على وجه الخصوص في سوريا معقلاً هاماً للتيار المحافظ ولجماعة الإخوان المسلمين، ولطالما كان حزب البعث ونظام الأسد المجرم ينظر إلى هذه المدينة كمعقل لمعارضيه حيث وقع أول صدام واسع النطاق في مدينة حماة بين ميليشيات البعث وأبناء تلك المدينة في أعقاب انقلاب عام 1963 عندما استولى حزب البعث على السلطة في سوريا ولأول مرة في نيسان من العام 1964.
حين استجلب البعثيين الجيش السوري بعدته وعتاده ودباباته ومدافعه إلى مدينة حماة لسحق التحرك الشعبي الذي حصل ضدهم في ذلك الوقت، وكانت النتيجة قتل أكثر من سبعين مواطناً وإصابات وحالات اختفاء قسري لم يحصَ عددها وقتها.
واستمرت سياسة القمع والقتل والاعتقالات في مدينة حماة خاصة من خلال الأجهزة الأمنية التي تم استحداث بعض منها وتطوير القديم منها، والتي كانت تتم قيادتها من أعضاء بعثيين مارسوا الانتهاكات والجرائم بحق أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين خاصة، وبحق النخب المثقفة من أبناء مدينة حماة عامة، مما دفع شباب الجماعة للقيام بعمليات أمنية محدودة ضد بعض القيادات البعثية والضباط المجرمين في بعض المدن السورية كردة فعل على التوحش والجرائم المرتكبة بحقهم من قتل وتعذيب وإخفاء قسري.
وبحلول تموز من عام 1980 أصدرت حكومة الأسد ما يسمّى القانون رقم 49 القاضي بالإعدام على كل من ينتسب لجماعة الإخوان المسلمين، وكان ذلك ردة فعل من المجرم حافظ الأسد على عملية الاغتيال التي استهدفته بتاريخ 26 حزيران عام 1980 حيث إنَّ انتقام الأسد المجرم وقتها كان سريعاً، وبلا هوادة.
فقد أفادت تقارير وكالات أنباء غربية بأنَّ قوات تابعة لميليشيات سرايا الدفاع التي كان يقودها المجرم رفعت الأسد أقدمت على إعدام 1200 شخص في زنازينهم بسجن تدمر العسكري. كما شنت ذات القوات هجمات في ذات التاريخ على بعض أحياء حماة (حي بستان السعادة) وقتلت أكثر من 300 شخص رمياً بالرصاص داخل منازلهم.
في ذكرى المجزرة، اليوم، يستذكر السوريون عامة والحمويون خاصة تفاصيلها المرعبة العصية على النسيان.. جرائم وأهوال وتوحش مارستها قوات الأسد وميليشياته المجرمة بحق أطفال ونساء وشيوخ بدون أي رادع أخلاقي (بقر البطون، تقطيع الجثث، حرق للمنازل بساكنيها، مقابر جماعية، هدم للأحياء فوق رؤوس ساكنيها).
في الثاني من شباط من العام 1982 أطبقت سرايا الدفاع التي يقودها الجلاد رفعت الأسد وبأوامر مباشرة من شقيقه النافق المقبور حافظ الأسد وبدعم قوي من الجيش الذي يرأسه آنذاك وزير الدفاع مصطفى طلاس والأجهزة الأمنية في حماة، والتي كان يتزعم إدارتها المقبور العميد يحيى زيدان حصاراً على مدينة حماة متبعاً سياسة الأرض المحروقة ومستخدماً أعتى أنواع الأسلحة براً وجواً حيث حاصر وعلى مدى 27 يوماً 1400 جندي مدينة حماة مانعين الدخول والخروج منها.
ووفقاً لتقارير منظمة العفو الدولية، فإنَّ قوات الجيش السوري قامت بقصف أحياء وسط المدينة بالطائرات الحربية، وذلك لتسهيل دخول عناصر المشاة والدبابات، ويشير تقرير ذات المنظمة أنَّ قوات الجيش الحكومية قد هدمت كل المباني التي واجهتها في طريقها فوق رؤوس ساكنيها خلال الأيام الأربعة الأولى لاقتحام المدينة، وأنَّها دمّرت أجزاء كبيرة من المدينة القديمة، وقد أكدت أيضاً على استخدام القوات الحكومية لغاز سيانيد الهيدروجين.
فيما قصفت القوات الحكومية التابعة لرفعت الأسد المدينة بقذائف المدافع وراجمات الصواريخ ثم قامت بتمشيط الأحياء بعد ذلك مرتكبة انتهاكات ومجازر بحق المدنيين من مختلف الأعمار والأنواع، كما قامت القوات الحكومية وفق التقرير المشار إليه بإحراق الكثير من الأحياء المحاصرة بوقود الديزل. وقد أكد التقرير المومأ إليه آنفاً إضافة لتقارير أخرى صادرة عن منظمات حقوقية بأنَّ القيادة السورية منحت القوات المقتحمة لمدينة حماة صلاحيات مطلقة بالقتل والتعذيب والتدمير.
كل ذلك لتفادي اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية، فيما فرضت السلطات الأمنية وقتها تعتيماً كاملاً على الأحداث التي تشهدها مدينة حماة ولم تسمح لاحد بالخروج منها فيما كانت وحدات خاصة من الجيش وسرايا الدفاع والاستخبارات العسكرية التي يقودها المجرم يحيى زيدان بقيادة المجرم رفعت الاسد الذي كان يتقلد منصب الحاكم العرفي وسط سوريا والذي وضعت تحت إمرته قوة مؤلفة من 12 ألف جندي مدربين تدريباً خاصاً على حرب المدن يرتكبون أبشع الجرائم والمجازر والانتهاكات وعلى مدى شهر تقريباً في مدينة حماة العظيمة.
إنَّ مأساة حماة وما حملته من ويلات وانتهاكات وحشية عكست تحولاً واضحاً في السياسات الداخلية التي اتبعتها الحكومة السورية في ذلك الوقت، والتي تمثلت بالاستعانة بالجيش والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية على نطاق واسع لإخماد العنف السياسي الذي اندلع بين عامي 1979-1982.
زجت القوات الحكومية بالمدنيين في معترك الصراع والذين كانوا هم الضحية الأبرز بذلك الصراع غير المتكافئ لا من حيث النتيجة ولا من حيث الأسلوب، حتى إنَّ سوريا أضحت بعد تلك المجزرة الوحشية بحماة، مزرعة وواحة لآل الأسد ووحوشهم البربرية الهمجية حيث لم يتم رصد أي احتجاجات شعبية كبيرة على سياسات عصابة الأسد حتى العام 2011 عندما اندلعت الثورة السورية.
يذكر الصحفي البريطاني روبرت فيسك، والذي زار مدينة حماة بعد فترة قصيرة من المجزرة بأن أعداد الضحايا قد وصلت لثلاثين ألفاً فيما نقل توماس فريدمان الصحفي الفرنسي عن رفعت الأسد، والذي تباهى بقتله لأربعين ألف في حماة، فيما أشارت تقارير منظمات إنسانية بأنَّ أعداد الضحايا قد تجاوز الخمسين ألفاً وأكثر من 15 ألف مفقود لم يعرف مصيرهم منذ وقوع المجزرة، ولم يعرف فيما إذا هم أحياء أو أموات.
وفيما طالب العديد من الحقوقيين السوريين المعارضين تقديم طلبات لمحاكمة مرتكبي الجريمة الكبرى لا سيما رفعت الأسد الذي قضى أكثر من ثلاثين عاماً في فرنسا كما طالبت منظمات حقوقية بتحقيق دولي مستقل في مجازر حماة ومعاقبة المسؤولين عنها، إلا أنَّ أبواب المحاكم كانت دائماً تسد في وجوههم بذرائع عدة ولدواعي سياسية.
وبعد مجزرة حماة المروعة حيث نجح نظام الأسد بإجرامه وقذارته في كسر التمرد الإسلامي وغير الإسلامي في سوريا والقضاء على كل معارضيه، فإنَّ جماعة الإخوان المسلمين عملت في المنفى بعد أن انتهى وجودها فعلياً في سوريا، وقد حصلت فوضى وقتها في صفوف الجماعات المعارضة، بل إنَّ بعض الفصائل شهدت انقسامات داخلية أثرت على قضيتهم وتماسكهم وتنظيمهم.
وكغيرها، فإن جماعة الإخوان المسلمين والتي كانت تعد أكبر تنظيم معارض لنظام الأسد، فقد انقسمت إلى فصيلين أحدهما تخلى عن فكرة الكفاح المسلح معتنقاً مواقف أكثر اعتدالاً قوامها الحوار والسياسة متخذاً من بريطانيا مقراً له مع انتشار مؤيديه في بعض دول الخليج.
فيما بقي التيار الثاني من الجماعة يؤمن بفكرة الثورة والعمل المسلح ضد عصابات الأسد لإسقاطه متخذاً من العراق مركزاً له ومع تغير الخارطة العربية سياسياً إبان الغزو الأمريكي للعراق، فإنَّ هذا التيار لم يعد يشكل في ذلك الوقت أي تهديد لنظام الأسد وانضم كثير منهم إلى تيار لندن الذي اعتنق العمل السياسي الدعوي.
إنَّ مجزرة حماة وما تبعها من مجازر على كامل التراب السوري والتي ارتكبتها عصابات الأسد وميليشياتها الطائفية القذرة وما زالت.
إنها ولا بد ستكون النار المتقدة لاقتلاع كل الأنظمة المستبدة المجرمة مستقبلاً، وستكون دماء الشهداء مشعل نور للأجيال القادمة.
نحن لا نسعى إلى إقناعكم، ولكن نضع الحقيقة بين أيديكم.
عذراً التعليقات مغلقة